سيف الوقت يداهم الحوار الوطني في مصر

القاهرة - يواجه الحوار الوطني في مصر مأزقا بسبب طول فترة الإعداد لانطلاق جلساته المباشرة بعد أن استمرت النقاشات على مستوى مجلس الأمناء أكثر من خمسة أشهر منذ تشكيله يونيو الماضي، بينما المستهدف الانتهاء من جلسات الحوار في مدة أقصاها مارس المقبل لعرض نتائج الحوار على الرئيس عبدالفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية رمضان المقبل بمناسبة مرور عام على إطلاق دعوته.
ولم ينته مجلس الأمناء من وضع مقررات النقاش التي انقسمت إلى ثلاثة محاور رئيسية، وهي: السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وتنبثق عن كل منها لجان.
ومن المقرر عقد جلسة جديدة السبت لاستكمال مناقشة المقررات ثم الاتجاه نحو اختيار المشاركين في جلسات الحوار المباشرة المزمع انعقادها الشهر الجاري.
وأمام الحوار الوطني فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر إذا التزم بما ذهب إليه مجلس الأمناء، ما يضع صعوبات حول إمكانية الانتهاء من النقاش ورفع التوصيات في التوقيت المحدد، وسط تكهنات بمد أجله، إذا لزم الأمر.
وبدأت تتزايد ضغوط أحزاب وقوى معارضة لعدم إطالة موعده والتفرغ لإنزال مخرجاته على أرض الواقع وسط مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة.
وقال مصدر مطلع بمجلس أمناء الحوار الوطني لـ”العرب” (شريطة عدم ذكر اسمه) إن الإعداد لانطلاق الحوار استحوذ على ما يقرب من 60 في المئة من الوقت المحدد لإنجازه ورفع مخرجاته إلى رئيس الجمهورية، والمجلس من المفترض أن يعلق عمله في العشرين من مارس المقبل، لكن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك.
وشهدت المشاورات التي جرت بشأن البنود المقرر مناقشتها في لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان المنبثقة عن المحور السياسي خلافات ترتبط ببند “إقرار تشريعات لإنهاء ندب القضاة إلى جهات غير قضائية” وتفعيل المادة (253) من الدستور التي تحظر الأمر، واصطدم الطلب برفض أحد أعضاء مجلس الأمناء بشدة، وطال أمد النقاش حولها مع الإصرار على إبعاد البند من الحوار بشكل نهائي.
وأوضح المصدر ذاته لـ”العرب” أن البند المختلف عليه كان محل ترحيب من شيوخ القضاة الذين رأوا أن ندب القضاة لجهات وهيئات سياسية خارج السلك القضائي تشكك في نزاهتهم، وأن هناك 500 قاض سوف يعودون إلى مناصبهم القضائية حال جرى الاتفاق على تمرير هذا البند، وأن تضارب المصالح تسبب في تجميد البند دون أن يتم إقرار كافة بنود لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان.
ويجد مجلس الأمناء ومقررو المحاور الثلاثة صعوبة في الوصول إلى التوافق الكامل حول القضايا الرئيسية المتوقع النقاش حولها، وقد تصطدم الجلسات المقبلة بمقترحات تتطلب وقتا للانتهاء من صياغتها والتوافق على شكلها النهائي قبل رفع التوصيات.
ويواجه مجلس الأمناء معضلة أخرى ترتبط باختيار الأشخاص المشاركين في الحوار، في ظل مخاوف قوى معارضة ألا تحصل على تمثيل يمكنها من عرض رؤاها في أثناء النقاشات النهائية قبل خروج التوصيات، وقد تأخذ عملية الاختيار المزيد من الوقت إلى حين الوصول إلى صيغة وسط بين جميع الأطراف.
ويمكن أن يسهّل التنوع الذي ظهر كسمة إيجابية لمقرري المحاور الثلاثة الرئيسية ورؤساء الـ19 لجنة المنبثقة عنها مهمة مجلس الأمناء في اختيار المشاركين في جلسات النقاش.
وسيكون المجلس أمام اختبار جديد عند اختيار المشاركين الذين يملكون آراء حاسمة في شكل التوصيات النهائية، ويعد ذلك بمثابة مقياس لمدى جدية النظام المصري وإرادته السياسية في إحداث تغيير كبير في تصوراته الراهنة، والتي سوف تتكشف ملامحها في مخرجات وتوصيات الحوار الوطني.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني نجاد البرعي لـ”العرب” إن الجلسة المقبلة (السبت) ستناقش قضايا المحور الاجتماعي، والمجلس بحاجة إلى جلستين أو ثلاث جلسات لتحديد أسماء المشاركين، والتعويل كبير على انطلاق الحوار في منتصف ديسمبر الجاري، لكن المشكلة تتمثل في كيفية مراعاة التمثيل العادل لجميع الأحزاب والقوى السياسية التي دفعت بمرشحيها للحوار.
وأوضح أن إنهاء الحوار في الموعد المتفق عليه يتطلب بدء الجلسات قريبا، وهو التزام يجب عدم مخالفته، ما يدفع للمطالبة بأن يكون عمل لجان الحوار على مدار خمسة أيام في الأسبوع، وليس ثلاثة فقط كما هو مقرر حاليا، بما يساعد على رفع التوصيات إلى رئيس الجمهورية قبل رمضان المقبل.
ومن المقرر أن تكون جلسات المحاور الثلاثة (السياسية والاقتصادية والمجتمعية) للمؤتمر الوطني علنية، وتقوم وسائل الإعلام المختلفة بتغطيتها، ويخصص كل يوم لمحور محدد يتضمن إجراء خمس جلسات.
ويستهدف طول أمد الإعداد للحوار عبر جلسات مغلقة الوصول إلى صيغة مقبولة للنقاشات العلنية التي قد تتخللها حالات شد وجذب تحاول جهات حكومية تفاديها، وأن تجاوز الرؤى المختلفة في النقاشات الراهنة ربما يكون أسهل كثيرا مما عليه الحال في أثناء الجلسات العلنية، والتي سوف تنقلها وسائل الإعلام المختلفة.
أمام الحوار الوطني فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر إذا التزم بما ذهب إليه مجلس الأمناء، ما يضع صعوبات حول إمكانية الانتهاء من النقاش ورفع التوصيات في التوقيت المحدد
وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني كمال زايد (معارض) أن الجلسات ستنتهي في الوقت المحدد ولا يجب أن تتأخر أكثر من ذلك، وهناك رغبة من جميع القوى، حكومة ومعارضة، أن ينطلق بشكل مباشر وعلني قبل نهاية الشهر الجاري.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن التوافق حول الغالبية العظمى من البنود التي يدور النقاش حولها بين تيارات معارضة وموالية تدعم مسألة استمرار الحوار على نفس الوتيرة في أثناء انعقاد جلساته، وأن الخلافات واردة، لكن من المهم وجود قدرة على الخروج بصيغة توافقية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
وشدد على أن الفعالية السياسية للحوار تتطلب الانتهاء منه في الفترة التي جرى التوافق عليها داخل مجلس الأمناء، كي لا يفتح الباب أمام تأجيلات تُخرجه من السياق العام المتمثل في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عاجلة.
وجلبت تصريحات سابقة للمنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان تشكيكا في إمكانية الدخول في نقاشات جادة مع انطلاق الجلسات العلنية، عندما تحدث عن “مشاركة الآلاف من الأسماء في مناطق جغرافية عديدة، وأن تلك الأسماء ستكون قادرة على المناقشة على مائدة الحوار الوطني”، ما يشير إلى توسيع الدائرة بشكل ينعكس سلبا على الوصول إلى مخرجات متفق عليها.