سيطرة طالبان تثير مخاوف من تمدد الفوضى إلى خارج أفغانستان

كابول – دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من تاريخها المضطرب الذي بدأ بسقوط النظام الملكي عام 1973، بعد أن سيطرت قوات طالبان على العاصمة كابول وهروب الرئيس الأفغاني أشرف غني وتوجيه الإدارة الأميركية اللوم للقوات الأمنية والجيش بعدم القتال والصمود أمام تقدم طالبان، وهو الأمر الذي يفرض قلقا استثنائيا على منطقة صارت بؤرة لصراعات القوى الكبرى المتراجعة والصاعدة على حد السواء.
وأظهرت الفوضى التي سادت البعثات الأجنبية في كابول أن أسوأ كوابيس القوى الغربية التي احتلت أفغانستان خلال عقدين تحققت ولكن بإيقاع سريع ومربك كان يمكن أن يطلق شرارة عمليات قصف انتقامية، لولا الهدوء وضبط النفس اللذين مارستهما طالبان في كابول على وجه الخصوص.
ونُقل موظفو السفارة الأميركية في كابول بشكل عاجل إلى مطار العاصمة الأفغانية حيث تم إرسال الآلاف من القوات الأميركية لتأمين عملية الإجلاء، وفق قول وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأحد.
كامران بخاري: الفوضى ستمتد إلى ما وراء حدود أفغانستان
وتحولت منطقة آسيا الوسطى التي تتنافس فيها الصين والهند والولايات المتحدة إلى ساحة اللعب الجديدة بين هذه القوى منذ أن بدأت حركة طالبان تحقّق تقدما ميدانيا في أفغانستان.
وقال الباحث كامران بخاري إن “تغيير النظام عملية فوضوية بشكل رهيب؛ يمكن الإطاحة بالأنظمة الضعيفة، لكن استبدالها هو الجزء الصعب. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تنهار الدولة الأفغانية وتطلق العنان للفوضى التي ستمتد إلى ما وراء حدودها”.
وأضاف “سيتأثر جميع جيران أفغانستان بدرجات متفاوتة، لكن باكستان والصين ستسجلان الخسارة الكبرى. ويمكن أن يحوّل استهداف ميناء تشابهار وشيعة الهزارة في أفغانستان إيران إلى خاسر كبير أيضا”.
وتسلط سيطرة طالبان الضوء على مستقبل استغلال الهند لميناء تشابهار الإيراني الذي يعمل على تسهيل التجارة الهندية مع أفغانستان وآسيا الوسطى والذي ظل معفيا من العقوبات الأميركية بهدف دعم إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها.
وتعتبر الهند ميناء تشابهار بمثابة ثقل موازٍ لميناء جوادر الباكستاني الذي تدعمه الصين، وهو جوهرة تاج النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية ومبادرة الحزام والطريق التي تعتمد على الطاقة في الصين.
لكن إثر توقف المفاوضات مع إيران حول إحياء الاتفاقية النووية الدولية لسنة 2015 أعلنت الولايات المتحدة في يوليو مع أفغانستان وباكستان وأوزبكستان عن خطط لإنشاء منصة من أجل تعزيز التجارة الإقليمية والعلاقات التجارية والتواصل، وهو ما قد يضعف إيران ولكن سيعزز قوة الصين من خلال ميناءيْ جوادر وكراتشي.
ورغم المنافع الاقتصادية التي قد تتحقق للصين على حساب الولايات المتحدة إلا أن ذلك لا يحجب الأضرار المتوقعة المتمثلة أساسا في تحول البلد إلى نقطة لاستهداف الصين من قبل مقاتلي الإيغور التابعين للحزب الإسلامي التركستاني.
ويصدر الحزب الإسلامي التركستاني من حين إلى آخر مقاطع فيديو توثق وجوده في أفغانستان، لكنه ظل بعيدا عن الأضواء في البلاد وامتنع عن مهاجمة أهداف صينية في أفغانستان أو عبر الحدود في شينجيانغ الواقعة شمال غرب الصين، والتي كانت السلطات تقمع فيها الإيغور بوحشية.
ولذلك لم تكن تطمينات طالبان كافية لمنع الصين من أن تقدم إلى مواطنيها نصائح متكررة تحثهم على مغادرة أفغانستان في أسرع وقت ممكن.
وقالت وزارة الخارجية الصينية “في الوقت الحالي تدهور الوضع الأمني في أفغانستان بشكل أكبر… وإذا أصر المواطنون الصينيون على البقاء في أفغانستان فسيواجهون مخاطر أمنية شديدة للغاية، وسيتحملون جميع العواقب”.
طالبان في كابول
وتتعزز مخاوف الصين من تحولها إلى هدف للمتشددين، بعد مقتل تسعة مواطنين صينيين في يوليو الماضي إثر انفجار في حافلة تقل العمال إلى موقع بناء سد في جبال باكستان الشمالية، وجهت فيه الاتهامات إلى المسلحين القوميين البلوش.
ومن المتوقع أن تؤجج سيطرة حركة طالبان المشاعر الدينية المحافظة والمتطرفة في باكستان التي تنظر إلى عناصر طالبان كأبطال يعزز نجاحهم فرص الحكم الديني المتشدد في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان المسلمين في العالم.
وقال مسؤول باكستاني كبير “سوف يتشجع جهاديونا؛ سيقولون: إذا كان من الممكن هزْمُ أميركا فمن هو الجيش الباكستاني ليقف في طريقنا؟”.
وبدورهم يعتبر سكان مدينة ترميز الأوزباكية -التي تعود شوارعها إلى العهد السوفييتي- وجود طالبان على بعد أميال قليلة من مدينتهم مصدر قلق رئيسيّا.
وصرح سفر تورسونوف (66 عاما) “لم يكونوا ودودين من قبل ومن غير المرجح أن يصبحوا كذلك”، وأضاف أن “أوزبكستان بلد مزدهر ولسنا بحاجة إلى جيران من هذا النوع”.
وفي السنوات العشرين الماضية حافظت ترميز على علاقات تجارية جيدة مع أفغانستان المجاورة تكللت بمد خط للسكة الحديدية يربط هذه المدينة بمزار شريف التي تبعد نحو مئة كيلومتر.
لكن أوزبكستان اضطرت إلى إجلاء عمال السكك الحديدية الذين يعيشون على الجانب الأفغاني من الحدود الأحد.