سيطرة ثقافة العيب تصعب من مهمة التطرق إلى وقائع تحرش الرجال بعضهم ببعض

تشجيع الرجل ضحية التحرش على التعبير دون وصمه بداية الخلاص من المتحرشين.
الخميس 2021/07/22
قضية تحرش الرجال بالرجال حساسة

ينأى كثيرون عن التطرق إلى قضايا تحرش الرجال بالرجال نظرا لحساسيتها، ما يزيد من انتشارها. ويرى خبراء علم الاجتماع أن الحد من هذا السلوك لن يتحقق دون استخدام سلاح الردع وعدم الصمت من جانب الضحايا. ويؤكد هؤلاء أن حوادث تحرش الرجل بالرجل موجودة ويصعب إنكارها، ولو كانت حالات فردية، لكن المعضلة تكمن في عدم مواجهتها بشجاعة.

القاهرة – أزالت قضية طبيب الأسنان المتحرش بالرجال في مصر الذي حكم عليه بالحبس 15 عاما قبل أيام جدار الصمت على وقائع تحرش ضحاياها الذكور أنفسهم، والمتهمون فيها رجال أيضا، وهي القضايا التي ينأى كثيرون عن التطرق إليها.

وعكس الحكم المشدد وجود قناعة قانونية بضرورة القضاء على التصرفات الشاذة في المجتمع، وعلى رأسها تحرش الرجل بالرجل، ولن يتحقق دون استخدام سلاح الردع، وشريطة عدم الصمت من جانب الضحايا، لأن المواجهة الصامتة لن تجني سوى المزيد من وقائع التحرش المستترة.

واعتادت الكثير من المجتمعات العربية مناقشة وقائع التحرش التي تكون ضحيتها المرأة فقط، ويمارس فيها الرجل دور الجاني الذي يستغل ضعف الأنثى وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها لإيذائها نفسيا أوجسديا، وظلت وقائع تحرش الرجل بالرجل طي الكتمان لعقود طويلة.

وتجرأ الفنان المصري عباس أبوالحسن وكتب على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن واقعة تعرضه للتحرش على يد طبيب أسنان شهير في القاهرة، ورغم أن الموقف حدث منذ فترة، لكن أبوالحسن لم يستطع نسيانه وقرر فضح الأمر وكشف الأسرار التي ظلت طي الكتمان.

جمال فرويز: الكثير من الأسر تتعامل مع المتحرش به على أنه قليل الحيلة
جمال فرويز: الكثير من الأسر تتعامل مع المتحرش به على أنه قليل الحيلة

واستعان الفنان بمجموعة من أصدقائه تعرضوا لنفس الفعل على يد الطبيب المتحرش، وقرروا مقاضاة المتهم أمام النيابة العامة، ودعوة المجتمع إلى الانتفاض ضد المتحرشين من الرجال بالرجال حفاظا على المراهقين والشباب الذين قد يقعون ضحايا لهذه الفئة ولا يتحدثون.

واستقبل المجتمع المصري الواقعة بنوع من الصدمة لجرأتها، فمثل هذه التصرفات وإن كانت موجودة على الأرض لكن التطرق إليها علانية بات من المحظورات نظرا لحساسيتها وارتباطها بالرجل الذي لا يجب وفق الأعراف والتقاليد أن يقول عن نفسه إنه كان ضحية لمتحرش.

هذه الأزمة الحقيقية في أغلب المجتمعات العربية، فحوادث تحرش الرجل بالرجل موجودة ويصعب إنكارها، ولو كانت حالات فردية، لكن المعضلة في عدم مواجهتها بشجاعة تمهيدا لعلاجها بردع المتحرشين وتوصيل رسالة ترهيب إلى مدمني هذا الفعل.

وقال علاء (أ)، وهو شاب يعيش في إحدى قرى ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، إنه تعرض ذات يوم للتحرش على يد رجل خمسيني حاول الإمساك به عنوة، لكنه دافع عن نفسه بقوة وكاد يضربه لولا توسل الرجل وطلب العفو عنه.

وأضاف علاء لـ”العرب” أنه ذات يوم كان يسير مع هذا الخمسيني داخل القرية، وفوجئ بنظرات غريبة من الناس إليه، لكنه لم يفهم لماذا يتهامسون وهم ينظرون إليه، وبعد دقائق فهم المغزى من هذه النظرات المريبة والساخرة.

وأكد الشاب أنه اكتشف شذوذ الرجل، وكيف أن كل من يتكلمون ويجلسون معه يتم اتهامهم بممارسة الرذيلة معهم، أو على الأقل تصنيفهم كمتحرشين مثله، فهو معروف للكثير من شباب القرية بأنه يميل للعلاقات الجنسية التي يكون طرفها الثاني رجلا.

ولم ينكر الشاب أنه اشتكى لعائلة المتحرش من تصرفاته، لكنه صُدم من ردة الفعل عندما أبلغوه بأنهم “فشلوا في ترويضه وإثنائه عن هذه التصرفات، وتركوا للضحايا حرية الانتقام منه”، لكن المشكلة عندما يكون الضحية طفلا يتم اغتصابه عنوة.

وتعكس الواقعة أن هناك العديد من حكايات التحرش التي يمتلكها الرجال ضحايا التحرش من أقرانهم الرجال مسكوتا عنها لأن أصحابها يخشون البوح بها أو فضحها، فالشاب الريفي اكتشف أن العشرات من جيرانه وأهل بلدته تعرضوا للتحرش ولم يتحدثوا، بل واجهوا الموقف بالصمت، لأن الحديث في هذه القضية مسيء للمتحرش والمتحرش به، وقد يكون الثاني موقفه أشد حساسية.

وقال جمال فرويز استشاري الطب النفسي لـ”العرب” إن أغلب المجتمعات تصمت على وقائع تحرش الرجل بالرجل خشية الفضيحة، لأن الكثير من الأسر تتعامل مع المتحرش به على أنه ضعيف وقليل الحيلة ورجولته مشكوك فيها، وهذه أزمة بالغة التعقيد تكفي لردع الكثير من الرجال للحديث عن هذه المسألة.

وأوضح فرويز أن هناك قناعة لدى الكثير من ضحايا التحرش بأنهم إذا تكلموا عما حدث لهم سيكونون موصومين، وقد تهتز رجولتهم وسط محيطهم الأسري، مع أن فضح المتحرش أقوى أسلحة مواجهته، فهو شخص جبان ومضطرب الشخصية.

ويرى باحثون في شؤون الأسرة أن وقائع تحرش الرجل بالرجل تعكس أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال موجودة على نطاق واسع، لأن أغلب المضطربين جنسيا معروف عنهم تعرضهم في الصغر لاعتداءات وتحرشات شوهت ميولاتهم الجنسية.

Thumbnail

ولفت استشاري الطب النفسي إلى أن أغلب المراهقين الذين يتعرضون إلى حوادث تحرش واعتداء جنسي من ذكور أكثر ميلا لتكرار نفس الفعل مع ذكور مثلهم مستقبلا، أيّ أن المشكلة متجذرة وعلاجها يتطلب تدخلا أسريا جريئا من خلال الاستماع إلى الأبناء والاقتراب منهم لا ترهيبهم.

ومعروف أنه في بعض المجتمعات العربية تكون الأسرة آخر من يعلم بتعرض الابن للتحرش أو الاعتداء الجنسي، لأن المتحرش به يخشى الحديث مع الأب والأم، وقد يتم اتهامه بأنه ذو ميول جنسية شاذة، ولا يتم دعمه ومساندته لنسيان الواقعة ومحاسبة المتورط قبل أن يكبر على المثلية.

وتسيطر على الكثير من الأسر العربية ثقافة العيب، حيث لا يسمح بالتطرق إلى وقائع تحرش الرجل بالرجل لأنها من المسائل بالغة الحساسية، مع أن الرجل ضحية التحرش يشعر بآلام نفسية تكاد تتخطى مثيلتها التي تعيشها المرأة ضحية التحرش للشعور بالإهانة والضعف والخوف من الكلام.

واعتادت بعض الأسر العربية التركيز على وقائع تحرش الرجل بالمرأة في محاولة لإثبات أنها الطرف الأضعف من منظور ذكوري بحت خشية التطرق إلى وقائع تحرش الرجل بالرجل، لأن ذلك يمس الرجولة ويجعل صاحبها مشكوكا في تصرفاته وسلوكياته وقد يؤخذ كدليل على الضعف.

ويتعرض الرجل ضحية التحرش من رجل مثله إلى تلميحات بأن ميوله الجنسية شاذة، مع أسئلة محرجة تشكك في دوره داخل أسرته، لذلك يفضل السكوت والابتعاد بنفسه عن دائرة الشبهات، لأن المجتمع اعتاد عدم الاعتراف بحق الفتاة ضحية التحرش، فكيف يقتنع بالرجل كضحية؟

وأكدت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية أن تحرش الرجل بالرجل لم يرتق إلى مستوى التعامل معه كظاهرة أسرية ومجتمعية، لكنها قضية مطلوب نقاشها ومعرفة أبعادها، فالصمت عليها يمهد لمزيد من الوقائع، وهنا تقع المسؤولية الأهم على الأسرة بأن تستمع إلى أولادها وتؤمن بأن التحرش موجود بالفعل.

وأشارت لـ”العرب”إلى أن معضلة الكثير من الأهالي تكمن في عدم اعترافهم بحق الطفل أو الشاب الذي لديه ميول جنسية مضطربة في العلاج مبكرا، لأن ذلك سوف يتسبب للأسرة في مشكلات كثيرة، خاصة أن المجتمعات العربية لا تقبل مثل هذه الوقائع الشاذة، والعلاج نقطة أولى للقضاء عليها والحد من الأزمات الأسرية الناجمة عنها.

21