سيطرة المنابر التحريضية تعيق الإعلام المستقل في العراق

غموض مصادر تمويل وسائل الإعلام يلغي استقلاليتها.
الثلاثاء 2021/03/16
وسائل الإعلام العراقية بين سلطة المال والنفوذ السياسي

انحرفت غالبية وسائل الإعلام العراقية عن الأخلاقيات الصحافية وأصبحت أجنحة سياسية للأحزاب والتيارات المهيمنة. في حين طغت تلك الأخلاقيات على وسائل الإعلام الأخرى والتي تحاول أن تتسم بالموضوعية إلا أنه من الصعب عليها أن تبقى موجودة في مشهد يسيطر عليه المتنفذون.

بغداد - يرى صحافيون وخبراء إعلام عراقيون أن المشاريع الإعلامية الصغيرة المستقلة في البلاد لا ترقى لتكون مؤسسات إعلامية حقيقية في ظل هيمنة المؤسسات الإعلامية الكبيرة المعروفة بتبعيتها السياسية وتأثيرها السلبي على الرأي العام.

وساهم غموض مصادر التمويل المالي في غياب استقلالية العمل الصحافي وقلل فرص النجاح الإعلامي، إذ يفتقد العراق لقانون يلزم من يرغب في افتتاح مؤسسة إعلامية بتقديم كشف مالي لأرصدة المؤسسة قبل افتتاحها وحجم التمويل والجهات الداعمة للحيلولة دون الاستغلال السياسي وفرض توجهات سياسية معينة وشراء ذمم المؤسسات الإعلامية.

وتناول تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين العراق كنموذج يوضح أثر المال والنفوذ على وسائل الإعلام وإساءة استخدامها. وقالت الصحافية منار الزبيدي معدة التقرير إن المال السياسي نجح في تجنيد وسائل إعلام مؤثرة ومنها مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي أثر سلبا على ثوابت وأخلاقيات وسائل الإعلام لتصبح وسيلة لتضليل الرأي العام وأداة من أدوات الفاسدين.

وانحرفت الصحافة ووسائل الإعلام عن أخلاقياتها وباتت أسيرة لجهات متنفذة حتى أصبحت وكأنها أجنحة سياسية للأحزاب والتيارات المهيمنة في العراق، واستخدمت بكثرة في حروب إعلامية تشعل الصراع بين فترة وأخرى.

ويرى الصحافي والأكاديمي مسلم عباس أنه لا يمكن لأحد أن يمول مشروعاً إعلامياً من دون أن تكون له أهداف محددة، بعضها نبيل والآخر لأغراض معينة وربما شخصية ضيقة. أما النموذج السياسي وهو السائد في العراق فالمعلومات والحقائق لا تنشر مجردة، بل تنشر لتحقيق أهداف سياسية تخدم ممول المؤسسة الإعلامية “فلا إعلام في سبيل الله”.

سامان نوح: الطرح غير الموضوعي لوسائل الإعلام يبلغ ذروته خلال الأزمات
سامان نوح: الطرح غير الموضوعي لوسائل الإعلام يبلغ ذروته خلال الأزمات

ويتفق غالبية الصحافيين على أنه لا استقلالية في وسائل الإعلام العراقية بما فيها تلك التي تؤكد استقلاليتها، إذ لا يوجد محتوى مهني وحيادي بسبب تأثيرات الخط السياسي لرأس المال، ويلاحظ ذلك خلال المواسم الانتخابية أو من خلال معالجة الملفات الإخبارية التي تهم الرأي العام.

كما أن تبعية وسائل الإعلام لأحزاب دينية ساهمت في تكريس خطاب إعلامي نمطي يقف ضد تحرر المرأة وإعطائها حقوقها.

وقالت إرادة الجبوري أستاذة في كلية الإعلام بجامعة بغداد “مهما كانت الأحزاب الدينية بكل أسمائها المختلفة وتوجهاتها سواء كانت معتدلة أو متطرفة، فهي تتناول قضايا المرأة وفق منظور الحزب الديني”.

وبما أن التيارات الدينية المتشددة هي المسيطرة الآن على الساحة وتفرض نفسها بصفة “حامية الدين والمذهب”، فإنها تضع المرأة ضمن سياقها المعروف من خلال ما تنتجه من محتوى وتصورات وأفكار عن النساء، حيث تصادر الحقوق وتكرس الأبوية والأفكار التي تتناقض مع جوهر الإنسانية والديانات وهي تروج للتطرف وخطابات الكراهية التي تستهدف النساء.

وتعمل المؤسسات الإعلامية التي أسستها الأحزاب وتكونت بناءً على أفكار مذهبية أو طائفية على فرض الأفكار والتوجهات التي تريدها تلك الجهات على المجتمع، إذ يعمل بعضها كتيار مضاد لقضايا حقوق المرأة من خلال ما تنتجه من مواد إعلامية وإعلانية تكرس وتساهم في التمييز والعنف على أساس النوع الاجتماعي مما يشجع على مضاعفة العنف والتمييز ضد النساء.

وظهرت هذه القضايا كثيرًا عند نقاش تشريعات قانون أو الاستعداد لإطلاق إجراءات معينة تحمي حقوق المرأة مثل مسودة قانون الحماية من العنف الأسري وغيرها.

وأصبحت بعض المؤسسات الإعلامية أداة تشهير استهدفت النساء الصحافيات والناشطات في مجال حقوق المرأة وحرضت ضدهن بشكل واضح وصريح مما شكل خطورة فعلية على حياتهن.

ورأى الكاتب والصحافي سامان نوح أنّ الطرح غير الموضوعي لوسائل الإعلام يشتد ويبلغ ذروته خلال فترة التوترات والصراع والأزمات، ويظهر بشكل واضح عبر الأخبار والتقارير ومقالات الرأي ومنشورات منصات التواصل.

وأضاف أنه في فترة المظاهرات على سبيل المثال كان الترويج ضدها واضح، فمعظم وسائل الإعلام قامت بالتحشيد ضد النشطاء والصحافيين والأقلام التي تكتب بموضوعية من خلال تلفيق الاتهامات المختلفة ووصفهم بأوصاف غير حقيقية مثل “أولاد السفارات والعملاء والأيادي الخارجية وغيرها”.

وأدى ذلك التحريض إلى اغتيالات وعمليات خطف وعنف، حيث كانت تغطيات وسائل الإعلام تقوم بالترويج لأفكارها السياسية ومصالحها الحزبية السلطوية على حساب حياة الآخرين.

وأضاف نوح أن الأداء الإعلامي كان “سيئا جدًا” خلال فترة المظاهرات وحتى الآن على اعتبار أن هذه الفترة تسبق الانتخابات ويشوبها الترويج السياسي، حيث تستخدم وسائل الإعلام لطرح أهداف سياسية بعيدا عن الموضوعية والتوازن وما إلى ذلك من أسس إعلامية ثابتة.

Thumbnail

وأصدر بيت الإعلام العراقي خلال السنوات الماضية (بوصفه جهة مراقبة لوسائل الإعلام المحلية) تقارير عديدة ركزت على الدور الكبير الذي مارسه المال السياسي في توجيه وسائل الإعلام المحلية نحو وجهات تحقق غايات ومآرب الجهات الممولة، وكان ترويج الخطاب الطائفي من أبرز ما قامت به العديد من الفضائيات من خلال استضافة شخصيات طائفية سياسية إضافة إلى بث أخبار مجتزأة ومنحازة تجاه قضايا محددة على حساب أخرى وطنية عامة، وقد أصبح خطاب الكراهية ينافس التغطية المهنية.

من جانبها أكدت شبكة تحالف الأقليات العراقية ضعف دور الإعلام في تسليط الضوء على الصراعات الإقليمية وأثرها على واقع وحقوق الأقليات العراقية، كما أشارت إلى تنامي خطاب الكراهية ورصدت خلال العام 2020 أكثر من 36 خطاب كراهية استهدفت الأقليات 60 في المئة منها في إقليم كردستان العراق.

ويعتبر القانون العراقي قاصرا عن معالجة أزمة استخدام المنابر في الحروب الإعلامية، فقد ركز المشرع على القوانين التي تحفظ عدم انتقاد السلطة تحت بند القذف والتشهير بقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وهي مواد قانونية وجدت لحماية السلطة الحاكمة، وتتحمل هيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحافيين مسؤولية رقابة وسائل الإعلام، فالهيئة لديها مدونات النشر في وسائل الإعلام التي تستخدمها السلطة والجهات المتنفذة لقمع وسائل الإعلام المعارضة للحكومة فقط، أما الموالية فهي حتى وإن خرقت مدونات النشر فلا تحاسب.

وبالنسبة إلى سلطة نقابة الصحافيين فهي تعمل وفق قانون نقابة الصحافيين رقم 178 لسنة 1969 وقانون حقوق الصحافيين رقم 21 لسنة 2011، ومن خلالهما تستطيع مراقبة مدى التزام الصحافيين بصفتهم الصحافية بغض النظر عن مؤسساتهم، ومدى تطبيقهم لقواعد المهنة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء بحق صحافيين خرقوا قواعد المهنة رغم وجود قضايا وأكاذيب نشرها صحافيون ضمن مسار الحرب الإعلامية المستعرة في العراق، وفقاً لقناعة الصحافي والأكاديمي مسلم عباس.

ويرى مراقبون ومختصون في الشأن الإعلامي ضرورة تفعيل القوانين المتعلقة بالعمل الإعلامي وتشديد الرقابة على الانتهاكات التي تصدر من وسائل الإعلام مع مراعاة “المساواة” في تطبيق القانون بعيدًا عن “الانتقائية” المعمول بها في الوقت الحالي، فالردع يجب أن يطبق على الجميع مهما كان الممول والمالك، كما يجب أن تضمن الجهات الحكومية حماية المتضررين من تلك الانتهاكات.

ودعت الصحافية والباحثة في مجال حقوق المرأة فريال الكعبي الجهات المنظمة لعمل وسائل الإعلام إلى وضع ضوابط مؤسساتية صارمة عند إنشاء أو تأسيس وسيلة إعلام، ويجب أن تقوم على مفاهيم حقوق الإنسان وتوصي بضرورة التحرّك لوقف إهانة كرامة النساء في بعض هذه المؤسسات والتوجيه بتعديل سياستها في التعامل مع قضايا النساء وحقوق الإنسان وإنشاء آليات رصد لمتابعة تلك القنوات ومقاضاتها قانونيا مع ضرورة تدريب الكوادر الإعلامية وبشكل دوري حول مبادئ العمل الصحافي ضمن إطار حقوق الإنسان.

18