"سيرة ومسيرة" معرض سعودي يستعيد ذكرى الفنان سعد العبيّد

الرياض - تستعيد هيئة الفنون البصرية بالسعودية ذكرى الفنان التشكيلي الراحل سعد العبيّد عبر معرض يحمل عنوان “سيرة ومسيرة” ينطلق السبت ويستمر إلى 24 يناير الجاري، في قصر الثقافة بحي السفارات في الرياض، ويُسلط الضوء على مسيرة أحد رواد الفن التشكيلي السعودي، مستعرضا إرثه الفني والثقافي الذي رفد به الساحة الفنية على مدى ستة عقود من الزمن، والتي حمل خلالها لواء التغيير في المشهد التشكيلي بالمملكة.
ويتضمن المعرض الذي تنظمه هيئة الفنون البصرية بالتعاون مع معهد مسك محتوى فنيا متكاملا يغطي جوانب متعددة من مسيرة فنية ومتعددة لعدة عقود، ويقدم أعمالا ولوحات بعضها يُعرض للمرة الأولى.
وصممت الهيئة المعرض بطريقة إبداعية تعكس قامة الفنان الراحل، وقيمته الفنية، لتشهد أروقته عرضاً إبداعياً لـ153 لوحة فنية أصلية أبدعتها ريشة الفنان سعد العبيد، إضافة إلى مجموعة من رسوماته الخاصة، وكتيب يجمع أغلب أعماله الفنية طيلة فترة حياته، وفيلم قصير يُلخّص مسيرته الفنية التي أثرت الساحة التشكيلية، وأسهمت في تطورها على مدى عقود طويلة، إضافة إلى برنامج مصاحب للحفل يشتمل على مجموعة من الجلسات الحوارية التي تدور حول حياة الفنان، ومحطاته الفنية مع عدد من المقربين والفنانين.
ويُعد الفنان سعد العبيّد، الذي ولد في الرياض عام 1945 وتوفي عام 2020، أحد روّاد الفن التشكيلي السعودي، بدأت علاقته بالفن منذ الطفولة، قبل أن يلتحق بمعهد المعلمين بالرياض أين تخرج عام 1962.
بدأ يرسم معتمدا على مواهبه الذاتية والقليل مما تعلمه عندما كان تلميذًا بذهنٍ مفتوح على مداءات التجريب؛ واستمر على ذلك حتى استفاد من دورتين تدريبيّتين في الرسم بمدينة الطائف سنة 1976 وضعتاه على خط الاحتراف، ووطّدتا علاقته بالرسم وهوسه بالتشكيل البصريّ، ثم ابتعث إلى فرنسا ليحصل منها على دبلوم الرسم التلفزيونيّ، وعيّن بعد ذلك رسامًا مشرفًا على قسم الخط بتلفزيون الرياض، تلك المهنة التي فتحت أمامه أفقًا ممتدًا يمزج بين الرسم والخط وفلسفة الألوان، ويؤاخي بين الرسم المجرد والصورة الفوتوغرافيّة.
أقام الفنان الراحل أول معارضه الشخصية عام 1970، الذي يعد أحد المعارض المبكرة التي شهدتها المملكة خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. تواصلت عروضه الفنية الفردية والجماعية وحضوره منظما ومنسقا لبعض المعارض والنشاطات الفنية، من بينها جناح الفنون التشكيلية في معرض “المملكة بين الأمس واليوم”.
انطلق بعد ذلك في مسيرة طويلة امتدت لستة عقود أسهم خلالها في إحداث تغيير كبير في ميدان الفن التشكيلي بالمملكة عبر إنتاجه الفني والأدبي وتنظيمه وإشرافه ومشاركته في العديد من المعارض المحلية والدولية، ومن أبرزها تسعة معارض شخصية أقامها في عدة مدن بالمملكة خلال 43 عاما في الفترة من 1971 إلى 2013، فضلا عن تشجيعه على إقامة الجماعات الفنية بالمملكة، منها مشاركته في تأسيس جماعة “ألوان التشكيلية” بالرياض. صدر له في عام 2003 كتاب “سعد العبيد ومسيرة الأربعين عاما”، كما أعد عددًا من الإصدارات والكتب الفنية، من بينها كتاب “معرض الوفاء التشكيلي للفنان محمد السليم” وكتاب “في ذكرى التأسيس”.
في سنة 1999 قرر سعد العبيد أن يتفرغ للرسم، سعيًا إلى قضاء أكبر وقت ممكن في الإبداع ورسم اللوحات التشكيليّة، وفِي سنة 2008 دشَّن مرسمًا خاصًّا به، جعله مُحترفًا ومُعتكَفًا يخلو فيه إلى ذاته في لحظات الإلهام، ليشكل من خامات الألوان ما يبهر به عيون وقلوب متذوقي الفنّ.
♦ أعمال العبيد حملت شخصيته الفنية وحسه ولمسته الخاصة التي عرضها بمعالجته اللونية الخاصة
وحملت أعمال العبيد شخصيته الفنية وحسه ولمسته الخاصة التي عرضها بمعالجته اللونية الخاصة، حيث كان الفنان سعد يتميز باستخدامه أربعة ألوان فقط، وهي الأبيض والأزرق والأصفر والأحمر، وكان يعتمد على أسلوبه في مزجها وصناعة عشرات الألوان منها.
ومن أهم مواضيع لوحاته رسمه لأفراد من عائلته وبعض الشخصيات المعروفة أو بعض كبار السن إضافة إلى مواضيع تعبر عن الطبيعة والصحراء وأخرى إنسانية وبعض المظاهر الاجتماعية في المملكة. كما رسم بعض مظاهر الحداثة التي شهدتها مدينة الرياض، وتركت زياراته المتكررة إلى أبها أثرا في أعماله في العقدين الأخيرين من حياته.
ورسم الفنان عدة لوحات مرتاحة العواطف مثل “دعاء وأمل” و”لوحة المصير” و”زاد السفر”، كما رسم البيئة حوله بموجوداتها.
وأطلق عليه الفنان عبدالرحمن السليمان لقب “رسام الطبيعة الصامتة”؛ إذ كان يرسم المشاهد الخارجية للبيوت، كما عبّر عن المرأة وعن القضايا الإنسانية، ورسم مناظر حية لطبيعة الرياض، حيث رسم نجد بحب وشغف. أعماله الفنية غنية بالعناصر والمنظومة البصرية ككل، هذا التركيز والاهتمام بالعناصر ورسمها وتلوينها وتظليلها أضفيا على لوحاته جماليات التكوين.
تأثر العبيّد بالعديد من الفنانين العالميين، مثل كاميل بيسارو ورينوار وسوراه وكلود مونيه ومانيه وفان غوخ، وغيرهم، حيث اكتسب منهم العديد من الخصائص أهمها الرؤية الفنية في تحليل علاقة الضوء بعناصر الطبيعة، وكيف تشع الألوان من الأجسام وتصل إلى العين ويدركها العقل.
ويأتي معرض “سيرة ومسيرة” في إطار جهود هيئة الفنون البصرية لتسليط الضوء على الإرث الفني السعودي، وتعريف المجتمع بإنتاجاته الإبداعية وروّاده الذين أثروه على مدى سنوات طويلة، وتعميق فهم دور الفن في إثراء الحياة الثقافية والاجتماعية.