سيتي سكيب السعودية يفتح آفاقا أوسع للاستثمار العقاري

تراهن السعودية عبر استضافتها للنسخة الثانية من معرض العقارات سيتي سكيب العالمي إلى فتح آفاق أوسع للاستثمار في القطاع والذي يعد أحد أبرز محاور أجندة التحول، حيث تتطلع الحكومة إلى جعله أحد محركات التنويع وتعظيم مساهمته في التنمية الشاملة.
الرياض - تتطلع الحكومة السعودية إلى تحديث شامل للبنية العمرانية للبلاد بحلول نهاية العقد الحالي، بما يشمل تشييد مدن جديدة وتطوير مشاريع عملاقة، لتكون جاهزة لاستقبال الزائرين الأجانب الذين تخطط لاستضافتهم خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي إطار زخم زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، تحتضن العاصمة الرياض بداية من الاثنين 11 نوفمبر الجاري ولمدة أربعة أيام دورة جديدة من المعرض العقاري سيتي سكيب العالمي بعد أن اختتم نسخته الأولى باستثمارات بلغت نحو 39.4 مليار دولار.
ويضم المعرض في نسخته الحالية منتدى مستثمري العقار، الذي يستضيف 150 مستثمرا من 22 دولة، حيث يأتي المؤتمر بهدف تعزيز التعاون في المشاريع، ليمثل مركزا مهما للفرص والاستثمار.
ويأتي تنظيم الحدث مع تسجيل صفقات عقارية هذا العام بلغت نحو 168.3 مليار دولار، بما يجعل القطاع أحد أهم محركات تنويع الاقتصاد.
وقال ماجد الحقيل وزير الإسكان السعودي خلال افتتاح المعرض إن “القطاع العقاري يحرك أكثر من 60 قطاعا اقتصاديا إضافيا في المملكة”.
ويتزامن هذا التوسع المطرد للقطاع مع توقعات بارتفاع قيمة السوق العقارية في البلد الخليجي إلى 2.1 تريليون دولار العام الجاري، بحسب بيانات منصة ستاتيستا الألمانية لأبحاث السوق.
كما من المتوقع أن ترتفع مساهمة القطاع بالناتج المحلي للبلاد إلى عشرة في المئة بحلول العام 2030، وفق وكالة ستاندرد آند بورز.
ووفق رؤية 2030 سيتم عند نهاية العقد الحالي تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية، وأكثر من 5.3 مليون متر مربع من المساحات التجارية، وأكثر من 6.1 مليون متر مربع من الوحدات المكتبية.
وهذه الخطة الطموحة قد تجعل من البلد أكبر سوق للبناء في العالم بحلول العام 2028، حيث ستصل قيمة المشاريع تحت الإنشاء وقتها إلى 181.5 مليار دولار، بعد أن بلغت العام الماضي 141.5 مليار دولار، حسب نايت فرانك المتخصصة في الاستشارات العقارية.
وكان فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في نايت فرانك، قد وصف في تصريحات سابقة هذه المشاريع بأنها “فقط رأس جبل الجليد”.
وتمثل الاستثمارات الحكومية قاطرة نمو القطاع العقاري في البلاد، إذ بلغ مجموع الأموال التي خصصتها لمشاريع التشييد والبنية التحتية خلال السنوات الثماني الماضية أكثر من 1.25 تريليون دولار.
وتشمل أبرز المشاريع الكبرى قيد الإنشاء مدينة ذا لاين التابعة لنيوم، والقدية، ووجهات البحر الأحمر السياحية وروشن والدرعية.
ودفع حجم الاستثمارات الضخم بمستثمرين من الشرق الأوسط والعالم إلى التهافت نحو السعودية للحصول على قطعة من هذه الكعكة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات، وهو ما يجعله قطاعا مغريا لأصحاب رؤوس الأموال من الناحية التجارية.
تنظيم الحدث يأتي مع تسجيل صفقات عقارية هذا العام بلغت نحو 168.3 مليار دولار، بما يجعل القطاع أحد أهم محركات تنويع الاقتصاد
وليست الاستثمارات الضخمة للعقارات المسبّب الوحيد لهذه الفورة، إذ أقرت الحكومة مجموعة من المبادرات والتسهيلات لتنمية هذا القطاع، وجذب الاستثمارات الأجنبية إليه.
ومن بين البرامج السماح بإتمام المعاملات الكترونيا، وتعديل نظام ضريبة التصرفات العقارية، والتي ستسهم بصناعة زخم كبير في السوق بدءا من النصف الأول من 2025، وفق الرئيس التنفيذي لشركة منصات العقارية خالد المبيض في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق.
ويساند ذلك إطلاق البورصة العقارية، التي تسمح للمستخدمين بتداول العقارات عبر البيع والشراء المباشر أو عبر العروض والطلبات الحرة، بالإضافة لخدمات الرهن، والفرز والدمج بالهوية العقارية، والبيانات، واستعراض التاريخ الكامل للعقار.
ويواجه القطاع تحديات عديدة، منها الارتفاع المستمر للأسعار نتيجة الوتيرة المتسارعة لزيادة الطلب، إذ زادت أسعار بيع المنازل في الرياض خلال النصف الأول من هذا العام بنسبة 10 في المئة، كما ارتفع متوسط الإيجارات بتسعة في المئة.
ويشكل تركز استثمارات القطاع الخاص على العاصمة ومعها جدة تحدياً آخر يخل بتوازن السوق، وذكرت ماكينزي للاستشارات في تقرير لها صدر قبل أشهر أن منطقة الرياض تستحوذ وحدها على 38 في المئة من قيمة العقود الحالية، أي ما يعادل 54 مليار دولار.
توزيع المشاريع حسب القيمة
- 54 مليار دولار تستحوذ عليها الرياض
- 28.7 مليار دولار تستحوذ عليها مكة
- 28.5 مليار دولار تستحوذ عليها تبوك
وتأتي منطقة مكة المكرمة في المركز الثاني بقيمة 28.7 مليار دولار، ثم منطقة تبوك شمال غرب البلاد بنحو 28.5 مليار دولار.
ويعتبر نقص المعروض من المساحات المكتبية بمواجهة الطلب المتنامي على هذا النوع من العقارات، تحديا إضافيا أمام المستثمرين، الذين يواجهون أيضا ارتفاعا في تكاليف التمويل.
وفي خضم ذلك، تواجه شركات التطوير العقاري تحديات أكبر مع كلفة التمويل الناتجة عن الفائدة القياسية، تتمثل بارتفاع أسعار الأراضي، ونقص العمالة الماهرة، وصعوبة توفر المواد الخام، بحسب دوراني.
وكان المطورون العقاريون من مصر من أبرز من دخلوا إلى السوق السعودية في الفترة الماضية، فمثلا، تعتزم شركة حسن علام إضافة مشاريع بقيمة نصف مليار دولار لمحفظتها.
كما تحالفت كونكريت بلس مع زهران القابضة لتنفيذ مشروع عقاري متعدد الاستخدامات باستثمارات تقدر بنحو 530 مليون دولار.
وسبق ذلك ضخ الملياردير سميح ساويرس لاستثمارات في السوق السعودية، ومجموعة طلعت مصطفى التي أطلقت مشروعا شرق الرياض، وتمكنت من بيع 2500 وحدة فيه خلال 5 أشهر، وأيضا كل من ماونتن فيو وصبور وتطوير مصر.
كما تأمل شركات أخرى في الدخول إلى هذه السوق في المستقبل، من بينها مدينة مصر التي أعلنت أنها تأمل أن تبرم أول عقد تطوير في السعودية مطلع 2025.
وبالإضافة إلى الشركات المصرية، دخلت شركات عالمية إلى السوق السعودية مؤخرا. وكمثال على ذلك، تتعاون شركة فلو التابعة لرائد الأعمال الأميركي آدم نيومان مع مستثمرين محليين لتطوير وامتلاك ثلاثة مبان سكنية تحوي 920 وحدة في الرياض.
كما أنشأت الشركة كياناً لتطوير وامتلاك العقارات في البلاد، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ في شهر سبتمبر الماضي.
وقال متحدث باسم فلو آنذاك “تقدم السعودية فرصة هائلة للاستثمار في مكان يتميز بالحيوية والنمو. فخورون بجلب منتجنا إلى المنطقة والمساهمة في تلبية احتياج متزايد في السوق”.

وفي الشهر ذاته، وقعت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري وهي إحدى الكيانات التابعة لصندوق الثروة السعودي مذكرة تفاهم مع شركة بلاك روك الأميركية، بهدف تسريع تطوير برامج في سوق إعادة التمويل العقاري في السعودية.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بأن الاتفاقية تشمل التوسع عبر قنوات أسواق رأس المال المحلية والدولية، كما تسعى إلى تنويع مصادر التمويل عبر أسواق الدخل الثابت.
كما تم توقيع شراكة بين الشركة السعودية للضمان الإسكاني (ضمانات) وشركتي بلاك روك وأبولو، لتطوير إستراتيجيات وصناديق استثمارية للتمويل العقاري بالبلاد، مع توسيع قاعدة المستثمرين المحليين والدوليين.
وأبرمت وزارة الإسكان مذكرة تفاهم أخرى مع شركة هوفنانيان أم.إي، والتي أسهمت في تطوير 500 ألف وحدة سكنية في الولايات المتحدة، بهدف بناء المزيد من المجتمعات السكنية المتكاملة في السعودية.
ويمثل ارتفاع الطلب على المساحات المكتبية حافزا إضافيا للاستثمار العقاري، حيث حصلت 540 شركة متعددة الجنسيات على تراخيص لتدشين مكتبها الإقليمي في الرياض.
والزخم العقاري لا يستثني الوحدات السكنية، حيث شهد النصف الأول من هذا العام دخول 27.5 ألف وحدة سكنية إلى مدينتَي الرياض وجدة، كما سيتم إضافة حوالي 16 ألف وحدة سكنية إلى المدينتين في وقت لاحق من هذا العام، حسب شركة جي.أل.أل.
ويظهر ذلك بوضوح من خلال نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن، إذ ارتفعت بنهاية العام الماضي إلى 63.7 في المئة، متجاوزة مستهدفات رؤية 2030 للعام ذاته، والتي كانت محددة عند 63 في المئة.