سياسة "صفر مشاكل" السعودية لا تستثني حماس

السعودية تتبع منهجا إستراتيجيا عاما يتعامل مع الجميع على قاعدة الرغبة في التعاون ورعاية المصالح المتبادلة وعدم الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية.
الاثنين 2023/04/17
استئناف العلاقات لا يعني الإنحياز للحركة

الرياض- يؤكد الاستقبال المتوقع في الرياض لوفد من قيادة حركة حماس، يضم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، الاثنين ما تتّبعه السعودية من توجه نحو “تصفير المشاكل” مع كل الأطراف، الأمر الذي يتيح لها التفرغ لشؤون التنمية المحلية والتطوير والاستثمار.

وتتزامن زيارة وفد حماس مع زيارة يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أشارت تقارير إعلامية إلى أنه غادر الأحد باتجاه السعودية، برفقة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، حيث تمتدّ الزيارة من 17 إلى 19 مارس.

ويقول متابعون للشؤون السياسية المحلية السعودية إن تطبيع العلاقات مع تركيا وإيران وسوريا ما كان ليستثني أي أحد، بمن في ذلك حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وجماعة الحوثي في اليمن، بل وربما حزب الله نفسه في لبنان. وهو ما يقدم دليلا على أن المسألة تتعلق بمنهج إستراتيجي عام، لا يميّز بين علاقة وأخرى وإنما يتعامل مع الجميع على قاعدة الرغبة في التعاون ورعاية المصالح المتبادلة وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وقالت مصادر مقربة من حركة حماس “إن الوفد سيعقد لقاءات مهمة مع مسؤولين سعوديين للتباحث في ملفات ثنائية مهمة أبرزها عودة العلاقات وإنهاء ملف المعتقلين الفلسطينيين في السعودية”.

◙ الوساطة السعودية تعني نوعا من المصالحة المركبة، إذ تتصالح السعودية مع حماس أولا، لتقوم لاحقا بمصالحة حماس مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس

ويبدو أن الرسائل المتبادلة بين المسؤولين المعنيين أوضحت حدود العلاقات الجديدة بين الطرفين، بحيث لا يجري تحميلها معاني تخرج عن سياق تلك الإستراتيجية. وهو ما دفع عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” موسى أبومرزوق إلى القول إن الحركة لا تريد أن تكون “جزءا من أي محور سياسي أو عسكري”، مضيفا “نحن حركة مقاومة إسلامية، ونسعى لعلاقات مع كل القوى الحية في المنطقة والعالم، وليس لنا عداء مع أي مكون، سوى العدو الصهيوني”.

وتابع أبومرزوق “نشكر كل من يقف معنا مساعدًا ومعينًا، وليس هناك علاقة مع أي طرف على حساب طرف آخر”. وهذه إشارة جاءت بمثابة ردّا واضحا على المراسلات السابقة، وذلك لتأكيد أن استئناف العلاقات مع السعودية لا يعني انحيازا لها على حساب أي علاقة من العلاقات التي تربط بين حماس والأطراف الإقليمية أخرى مثل قطر وإيران.

والأساس الذي تستند إليه الرياض في هذا الشأن مماثل للأساس الذي سمح بإنهاء مقاطعة سوريا، والذي مفاده أن جهد السعودية الرامي إلى ضمان عودة دمشق إلى “الحضن العربي” لا يشترط عليها أن تتخلى عن “الحضن الإيراني”، وإنما هي كدولة ذات سيادة تستطيع أن تختار ما تشاء من التحالفات طالما أن ذلك لا يضر بمصالح الرياض وأمنها الخاص، لاسيما أن السعودية نفسها ليست طرفا في محور أو تحالف إقليمي أو دولي، ولا يهمها ما يفعله الآخرون بأنفسهم.

ولا تخفي حماس أنها جزء من “محور المقاومة” الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي.

وكانت محكمة سعودية أصدرت في 8 أغسطس 2021 حكما يقضي بسجن 64 فلسطينيا وأردنيا لمدد تتراوح بين 6 أشهر و22 عاما، على خلفية تهم الانتماء إلى حماس و”دعم الإرهاب” بعد مرور قرابة عامين على اعتقالهم.

وسبق لإسماعيل هنية أن وجَّه نداءً إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، لإطلاق سراح المعتقلين تخليدًا لذكرى “المواقف التاريخية السابقة للمملكة” والداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته. وهو ما يبدو أن السعودية استجابت له، لكن في إطار رؤية مختلفة لموقعها وأدوارها في المنطقة.

وكانت حماس أعلنت في سبتمبر2019 أن السلطات السعودية اعتقلت القيادي في الحركة وممثلها في الرياض محمد الخضري وابنه هاني، ضمن حملة طالت العشرات من الفلسطينيين، بعضهم يحمل الجنسية الأردنية.

وفي أغسطس 2021 قضت المحكمة الجزائية السعودية بسجن الخضري 15 عاما، بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور. ولكن الرياض أفرجت عن الخضري في 19 أكتوبر 2022، ورحّلته إلى العاصمة الأردنية عمان، كما أفرجت عن معتقلين أردنيين وفلسطينيين خلال فبراير الماضي.

ويقول مراقبون إن مباحثات وفد حماس في الرياض لن تقتصر على ملف السجناء، وإنما تشمل التباحث في عدد من القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني والإقليمي، وذلك بهدف وضع تصورات عريضة لتفاهمات حول هذه القضايا. ولكن من المستبعد أن يشمل الأمر التزامات من أي نوع بتقديم دعم مادي للحركة.

◙ المباحثات لن تقتصر على ملف السجناء؛ إذ ستشمل عددا من القضايا، لكن من المستبعد الالتزام بتقديم دعم مادي للحركة

وتريد الرياض أن تقدم لوفد حماس تصوراتها حول سبل إنهاء الصراع، وذلك بالاستناد إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية في القمة العربية في بيروت عام 2002، وتحولت إلى ركيزة من ركائز الحل المقترح لأزمة المنطقة.

ويقول مراقبون إن المسؤولين السعوديين لن يطلبوا من وفد حماس أن يدعم الخيارات التي عرضتها المبادرة، وذلك في إطار الاحترام المتبادل لاختلاف المواقف. وتقضي المبادرة بإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليّا على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

وكانت آخر زيارة تقوم بها حركة حماس إلى الرياض في عام 2015، حين التقى وفد يقوده خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك، بالملك سلمان بن عبدالعزيز ومسؤولين سعوديين في مدينة مكة.

ومن غير المعروف ما إذا كان عباس سيلتقي بوفد حماس، ويقلل مراقبون من أهمية اللقاء إنْ حصل؛ إذ سبق للطرفين أن اجتمعا قبل سنين في السعودية واتفقا على حل المشكلات بينهما، لكن الانقسام الفلسطيني استمر على حاله.

وتعني الوساطة السعودية نوعا من المصالحة المركبة، إذ تتصالح السعودية مع حماس أولا، لتقوم لاحقا بمصالحة حماس مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وسواء أنجحت السعودية في مسعى الوساطة بين الفلسطينيين أم فشلت، فإن حماس تكون قد تحركت للتقارب مع السعودية بإذن من ندّي الرياض السابقين قطر وإيران الراعيين لحماس والمتسببين إلى حد بعيد في التنافر السعودي – الفلسطيني.

1