سياسة إنتاج السعودية تضبط بوصلة أسواق النفط

يتفق الخبراء على أن الدور الذي تقوده السعودية ضمن سياسة تنظيم حصص إنتاجها وبقية شركائها في أوبك+ سيضبط سوق الخام الذي أظهر توازنا محكما، وذلك من خلال المؤشرات التي تؤكد أن الطلب العالمي سينمو ما يتيح استيعاب إمدادات التحالف.
لندن- تشير ديناميكيات أسواق النفط العالمية على ما يبدو إلى أن قرار السعودية التحول إلى زيادة الإنتاج بعد خفضه على مدى خمس سنوات جاء في الوقت المناسب.
وحثت السعودية في الأسابيع الماضية أعضاء تحالف أوبك+ الآخرين على إنتاج المزيد من الخام رغم المخاوف من تباطؤ اقتصادي، وهو تغيير ملحوظ في السياسة دفع أسعار النفط إلى الانخفاض إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات عند التسوية الاثنين الماضي.
ورغم موافقة المجموعة النفطية على زيادة الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا بين أبريل ويونيو، فلا تزال السوق تعكس توقعات بنقص المعروض خلال الأشهر القليلة المقبلة حين يبلغ الطلب الصيفي ذروته.
ودفع هذا منحنى العقود الآجلة، الذي يعكس الأسعار مستقبلا، إلى شكل “ابتسامة” نادر، وهو شكل قال محللو بنك الاستثمار الأميركي مورغان ستانلي إنه لم يظهر إلا لفترة وجيزة في فبراير 2020.
وتداول المتعاملون عقود برنت الآجلة لشهر يوليو، وهو أكثر العقود طلبا، بعلاوة 74 سنتا للبرميل عن عقد أكتوبر في ساعة متأخرة من الأربعاء.
وهذا الهيكل يعرف باسم “السوق المقلوبة”، التي يرتفع خلالها سعر المعاملات الفورية عن العقود الآجلة وتشير إلى نقص المعروض في السوق الفورية.
ويقول خبراء قطاع الطاقة إنه موقف يتعارض مع ما هو متوقع في السوق العادية، حيث عادة ما يكون سعر برميل النفط للتسليم في المستقبل أعلى من سعر التسليم الفوري.
لكن بدءا من نوفمبر المقبل ستتحول أسعار عقود النفط الفورية إلى التداول بخصم عن أسعار العقود الآجلة، وهو هيكل يُعرف باسم “كونتانغو”، ويشير إلى فائض في المعروض واحتمال أن يكون صيف 2025 هو نهاية شح سوق النفط.
ووجود ظاهرتي السوق المقلوبة وكونتانغو معا أمر غير معتاد، ويمنح الرسم البياني شكل “ابتسامة،” بحسب ريتشارد برايس المحلل في شركة إنيرجي أسبكتس.
وقال برايس لرويترز إن “هذا جاء نتيجة لشح المعروض الفوري إلى جانب توقعات بأن الحروب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي في وقت لاحق من العام 2025.”
وأشارت مجموعة أوبك+ إلى انخفاض المخزونات وقوة الطلب الفوري عندما وافقت السبت الماضي على زيادة الإنتاج لشهر يوليو المقبل.
وأشارت أحدث بيانات وكالة الطاقة الدولية المتاحة لشهر فبراير إلى أن مخزونات النفط العالمية قاربت أدنى مستوياتها التاريخية على مدى خمس سنوات عند 7.647 مليار برميل، انخفاضا من 7.709 مليار برميل في العام السابق.
وفي الوقت نفسه، يرتفع إقبال المصافي على النفط الخام قبل موسم ذروة القيادة في يوليو وأغسطس المقبلين.
وقال ألدو سبانجر المحلل في بي.أن.بي باريبا “ستبدأ أعمال صيانة المصافي في حوض المحيط الأطلسي في التراجع، ما سيزيد الطلب على النفط (للتكرير)… ومن المتوقع أن توفر القيادة خلال الصيف بعض الدعم.”
وكانت وكالة الطاقة الدولية توقعت في أحدث تقرير لها في أبريل أن يرتفع الطلب العالمي على النفط 1.3 مليون برميل يوميا في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع الثاني إلى متوسط 104.51 مليون برميل يوميا.
وتتماشى الزيادات البالغة مليون برميل يوميا، التي أعلنتها أوبك+ بالفعل، واحتمال إضافة حوالي 400 ألف برميل يوميا في يوليو مع الارتفاع المتوقع في الطلب تقريبا.
وقال مسؤول تنفيذي بإحدى شركات تجارة النفط الكبرى لرويترز، لم تذكر اسمه، إن قرار أوبك زيادة الإنتاج أدى إلى تغيير شكل “الابتسامة”، لكن حقيقة أن الهيكل لم يتحول إلى كونتانغو تعكس توازنا بين العرض والطلب.
وفي بداية الأسبوع الماضي، عكست عقود برنت لثمانية أشهر متتالية حتى يناير 2026 ظاهرة السوق المقلوبة، وهي توازي مثلي العقود الأربعة الحالية. وزادت علاوة برنت لأربعة أشهر عن المثلين إلى 1.85 دولار للبرميل.
وأشارت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الصادر في أبريل إلى أن من المتوقّع أن يحصل العرض على دعم من مشروعات جديدة في البرازيل وجيانا تدخل الخدمة بنهاية 2025.
وذكر محللو مورغان ستانلي أن النمو القوي في العرض، إلى جانب تباطؤ الطلب، سيؤديان إلى ضعف سريع في السوق بنهاية 2025.
وارتفعت أسعار النفط الخميس واحدا في المئة بدعم من آمال في تحقيق انفراجة في محادثات التجارة الوشيكة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر مستهلكين للنفط في العالم.
وزادت قيمة العقود الآجلة لخام برنت 74 سنتا أو 1.2 في المئة إلى 61.86 دولار للبرميل، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط 80 سنتا أو 1.4 في المئة ليصل إلى 58.87 دولار للبرميل.
وقال أولي هفالبي المحلل لدى أس.إي.بي إن “السوق استقرت تقريبا عند سعر يتخطى قليلا 61 دولارا للبرميل، ما يقدم دعما إضافيا بخلاف الدعم الناتج عن التفاؤل إزاء أزمة الرسوم الجمركية مع محادثات لكسر الجمود بين الولايات المتحدة والصين.”
ومن المرجح أن تؤدي الاضطرابات الناجمة عن النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم إلى انخفاض نمو استهلاك النفط الخام. وفي الوقت نفسه، ستزيد منظمة أوبك وحلفاؤها الإنتاج النفطي ما يزيد الضغط على الأسعار.
وخفض محللون من سيتي ريسيرش توقعاتهم للأسعار على مدى ثلاثة أشهر إلى 55 دولارا للبرميل لخام برنت هبوطا من 60 دولارا في التوقع السابق، لكنهم أبقوا على توقعاتهم طويلة الأمد لسعر 60 دولارا للبرميل لهذا العام.
وتؤكد أوبك أن مواكبة الطلب العالمي على النفط الخام في العقدين المقبلين تتطلب استثمارات سنوية ضخمة رغم الدعوات المتكررة إلى بذل القطاع جهودا أكبر من أجل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
وقال هيثم الغيص أمين عام المنظمة في فبراير الماضي إن “متطلبات الاستثمار حتى 2050 تتطلب نحو 17.4 تريليون دولار بمعدل 640 مليار دولار سنويا.”