سياحة سياسية ليبية برعاية مصرية: زيارات وصور ووعود

القاهرة- بدا اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في القاهرة أقرب إلى السياحة السياسية التي دأب عليها المسؤولون الليبيون بمختلف حكوماتهم وصفاتهم ومناطقهم، حيث يحضرون إلى مصر لالتقاط الصور والإدلاء بالتصريحات وإطلاق الوعود.
لكن لا يتحقق من هذه الوعود أي شيء بسبب ضعف الشخصيات المشاركة ومحدودية تأثيرها، فضلا عن تدخل أطراف خارجية كثيرة يمنع تناقض أجنداتها التوصل إلى حل في ليبيا. في المقابل تجد مصر في الاجتماعات الليبية مناسبة للإيحاء بأن دبلوماسيتها لا تزال فاعلة، وذلك للرد على انتقادات كثيرة تقول إن دور مصر في الملف الليبي بات هامشيا.
وقال مراقبون إن الليبيين ما عادوا يهتمون بهذه اللقاءات بسبب كثرة الخلافات من جهة، ومن جهة أخرى لأن معظم تحركات المسؤولين تتنزل ضمن أجندات شخصية تجعلهم يستجيبون لأي مبادرات أو اجتماعات خارجية بهدف تسجيل الحضور والبقاء في الواجهة أكثر من البحث عن حلول يقبل بها الليبيون.
◙ خارطة الطريق الجديدة لا يتوفّر لها الدعم الكافي من المجتمع الدولي، وقد يتعثر تحديد أطرها ما لم تعلن الأمم المتحدة عن موقف واضح يؤيّدها
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن مصر حرصت على عقد لقاء عقيلة – المشري تحت مظلة رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي للإيحاء بأن الأزمة تشريعية أكثر منها سياسية أو أمنية، وأنها تساعد الليبيين على تجاوز المعضلة الدستورية التي تعرقل مساعي إجراء الانتخابات.
غير أن المصادر ذاتها لم تخف تخوّفها من تعثر “خارطة الطريق” الجديدة التي ترعاها مصر، حيث تحاط بتحديات إقليمية ودولية، ولم تتوفّر لها سبل الدعم اللازم، وبدت كأنها رغبة مصرية في الاستفادة من الفراغ السياسي الحاصل في الأزمة، مع انشغال الكثير من القوى الفاعلة بقضايا أخرى، والتي لديها من الأوراق ما يمكنها من تعطيل التحرك المصري في ليبيا، خاصة الطرف التركي.
وقال عقيلة صالح إن هناك توافقا كبيرا “ونحتاج إلى سلطة موحدة في ليبيا لإجراء الانتخابات تحت رقابة الحكومة. وستكون هناك آلية كالآلية السابقة في جنيف لوضع إجراءات جديدة وتكون سلطة جديدة بين المجلسين وسيعلن قريبا عن خارطة الطريق الجديدة في منطقة داخل ليبيا”.
وأوضح أن الخارطة عبارة عن وثيقة دستورية وليست مادة واحدة في الدستور، وستتخذ الإجراءات اللازمة طبقا للقانون ورأي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مشيرا إلى أنها تتضمن كيفية إتمام الانتخابات وتوحيد المؤسسات وغيرهما.
وذكر المشري أنه سيتم العمل على إعداد خارطة طريق “بالتشاور مع صالح وبعثة الأمم المتحدة وسيتم الإعلان عنها في القريب العاجل في لقاء سيتم في ليبيا”، لافتا إلى أنها تتعلق بعدة ملفات ومسارات وتحديد مدد ومهام واضحة، وسيكون التوافق بين المجلسين طبقا للاتفاق السياسي وبرعاية أممية “لتجنب التشكيكات”.
وحوى اجتماع القاهرة إشارة إلى تشكيل سلطة مركزية من المرجح أن تكون بديلة عن حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها، ويتم اختيارها وفقا للخارطة الجديدة التي ستحدد موعدا معينا لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، والتي ألمح المشري سابقا إلى إمكانية انعقادها قبل أكتوبر المقبل، إذا تم الاتفاق على القاعدة الدستورية.
ولم تظهر البعثة الأممية في ليبيا برئاسة السنغالي عبدالله باتيلي قبولا أو رفضا لخارطة تقود إلى عزل الدبيبة الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة وعدّة قوى إقليمية ودولية، وهو ما قد يعني أن “المبادرة” الجديدة قد تولد ميتة وأنها ستضاف إلى مبادرات ولقاءات سياسية وعسكرية وقبلية احتضنتها مصر دون أن تتمكن من تحويلها إلى أوراق تأثير في الملف الليبي.
وأفاد بيان مشترك بين عقيلة والمشري، صدر عقب لقاء القاهرة، بأن اللجنة المشتركة أحالت الوثيقة الدستورية إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لإقرارها وفقا لنظام كل مجلس.
وكان المجلس الأعلى للدولة قد أعلن قبل أيام رفضه المشاركة في اجتماع دعا إليه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في مدينة غدامس في الحادي عشر من يناير الجاري.
وصوت مجلس الدولة أخيرا على رفع قرار تعليق التواصل مع مجلس النواب، وأن تكون القاعدة الدستورية “مصغرة لتتضمن باب نظام الحكم والأحكام الانتقالية”.
وجاء لقاء عقيلة والمشري في القاهرة بعد يوم واحد من اجتماع حوالي 50 شخصية سياسية ليبية ورؤساء أحزاب ومستقلين فاعلين في المشهد السياسي في إسطنبول، ناقش شروط ومعايير اختيار رئيس البلاد، ورئيس السلطة التنفيذية، وكتابة ميثاق وطني يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
ويعيد اجتماعا إسطنبول والقاهرة المناوشات السياسية بين مصر وتركيا في ليبيا إلى الصدارة بعد فترة من الهدوء عقب تقارب بينهما توج مؤخرا بلقاء بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان بالدوحة في نوفمبر الماضي.
ووجه مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة في الثلاثين من ديسمبر الماضي رسالة إلى مهندسي المسار الدستوري، نصت على ضرورة ألا تتضمن القاعدة الدستورية المرتقبة عراقيل تمنعهم من الترشح، في إشارة إلى أهمية تجاوز الخلاف حول ترشح المنتمين إلى المؤسسة العسكرية ومزدوجي الجنسية، والمحكوم عليهم بأحكام قضائية.
◙ الوعود لا تتحقق لضعف الشخصيات المشاركة، فضلا عن تداخل الأجندات الخارجية الذي يمنع إيجاد حل في ليبيا
وطالب قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر في ذكرى الاستقلال برسم خارطة طريق لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة واعتبرها “فرصة أخيرة”، ووصف المكونات السياسية الراهنة بأنها “ماتت إكلينيكيا”، وناشد بعثة الأمم المتحدة تحمّل مسؤولية إيجاد حل للأزمة الليبية، وفهمت هذه الإشارات على أنها رسالة تهديد مبطن للقوى المسؤولة عن وضع القاعدة الدستورية التي تمنع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية.
وهدد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي مجلسَيْ النواب والأعلى للدولة بوضع آليات بديلة، إذا لم يتم استئناف مشاورات المسار الدستوري، خاصة أن المجلسين كانا قد توافقا في أواخر أيام السفيرة ستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة، على أكثر من 90 في المئة من بنود القاعدة الدستورية.
ومن المتوقع أن تستأنف اللجنة الدستورية المكلفة بإعداد القاعدة الدستورية من قبل مجلسي النواب والأعلى للدولة اجتماعها في القاهرة بعد التفاهمات الجديدة بينهما.
ويقول مراقبون إن المشكلة ليست في فك ما تبقى من ألغاز في القاعدة الدستورية، ففي ظل التفاهمات المعلنة بين مجلسيْ النواب والأعلى للدولة يمكن تجاوز الخلافات المحدودة، ويظل التخوف متأتيا من إمكانية الفشل في تنفيذها مع عدم وجود تحسن في الأجواء السياسية عما كانت عليه في المرحلة السابقة.
ويضيف المراقبون أن خارطة الطريق الجديدة لا يتوفّر لها الدعم الكافي من المجتمع الدولي، وقد يتعثر تحديد أطرها ما لم تعلن الأمم المتحدة عن موقف واضح يؤيّدها، لأنها توجد مشروعية سياسية يصعب تطبيقها في غياب توافق قوى إقليمية ودولية مهمة.