سوق سوداء تركية للالتفاف على المقاطعة التجارية السعودية

الرياض – يحاول مصدرون أتراك تحويل مسار المنتجات التي كانوا يصدرونها نحو السعودية وفق مسالك غير قانونية، تمكنهم من الالتفاف على مقاطعة اقتصادية غير رسمية يقودها سعوديون منذ أشهر ضدّ تركيا، وهو ما أدى إلى تراجع حركة التجارة إلى مستويات متدنية لم تشهدها من قبل.
وأقدم تجار أتراك على إنتاج بضائعهم في دول قريبة، مما يسمح للمصدرين بالحصول على وثائق جمركية وإزالة عبارة “صنع في تركيا” من السلع، وبالتالي إمكانية تصديرها إلى المملكة.
ولم تسلم الرياض رسميا قط بمقاطعة تركيا، غير أن رجال أعمال سعوديين كبارا أقروا بها في العام الماضي، وقالوا إنها رد على ما وصفوه بعداء من جانب أنقرة.
وأظهرت مراجعة لبيانات التجارة الرسمية أن صادرات تركيا إلى السعودية في أول شهرين من العام الجاري، هوت بمعدل سنوي يبلغ 93 في المئة لتصل إلى 38 مليون دولار.
وقالت رابطة الصادرات التركية إن صادرات الأجهزة الإلكترونية والملبوسات والحلي والسيارات انخفضت كلها بما يفوق 90 في المئة عما كانت عليه قبل عام.
وكشف مستورد لمواد البناء إلى السعودية طلب عدم نشر اسمه “بدأت تظهر الآن سوق سوداء ينقل فيها سماسرة البضائع التركية إلى موانئ أخرى ويزيفون الوثائق حتى تبدو (السلع) وكأنها قادمة من الصين أو أوروبا مقابل عمولات”.
كما توضح البيانات التجارية قفزات موازية غير معتادة بنسب تتراوح بين 200 و400 في المئة، في صادرات الملبوسات والمنسوجات والكيماويات والحلي التركية القادمة إلى سلطنة عمان ولبنان.
وقال مسؤول آخر بشركة تجارية “بعض الشركات التي تعتمد على السعودية كزبون رئيسي حولت خطوط إنتاجها من أجل مواصلة القدرة على البيع”.
وأشار شريف فايد رئيس المجلس التركي للملبوسات إلى أن المصنعين يفكرون في إرسال الأقمشة إلى جهة أخرى مثل بلغاريا وصربيا، “لوضع اللمسات النهائية” على البضائع المتجهة إلى السعودية.
وأضاف أنه يمكن بهذه الطريقة للشركات التركية أن تفي بتعاقداتها مع الشركات المالكة للعلامات التجارية على مستوى التجزئة، التي تلزمها بتسليم البضائع على المستوى العالمي بما في ذلك السعودية.
ويقول فايد إن المصدرين يحاولون التغلب على الحصار، لكن هذا يعني تكاليف إضافية من أموالهم”. في المقابل أكد ثلاثة تجار أن شركات تركية كبرى أجرت مباحثات في السعودية في الشهور الأخيرة لإعادة فتح التجارة مع المملكة، دون تحقيق أي انفراجة واضحة.
وقال دبلوماسي طلب عدم نشر اسمه إن التجار السعوديين خسروا مليارات الريالات العام الماضي، جراء تكدس البضائع في الجمارك.
وأضاف أن التجار اشتكوا للسلطات وفي النهاية توصلوا إلى حل “لإدخال المنتجات التركية، لاسيما المنتجات التي ليست لها بدائل أفضل”.
وتعيش تركيا أزمة اقتصادية حادة ضاعفتها تداعيات جائحة كورونا، ومن شأن المقاطعة الاقتصادية السعودية ومن خلفها دول الخليج أن تسبب خسائر كبرى لاقتصاد أنقرة المتداعي.
وهذا الأسبوع أثارت أنقرة المقاطعة للمرة الأولى في اجتماع لمجلس السلع بمنظمة التجارة العالمية في جنيف، طرحت فيه “السياسات والممارسات المقيدة” التي تتبعها السعودية في ما يتعلق بتركيا، ضمن جدول أعمال الاجتماع الذي يستمر يومين، وربما يؤدي ذلك إلى تسوية.
ولم يعلق مكتب التواصل الحكومي في الرياض على المقاطعة. وكان وزير الخارجية قال في مقابلة في نوفمبر قبل بدء الانخفاض الحاد في حركة التجارة، إنه لا يوجد من البيانات ما يشير إلى المقاطعة.
وأدى دعم رجال أعمال كبار في السعودية للمقاطعة إلى شكاوى من منظمات تجارية تركية، لكن رد فعل الحكومة التركية كان هادئا.
وقد حاولت أنقرة والرياض في الأشهر الأخيرة إصلاح بعض الضرر الدبلوماسي، وذلك بعد توتر العلاقات على مدار نحو عشر سنوات بسبب تدخل تركيا لمحاولة بسط نفوذها في المنطقة، وتوظيفها الإسلام كراية للتوسع على حساب السعودية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز اتفقا في نوفمبر على “إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتحسين العلاقات الثنائية والتغلب على المشاكل”، كما سعت أنقرة في الآونة الأخيرة لتحسين العلاقات مع مصر حليفة السعودية.
لكن حزب المعارضة الرئيسي في تركيا زاد الضغوط من أجل الرد بالمثل وتعويض المصدرين عن خسائرهم. وقال النائب محمود طنال في مقابلة “إذا فرضت حظرا على بضائعي فسأفرض حظرا على بضائعك”.
وردا على تصريح طنال قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن تركيا مصممة على “أخذ الخطوات الضرورية”، إذا فشل الحوار والدبلوماسية في إنهاء “المقاطعة غير الرسمية السعودية”.