سوق الفن المعاصر تحت ضغط حرب الرسوم الجمركية العالمية

باريس- تُفاقم الحرب التجارية العالمية مخاوف أوساط قطاع الفن المعاصر المأزوم أصلا منذ فترة، إذ تدفع بعض الراغبين في الشراء إلى التمهّل والانتظار، وفقا لما ذكره أصحاب صالات العرض لوكالة فرانس برس.
وعلى بُعد خطوات من مركز بومبيدو في باريس، تقيم غاليري سيسون أي بينيتيير الموجودة في دول عدة من بينها الولايات المتحدة معرضا لأعمال فنانين معاصرين.
ويقول أحد مؤسسي الدار لويك بينيتيير إن “انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي أدى أيضا منذ مطلع السنة إلى حال من عدم اليقين في ما يتعلق بالشراء.” وأضاف لوكالة فرانس برس “لا يعرف هواة جمع الأعمال الفنية ما ستفضي إليه الضرائب المستقبلية، ولا كيف ستتطور أوضاعهم المالية الشخصية.”
ويستدل بما شهدته معارض الربيع الكبرى للفن المعاصر، ناقلا عن هواة جمع الأعمال الفنية قولهم “للمرة الأولى إنهم ينتظرون لمعرفة أداء أصولهم قبل اتخاذ أي قرار.”
10
مليارات دولار مبيعات القطاع في 2024 بتراجع قدره 33.5 في المئة بمقارنة سنوية، وفق سيكوب
ويفيد تقرير سيكلوب السنوي للمواد الأولية أن الأرقام التي جمعتها آرت برايس تُظهر انخفاضا بأكثر من 33.5 في المئة في مبيعات مزادات الأعمال الفنية العالمية العام الماضي، إذ بلغت نحو 10 مليارات دولار.
وبحسب تقرير أعدته شركة آرتس إيكونوميكس وبنك يو.بي.أس السويسري لمصلحة معرض بازل للفنون، الذي يفتح أبوابه لدورة 2025 الخميس، فقد انخفضت مبيعات سوق الفن 12 في المئة في العام 2024، بعد عامين من النمو القوي في 2021 و2022.
ومع ذلك، أظهرت السوق أولى علامات التباطؤ في وقت مبكر من عام 2023، وقد أثر الانخفاض بشكل كبير على دور المزادات، إذ تراجعت المبيعات 20 في المئة، بينما انخفضت مبيعات المعارض الفنية بواقع 6 في المئة.
وفي الدائرة السادسة بباريس، حيث تقع معارض فنية عدة، يشير الرسام دوني جيرابلي أيضا أنه يتوخى الحذر. وإذ يشير في مرسمه إلى أن “الأميركيين يمثلون 50 في المئة على الأقل” من زبائنه، يلاحظ انخفاضا في الحماسة خلال الأشهر الأخيرة.
ويتوقع ألا يكون لمسألة الضرائب المحتملة “تأثير متساوٍ على جميع الأطراف المعنيين. فالمعارض الفنية الكبيرة ستجد دائما مشترين؛ أما المشكلة فتتعلق بالجهات الوسيطة،” مثله.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما إضافية ضخمة على قطاعات معينة مثل الصلب، واستهدف دولا معينة، بل وأعلن عن تعريفات جمركية شاملة، قبل أن يتراجع جزئيا.
وفي غضون ذلك، تُطبق رسوم إضافية بنسبة 10 في المئة على المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة.
ويوضح خبير قانوني أجرت فرانس برس مقابلة معه أن حالا من عدم اليقين لا تزال قائمة بشأن فرض الرسوم على الأعمال الفنية التي كانت معفاة سابقا، وخصوصا أن تحديد المنتجات المتأثرة بالرسوم الإضافية لا يزال مفتوحا للتأويل.
وأكد آدم غرين، وهو مستشار فني لكبار هواة جمع الأعمال الفنية الأميركيين، أنه حاول جاهدا فهم تفاصيل هذه الرسوم الإضافية.
وقال إن ترامب بادر (في أبريل) إلى “تجميد لمدة 90 يوما. وعندما ينتهي هذا التجميد، لا يزال من الممكن أن تختار دول عدة الرد على الرسوم الأميركية بإجراءات انتقامية، قد تُدرج الأعمال الفنية الأميركية ضمنها.”
وتؤكد دور المزادات أن لا مخاوف كبيرة لديها. وترى دار كريستيز أن “من السابق لأوانه معرفة التأثير المحتمل للرسوم الجمركية الجديدة.” وتضيف “نحن نراقب التطورات من كثب وسنجري أيّ تعديلات ضرورية عندما يحين الوقت.”
إلا أن هذه البداية الحذرة هذه السنة تأتي أصلا بعد عام كئيب شهده القطاع. ويوضح أحد المتخصصين في نقل الأعمال الفنية بين أوروبا والولايات المتحدة أنه لاحظ انخفاضا بنسبة 20 في المئة في أحجام النقل في بداية السنة مقارنة بعام 2024.
وقال في تصريحات لفرانس برس طالبا عدم ذكر اسمه “كان عام 2024 أصلا عاما سيئا.” ويُعدّ الأميركيون تقليديا من كبار مُشتري الأعمال الفنية. لكن الرسوم الإضافية تُثقل كاهل الاقتصاد. ويُعلق الأستاذ الفخري في جامعة باريس دوفين ومنسق تقرير سيكلوب فيليب شالمان قائلا “نحن في مرحلة من عدم اليقين.”
ويضيف “الجزء الظاهر من جبل الجليد هو المزادات، ووفقا لمعلوماتي، سُحبت بعض الأعمال من هذه المزادات في الآونة الأخيرة،” في إشارة إلى عدم بلوغها الأسعار الاحتياطية.
وفي مايو الماضي، مثلا، لم يتقدّم أيّ شخص لشراء منحوتة لجاكوميتي تُقدر قيمتها بنحو 70 مليون دولار خلال مزاد في نيويورك، وفقًا لما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ويلاحظ غرين أن “هواة جمع الأعمال الفنية أصبحوا أكثر انتقائية في ظل هذه الظروف.” أما لويك بينيتيير فيُبقي “في الوقت الراهن” على فرع معرضه في نيويورك، ولكن ثمة تساؤلات حقيقية لدى الجهات الفنية الفرنسية في الولايات المتحدة عن وضعها الراهن.