سوق العمل في الكويت تسلك مسارا معاكسا لبرنامج التكويت

الجهة المسؤولة عن توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص غير قادرة على تشجيع الشباب الكويتي من الجنسين للعمل فيه.
الثلاثاء 2024/07/23
المطلوب عمل مريح بأجر مُجز

الكويت - أظهرت أرقام رسمية عدم تسجيل أي تقدّم يذكر نحو تحقيق أهداف برنامج توطين الوظائف المعروف محليا بـ”التكويت” ويقوم على تقليص عدد الوافدين المشتغلين في القطاع العام وتعويضهم إلى أبعد حدّ يمكن الوصول إليه بمواطنين كويتيين، بالإضافة إلى تقديم حوافز وتشجيعات لترغيب المواطنين في العمل بالقطاع الخاص غير الجاذب لهم بسبب قلة مردوديته المادية في مقابل كثرة متاعبه.

ويرتبط التكويت الذي تحوّل من برنامج إلى مجرّد طموح صعب التحقيق بهدف أبعد مدى يتمثّل في تعديل التركيبة السكانية التي يشكّل الوافدون غالبيتها العظمى وهو هدف تعذّر تحقيقه إلى حدّ الآن.

ويواجه توطين وظائف القطاع العام في الكويت قلّة المؤهلين لتعويض الوافدين في الكثير من المواقع والتخصصات لا سيما ما يتطلب منها تكوينا علميا وتقنيا معينا لا تستطيع العملية التعليمية الكويتية توفيره لخريجيها بسبب مشالكها الكثيرة وعثراتها المتعدّدة رغم الأموال الطائلة المخصة لها من قبل الدولة.

خالد العنزي: توظيف الكويتيين في القطاع الخاص حبر على ورق
خالد العنزي: توظيف الكويتيين في القطاع الخاص حبر على ورق

أما عمل الكويتيين في القطاع الخاص فيصطدم بعدّة معوّقات من بينها أن القطاع غير مغر للكويتيين المعتادين على الرفاه والتقديمات الحكومية السخية والراغبين دائما في الالتحاق بقطاع عام مدر للأموال للعاملين فيه في مقابل مقادير يسيره من العمل ومهمات سهلة لا تكاد تتطلب أي جهد يذكر.

ورفعت السلطات الكويتية في سنوات سابقة سقف الطموح في عملية التكويت عاليا وأعلنت مطلع سنة 2022 نيتها إتمام توطين الوظائف الحكومية بنسبة مئة في المئة في أحد عشر تخصصا وظيفيا قبل منتهى السنة المذكورة.

لكن شيئا من ذلك لم يتحقق إلى حدّ الآن حيث ما يزال عدد الوافدين المشتغلين في القطاع العام في تزايد، وكذلك الشأن بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص.

وأظهرت إحصائية حديثة صادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية زيادة العمالة الوافدة في القطاع الحكومي ليبلغ عدد الأجانب العاملين في القطاع منتصف العام الجاري أكثر من 112 ألف موظف ارتفاعا من 111147 نهاية العام الماضي.

وفي القطاع الخاص كانت نتائج التكويت أكثر ضحالة حيث تراجعت، بحسب الإحصائية نفسها أعداد الكويتيين خلال النصف الأول من العام الجاري.

وأظهرت الإحصائية أن عدد العمالة الوطنية في القطاع الخاص خلال منتصف 2024 بلغ 72 ألفا و86 مواطنا، فيما بلغ في نهاية ديسمبر 2023 نحو 72 ألفا و231 عاملا، أي بتراجع بحوالي 145 وظيفة خلال ستة أشهر.

وفي المقابل وثّقت الإحصائية ارتفاعا في عدد الوافدين في القطاع الخاص ليبلغ منتصف العام الجاري مليونا و589 ألفا و525 وافدا، فيما سجل في نهاية 2023 نحو مليون و562 ألفا و492 شخصا بزيادة 27 ألفا و33 شخصا في 2024.

عدّة مهمات تنتظر السلطات الكويتية خلال الفترة القادمة على رأسها إصلاح الاقتصاد وتسريع برنامج التكويت وتعديل التركيبة السكانية

وتعليقا على ذلك قال رئيس مجلس إدارة الاتحاد الكويتي للعاملين في القطاع الخاص خالد العنزي إنّ التراجع دليل على أن قرارات توظيف العمالة الوطنية وتشجيعها في القطاع الخاص حبر على ورق، معتبرا في تصريحات لصحيفة السياسة المحلية أنّ الجهة المسؤولة عن توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص غير قادرة على تشجيع الشباب الكويتي من الجنسين للعمل فيه.

وحمّل العنزي مسؤولية ذلك لهيئة القوى العاملة قائلا إنّها “تقف موقف المتفرج إزاء إحجام المواطنين عن العمل في القطاع الخاص بسبب تزايد حالات إنهاء خدماتهم وتسريحهم دون وجه حق، مستدلاّ على ذلك بقيام إحدى شركات الاتصالات بالاستغناء عن خدمات 300 مواطن كويتي.

ولا يعتبر تعثّر عملية التكويت سوى جزء من تعثّر مِرْوَحَة أوسع من التغييرات والإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومات الكويتية المتعاقبة خلال السنوات الماضية دون أن تنجح في تجسيد أي منها على أرض الواقع لعدة أسباب من أبرزها عدم الاستقرار الحكومي وتعاقب حل البرلمانات والحكومات جرّاء الصراعات الحادة التي كانت قائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وكثيرا ما وقف نواب البرلمان الكويتي بما لهم من سلطات رقابية واسعة على عمل الحكومة في وجه الدفع بإصلاحات من قبل تقليص الدعم المقدم من قبل الدولة للمواطنين والحد من مجانية الخدمات الأساسية وإقرار بعض الضرائب لإصلاح خلل المالية العامة وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصر شبه وحيد لموارد الدولة.

ولتحقيق التواصل والاستقرار في العمل الحكومي وفتح الباب لتمرير الإصلاحات الضرورية، قام أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مؤخّرا بحل مجلس النواب وتعليق العمل بمواد في الدستور لفترة لا تتجاوز الأربع سنوات.

وتقع على عاتق السلطات الكويتية خلال الفترة القادمة عدّة مهمات على رأسها إصلاح الاقتصاد وتسريع برنامج التكويت وتعديل التركيبة السكانية، وذلك في إطار برنامج أشمل يتمثّل في رؤية الكويت 2035.

ولا يبدو تنفيذ تلك الرؤية إلى حدّ الآن أحسن حالا من تطبيق التكويت وتعديل التركيبة السكانية. وقد أظهرت أرقام حديثة نقلتها وسائل إعلام محلية عن مصادر حكومية أن نسبة التقدّم في إنجاز الرؤية لا تتجاوز ثلاثين في المئة في خمسة وخمسين من بنودها فيما إنجاز بنود أخرى مايزال في مرحلة البدايات الأولى.

3