سوق العملات في تركيا مهددة باضطراب أكبر

تتتالى التحذيرات من تعرض الاقتصاد التركي إلى ضربة قاسية هذا العام مع تزايد الاحتمالات أن تشهد سوق العملات في البلاد موجة من الاضطرابات التي لا يمكن التكهن بمدى عمقها مع اقتراب الانتخابات، مما يفاقم الضغوط على صانعي القرار السياسي والنقدي لتفادي الأسوأ.
إسطنبول - تدفع السياسات الاقتصادية التي تتبعها السلطات التركية الرئيس رجب طيب أردوغان إلى زاوية حرجة بعيدة عن وعوده وشعاراته البراقة للنهوض بالاقتصاد بعد سلسلة من الأزمات تعرضت لها البلاد خلال السنوات الأخيرة وآخرها كارثة الزلزال.
ورغم أن أردوغان يبدو نظريا في طريق مفتوح للفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة منتصف مايو المقبل، بعد أن عزز قبضته بشكل متزايد على الحياة السياسية والمدنية لينتهي به المطاف إلى التدخل في الاقتصاد، لكن ثمة أوضاع جديدة قد تكسر هذه الشوكة.
وفي أحدث تقييم حول ما قد ينتظر الاقتصاد التركي أطلق بنك غولدمان ساكس تحذيرات مقلقة من احتمال اضطراب سوق الصرف الأجنبي خلال الفترة التي تسبق الانتخابات، وذلك في أعقاب سنوات من نضوب احتياطي العملة وإجراءات أخرى مكلفة.
وتظهر البيانات الرسمية أن الاحتياطات من العملة الصعبة انخفضت سبعة مليارات دولار منذ الزلزال، لتبلغ 125.6 مليار دولار، فيما ينتظر مصرفيون ومستثمرون من السلطات خطوات أخرى للحد من الطلب على العملة الأجنبية.
ومع أنه ليس الاحتمال الأساسي، ذكر البنك أن “المشاكل قد تتفجر إذا انتاب المدخرين والشركات القلق من أن التحول إلى سياسات اقتصادية تقليدية بشكل أكبر في ظل حكومة جديدة قد يغذي اضطرابات في سوق العملات الأجنبية على المدى القصير".
وقال خبراء غولدمان ساكس في مذكرة بحثية نشرت في وقت مبكر الخميس إن "الضبابية الحالية في السوق تشكل مخاطر كبيرة، من وجهة نظرنا".
وتُعد البيانات شديدة التأثر بالمتغيرات المتسارعة في تركيا، فقد أعطى أردوغان الأولوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي قبل الانتخابات العامة. كما أنه يكثف جهوده للإسراع بإعادة الإعمار بعد الزلازل التي ضربت البلاد لتعزيز شعبية حزبه الحاكم قبل تضرر الاقتصاد.
وفي ضوء ما يحدث اليوم يمكن للسلطات أن تعرض على البنوك المحلية مقايضات للعملات الأجنبية وتحاول طمأنة من لديهم أموال مودعة في الحسابات المصرفية المحمية من تقلبات أسعار الصرف، والتي استحدثت في عام 2021 لوقف هبوط الليرة في ذلك العام، لكن هذه الإجراءات قد لا تنجح.
وحامت العملة التركية الخميس حول أدنى مستوياتها القياسية التي سجلتها في وقت سابق هذا العام عند 18.89 ليرة لكل دولار قبل إصدار البنك المركزي للبلاد محضر اجتماعه الأخير للسياسة النقدية. وقد خسرت نحو 30 في المئة من قيمتها العام الماضي.
وقال محللو غولدمان ساكس إنه “بالنظر إلى الطبيعة قصيرة الأمد للأدوات، فمن المستبعد أن يكون الوقت في صالح السلطات ومن ثم، نعتقد أنه ستكون هناك حاجة إلى حلول مؤقتة".
وإذا استمرت المشاكل فسوف تنخفض الليرة خاصة في ظل النضوب الحاد لاحتياطيات العملة التركية في السنوات القليلة الماضية.
ويقدر غولدمان ساكس أنه بمجرد إخراج الأصول غير السائلة مثل الذهب وخطوط التبادل الثنائية للعملات وحقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي من المعادلة، فإن احتياطيات تركيا ستصل إلى 42 مليار دولار فقط بعد الزلزال المدمر الذي تعرضت له الشهر الماضي.
ويقارن ذلك بمركز مجمع قصير الأجل للعملات الأجنبية، أو انكشاف للبنك المركزي والخزانة بقيمة 260 مليار دولار.
وقد نما ذلك المبلغ بمقدار 206 مليارات دولار منذ منتصف عام 2018 فيما يرجع بشكل رئيسي إلى الودائع المحمية والمبادلات التي أجريت مع البنوك المحلية.
وأوضح بنك الاستثمار الأميركي أن الأمر سينطوي على مخاطر سيولة كبيرة إذا اضطربت هذان السوقان، مشيرا إلى أن العودة إلى سياسات اقتصادية تقليدية بشكل أكبر سيكون على الأرجح مفيدا لتركيا على المدى الطويل.
وتطمح أنقرة إلى زيادة حصة الودائع بالعملة المحلية في بنوكها خلال العام الجاري عبر سياسات تهدف إلى تنويع المدخرات بعيدا عن العملات الأجنبية مثل الدولار الأميركي.
وأشار البنك المركزي في تقريره السنوي الذي أصدره في ديسمبر الماضي إلى أن أولويته القصوى هي توسيع استخدام الليرات من خلال زيادة حصتها في الودائع المصرفية إلى 60 في المئة خلال النصف الأول من عام 2023 من حوالي 35 في المئة قبل عام.
وتُظهر السياسة النقدية وإستراتيجية الليرة لعام 2023 أن المنظمين سيتبعون مزيجا من السياسات تشجع السكان على الادخار بالليرات والبنوك على الاحتفاظ بالسندات الحكومية طويلة الأجل المقومة بالعملة المحلية.
◙ 125.6 مليار دولار حجم الاحتياطات النقدية وقد يتسارع تآكلها بالتزامن مع تدهور قيمة الليرة أكثر
وسمح هذا الإطار للمركزي بتخفيض تكاليف الاقتراض رغم التضخم المتفشي، في حين حذّر المقرضون من المخاطر على رؤوس أموالهم من الدين الحكومي منخفض العائد الذي يتعين عليهم الاحتفاظ به.
وخفض البنك المركزي التركي الشهر الماضي سعر الفائدة الرئيسي إلى 8.5 في المئة للتخفيف من تأثير الزلازل على النمو.
وللإشارة فإن دورة التيسير التي بدأت العام الماضي قلصت أسعار الفائدة بمقدار 550 نقطة أساس بشكل إجمالي، بما يتفق مع دعوة أردوغان إلى خفض تكاليف الاقتراض.
وأثّر تركيز الرئيس التركي على النمو، والدفع من أجل الإقراض الرخيص للشركات الصغيرة الموجهة للتصدير دون النظر في بقية الجوانب التي تؤثر في الاقتصاد، سلبيا ليس فقط على العملة، بل وحتى أسعار المستهلكين.
وقفز التضخم بأعلى معدلاته منذ 1998 إلى أكثر من 85 في المئة في أكتوبر الماضي قبل أن يتباطأ إلى نحو 60 في المئة خلا يناير الماضي.
وعكس تشديد المركزي الشهر الماضي لقيود التحويلات المصرفية بالدولار إلى الخارج حجم المخاوف التي تنتاب صانع القرار السياسي والنقدي من أن يستمر نزيف الليرة بعدما زادت كارثة الزلزال من متاعبها وسط محاولات تبدو عقيمة للخروج من الورطة.
ويقول محللون إن أنقرة ترى أن تدفق العملة الصعبة إلى الخارج يعرقل الجهود الرامية إلى الحفاظ على استقرار الليرة والسيطرة على التضخم في الفترة التي تسبق الانتخابات.