سوق العقارات المصري في متاهة الأزمة الاقتصادية

ارتفاع أسعار مواد البناء يربك تسليم الوحدات وينذر بخروج صغار المطورين.
السبت 2023/01/28
انظر إلى قمة البرج وخمن حجم التكاليف

أثار الارتفاع المستمر في أسعار مواد البناء جدلا داخل سوق العقارات المصري، وأربك أعمال الشركات، وتعالت تحذيرات المستثمرين من تداعيات الخطوات الحالية وانعكاساتها السلبية على صغار المطورين المعرضين للإفلاس، مع تسريح العمالة لتوقعات قلة الإنتاجية.

القاهرة - سجلت أسعار مواد البناء في السوق المصرية زيادة جديدة مع بداية يناير الجاري بصورة أربكت كثيرا شركات المقاولات والبناء عموما، وتنذر بارتفاع كبير في تكلفة العقارات والوحدات السكنية.

وفضلا عن ذلك، قد تتسبب في ضغط على صغار المطورين وربما دفعهم إلى مغادرة السوق لعدم قدرتهم على تحمل أعباء جديدة، في وقت تواجه فيه البلاد تذبذبا في أسعار العملة وشحا في الدولار، ما يرفع أسعار الخامات في ظل استيراد نسبة كبيرة منها.

وارتفعت أسعار الحديد عقب تطبيق آلية سعر الصرف المرن بقيمة تصل إلى 2500 جنيه (نحو 90 دولارا)، وارتفعت أسعار الإسمنت حوالي خمسة دولارات.

وتعد الأزمة الأكبر في الحديد، حيث تنتج البلاد نحو 7.9 مليون طن من حديد التسليح، و4.5 مليون طن بليت، وتستورد 3.5 مليون طن بليت، وفق بيانات رسمية.

وعلاوة على ذلك، ثمة مبلغ يتراوح بين ألف وثلاثة آلاف جنيه (نحو 35 و100 دولار) ضريبة قيمة مضافة ورسوم نقل، زيادة على أسعار الحديد حتى وصوله إلى المستهلك، أما بالنسبة للأسمنت فتتم إضافة بين 100 و200 جنيه (4 و8 دولارات) ليصل إلى المستهلك.

حمدي عتمان: الشركات هي الخاسر الأكبر لتحملها فارق الأسعار في الزيادات
حمدي عتمان: الشركات هي الخاسر الأكبر لتحملها فارق الأسعار في الزيادات

ومع تضاعف أسعار مواد البناء وانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار مؤخرا ربما يترتب على ذلك إفلاس بعض المطورين، ولن تتمكن جميع الشركات من الاستمرار في السوق.

وتأتي المخاوف خاصة وأن شعبة الاستثمار العقاري في الغرفة التجارية للقاهرة تتوقع ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 30 في المئة على الأقل العام الجاري.

وقال رئيس لجنة الاستثمار العقاري بجمعية مستثمري العاشر من رمضان حمدي عتمان لـ”العرب” إن “قطاع التطوير العقاري من أكثر المجالات تضررا جراء الأزمة الراهنة، والتي ترتب عليها ارتفاع كبير في الأسعار”.

ويسعى مستثمرون بقطاع العقارات في مصر إلى إعادة جدولة الدفعات المستحقة من الديون، وثمة مطالبات بتحصيل مدفوعات الأراضي التي تم بيعها حديثا على فترات طويلة الأجل تصل إلى عشر سنوات.

وليست الأزمة الأولى التي يعاني فيها القطاع، لكنه يسعى للتأقلم مع تضخم قاس منذ عام عقب اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية، والتي تسببت في ارتفاع كبير في أسعار مواد البناء وفرضت قيودا على الاستيراد وزادت الفائدة بما يفوق التكاليف بشكل ملحوظ، ما أدى إلى بطء في هذه الصناعة.

ولم تخفض السلطات أسعار الأراضي التي يقوم المطورون العقاريون بشرائها، وأبدى خبراء مخاوفهم منذ سنوات من ارتفاع أسعار الأراضي بصورة مبالغ فيها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات الجديدة لتناسب الشرائح ذات الدخل المرتفع.

وأوضح عتمان أن الشركات هي الخاسر الأكبر من الأزمة الحالية، لأنها ملتزمة بعقود مع العملاء لا تتغير قيمتها بارتفاع مستمر في أسعار الخامات.

ويمكن للشركات العاملة في قطاعي الصناعة والزراعة التقدم للحصول على قروض منخفضة العائد بنسبة 11 في المئة اعتبارا من نهاية يناير، بعد موافقة مجلس الوزراء على المبادرة الجديدة البالغة قيمتها 150 مليار جنيه (نصف مليار دولار).

وجاءت المبادرة الجديدة لتحل محل مبادرة سابقة ذات عائد يبلغ 8 في المئة للشركات في قطاعي الصناعة والزراعة والبناء، التي ألغاها البنك المركزي نوفمبر الماضي.

الشركات هي الخاسر الأكبر من الأزمة الحالية
الشركات هي الخاسر الأكبر من الأزمة الحالية

وطالب رئيس لجنة الاستثمار العقاري بجمعية مستثمري العاشر من رمضان بضرورة دمج قطاع التشييد والبناء بمبادرة دعم الصناعة والزراعة، كون العديد من الصناعات تحركها العقارات لتستمر الصناعة قاطرة التنمية.

وطالب مستثمرون في قطاع الدولة بالتدخل لمساندة الشركات في مواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تواجهها البلاد، وأبرز عوامل الدعم توفير قروض ميسرة، وتخفيف القواعد الخاصة بمواعيد التسليم، لمساعدتهم على تحمل معدلات التضخم المرتفعة.

وأكد خبير القطاع العقاري آدم زيان لـ”العرب” ضرورة تمديد المواعيد النهائية للمشروعات العقارية، وإعفاء المطورين من غرامات التأخر في التسليم، وضم شركات التطوير العقاري إلى مبادرة التمويل منخفض العائد.

وحصل القطاع سابقا على دعم البنك المركزي من خلال مبادرة تمويل منخفض العائد، والتي ألغاها مؤخرا كجزء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بلغ 3 مليارات دولار.

ويرى صندوق النقد أن توفير التمويل بفائدة أقل مما هو سائد في السوق يجب أن يكون مسؤولية صانعي السياسة المالية وليس المركزي.

آدم زيان: من الضروري تمديد مهلة تسليم مشاريع الإسكان نحو عام
آدم زيان: من الضروري تمديد مهلة تسليم مشاريع الإسكان نحو عام

وذكر زيان أن شركات العقارات تتحمل الفارق في الأسعار ولن يتأثر العملاء الحاجزون للوحدات السكنية ومن قاموا بدفع أقساط منتظمة بتلك الزيادات، متوقعا خروج الكثير من صغار المطورين من السوق مع تسريح العمالة.

وناشد الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء التمديد للمقاولين العاملين في مشاريع حكومية من 4 إلى 6 أشهر، لأن الضوابط الصادرة العام الماضي تلزم المطورين بالجدول الزمني المعتمد للمشاريع من وزارة الإسكان، كما يواجهون عقوبات إذ تخلفوا عن مواعيد التسليم.

ورغم الظروف الحالية، لكن يبذل المطورون جهودا لتنفيذ المشاريع في أقل فترة ممكنة، لتجنب الزيادات المحتملة في الأسعار مستقبلا وتقليل خسائرهم.

ورأى زيان أهمية كبيرة في القيام بإجراءات سريعة لزيادة قدرة المطورين على بيع العقارات للأجانب بالعملة الأجنبية وتسهيل عملية شراء العقارات لهم.

وتواجه الشركات عراقيل كثيرة من قرار السلطات بالتزام المطور بالاحتفاظ باحتياطي 5 في المئة أو خطاب بنكي من إجمالي التحصيلات بالحساب البنكي لكل مرحلة لسداد المبالغ المستردة، وتخضع الأموال في الاحتياطي للتغيير بناء على عدد الوحدات التي جرى تسليمها.

وفي حالة تخطي مدة تأجيل تسليم الوحدة لأكثر من عامين يمكن للمشترين اختيار استرداد مئة في المئة من الوحدة خلال ثلاثة أشهر من تقديم طلب رسمي بذلك.

وقدمت الحكومة بعض الدعم للمطورين في يوليو الماضي، ومنحتهم مهلة ستة أشهر لإكمال المشاريع في المدن الجديدة، بعد أن قدمت جمعية رجال الأعمال قائمة مطالب في أبريل تضمنت إعادة جدولة السداد وتمديد المواعيد النهائية للمشاريع.

11