"سوسيولوجيا الدين" كتابان جديدان يجمعان الآباء بالمنشقين

الباحثان دانيال هيرفيو ليجيه وجان بول ويلام يتناولان أعمال ثلة من الفلاسفة والرواد باعتبارهم مؤسّسين لسوسيولوجيا الدين في طور تاريخي مميز من وجود الدين وفاعليته.
السبت 2019/03/02
الدين فقد تأثيرَه في المجتمعات الحديثة

المنامة - قدم مشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار للقراء آخر إصداراته وهما كتابا “سوسيولوجيا الدّين: I-مقاربات كلاسيكيّة” و”سوسيولوجيا الدّين: II-مقاربات منشقّة”.

وسبق إصدار هذين الكتابان صدور كتاب بعنوان “سوسيولوجيا الدين في جزئه الأول (مقاربات كلاسيكية)”، وهو عبارة عن مجموع مقالات بحثية لاثنين من علماء اجتماع الأديان هما دانيال هيرفيو ليجيه وجان بول ويلام.

وقد تناول الباحثان بالفحص والتقييم أعمال ثلة من الفلاسفة وعلماء الاجتماع الرواد في هذا المشغل باعتبارهم مؤسّسين لسوسيولوجيا الدين في طور تاريخي مميز من وجود الدين وفاعليته في مجتمعات بشرية تشهد تحولات جذرية وحركة جعلت من هذا المبحث ضرورة ملحة لا على المستوى الاجتماعي فحسب بل وعلى المستوى الثقافي والتاريخي، في جدلية قديمة جديدة بين الفرد والجماعة.

وفي الجزء الأول من كتاب سوسيولوجيا الدين عرضٌ لمقاربات “الآباء المؤسّسين” من المفكرين الذين تناولوا أسبابَ فقدان الدين تأثيرَه في المجتمعات الحديثة. ارتاح بعضهم لما يؤدّي إليه من نزع الاستلاب عن الإنسان، وأسِف آخرون لما يسبّبه من برود الوجدان وجفاف القيم، وبعض ثالث تأمّلوا في إمكان التعويض بأخلاق مشتركة قائمة على العقل والعلم.

 هناك توجّه غالبٌ إلى عقلنة العالم وتجريده من سحريّته، كما تتكاثر الصيغ الجديدة لتشكُّل الجماعات الدينيّة. وهذا يدعو إلى تتبّع أشكال التجربة الجماعيّة في مجال المقدّس، وهي أشكال لم يؤدِّ انفكاكُها عن الدين المؤسّسي إلى اختفائها، إذ هي تعاود الظهور بصيغ أخرى.

الكتاب الأول يناقش آراء المفكرين الآباء حول الدين أما الكتاب الثاني فيجمع أطروحات المنشقين عنهم في تفكيك الدين
الكتاب الأول يناقش آراء المفكرين الآباء حول الدين أما الكتاب الثاني فيجمع أطروحات المنشقين عنهم في تفكيك الدين

إن التحوّلات التي عرفتها الظاهرة الدينيّة، بما في ذلك الجدل حول ما يسمّى “عَلمنة” أو “دَهْرنة” لا تُفقد التحليلات الكلاسيكيّة صلاحيتِها، بل تدعو إلى إعادة قراءتها على نحو مغاير. ولا غِنى عن قراءة “المؤسّسين” للتعرّف على أسئلتهم وعلى ما أوجدوا لها من إجابات.

أما في الجزء الثاني من كتاب سوسيولوجيا الدّين فنجد عرضا لمقاربات تُعتبر “منشقّة” عن مقاربات “الآباء المؤسسين” في علم اجتماع الأديان، وهذه تناولها الجزء الأول. المؤلّفون المقدَّمون هنا، مع كونهم مدينين للإشكاليات التي حدّدها أولئك “المؤسّسون”، فإنهم يبتعدون عنها أو يتخذون منها مسافة واضحة.

إن التحليلات في هذا الجزء الثاني، مع تنوّعها الواسع، لا تتمحور على ما أصاب الدين من ضعف في المجتمعات المعاصرة بقدر ما تركّز على قدرة الفاعلين الدينيّين على إنشاء أشكال اجتماعيّة، بما في ذلك ضمن الحداثة.

إن المؤلّفين، وهم يستوحون من ماركس ودوركهايم أو من ماكس فيبر، يبتعدون عنهم عندما يتعلق الأمر ببيان الصِّلات بين الدين والمجتمع. إنهم تلاميذ مبتدعون وغير أوفياء أو هم منشقّون، على نحو ما، وذلك يمنح قيمة لأعمالهم تميّزُها وتنجو بها من فخاخ التلمذة الاتّباعية. لقد دشّن المؤلفون، كلٌّ بطريقته، مسالك جديدة، لاختصار المسافة، وسطّروا منعطفات غير متوقّعة، فساعدوا، كثيرا على فهمٍ أوسع وأعمق للظاهرة الدينيّة، من وجهة اجتماعيّة.

ونذكر أن كتاب “سوسيولوجيا الدّين I-مقاربات كلاسيكيّة” هو الإصدار السابع والعشرون لمشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار، فيما يعد كتاب “سوسيولوجيا الدّين: II-مقاربات منشقّة” الإصدار الثامن والعشرين للمشروع.

وكان مشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار قد أصدر قبل هذين الكتابين العديد من الكتب المترجمة التي تتناول أهم قضايا الفكر والفن العالميين والتي تعد دراسات مؤسسة ومهمة لكل باحث يطمح إلى أخذ إطلالة فكرية عميقة حول أهم ما قدمه الفلاسفة والعلماء والفنانون على مر العصور.

 نذكر من بين إصدارات المشروع كتب “تفكّر: مدخل أخّاذ إلى الفلسفة” لسايمن بلاكبرن، “لغات الفردوس” للمؤرخ موريس أولندر، “هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم: بحث في الخيال المكوّن” للكاتب بول فاين، “التحليل النفسي: علما وعلاجا وقضيّة” لعالم التحليل النفسي مصطفى صفوان.

كما أصدر المشروع كتبا أخرى نذك من بينها “الزمن أطلالا” لعالم الأنثروبولوجيا مارك أوجيه، “أصول الفكر الإغريقي” للمؤرخ جان بيير فرنان، “الأبجديات الثلاث: اللغة والعدد والرمز” للباحثة كلاريس هيرنشميت، “نهاية العالم كما نعرفه” لعالم الاجتماع إيمانويل فالرشتاين، “قصة الفن: مدخل استثنائي لتاريخ الفن” لإرنست غومبرتش وغيرها.

14