سورية وكويتيتان يحوّلن نشرات الأخبار إلى قصص

الكويت – قد يرى الكثيرون أن الكتابة المشتركة أقل قيمة من سواها، نظرا إلى اختلاف الأمزجة والأرواح والأقلام والأساليب، وقد يستشهدون بغياب مثل هذه الأعمال عن التتويج بالجوائز أو بغلبة كاتب على آخر فيها، لكن بعيدا عن الاتهامات الجاهزة فإن العمل الأدبي المشترك ممكن ووارد لو تحققت فيه شروط التكامل.
وعربيا عرفت الساحة الأدبية عددا من التجارب المشتركة مثل رواية “عالم بلا خرائط”، التي ألفها عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، وفي الخمسينات من القرن الفائت نجد الرواية المسرحية “القصر المسحور” التي اشترك في كتابتها أديبان من أهم الأسماء العربية هما طه حسين وتوفيق الحكيم، قدما من خلالها عالما خياليا لا يقل سحرا عن عالم ألف ليلة وليلة.
ورغم ندرتها فإن الأعمال المشتركة يمكنها أن تقدم أدبا رفيعا، إذ يتطلب ذلك كما يقول الروائي زين عبدالهادي “وحدة فكرية في العمل”، وهو ما نجده في المجموعة القصصية الجديدة بعنوان “مرصد المتاهة” لثلاث كاتبات عربيات.
تضم المجموعة القصصية المشتركة “مرصد المتاهة” 18 نصاً قصصياً، لكل من الكاتبات سوزان خواتمي من سوريا، وإستبرق أحمد وأفراح الهندال من الكويت، حيث اجتمعن في المرصد المتخيل لكتابة “الأخبار العالقة في المشهد”، وهو العنوان الثانوي للمجموعة.
وتتلخص فكرة المشروع القصصي بوقفات إنسانية أمام مشاهد مما يحدث في العالم باشتغال أدبي، حيث تشكل بعض الأخبار المقتطعة من نشراتها اليومية مواقف يعاد بثها من خلال النصوص القصصية، عبر الرؤية الخاصة لكل كاتبة على حدة، فكل خبر مقتطع يمثل مشهدا قصصيا في حد ذاته، تتبعه ثلاث نصوص سردية، كل نص قصصي منها يمثل رؤية كاتبته.
تقول إستبرق أحمد “تندفع ثقيلة في ممر طويل ولامع، تتدحرج متجهة إلى قوارير بيضاء متحفزة، هي كرة البولينغ رقم 8 التي تناسبني وغيرها بالنسبة إلى اللاعبتين، لكنها في الوقت ذاته واحدة، تجري مسرعة، فإما انحراف عن مسارها وإما تحصد الأهداف”.
هكذا هي الكرة/ الخبر/ الموضوع الذي انزلقت أخبار الكاتبات الثلاث، للوصول إلى الكتاب/ القصة، التي تمثل تجاربهن في هذه المغامرة. متصديات للصعوبات وللأسئلة، كلٌّ منهن بأسلوبها.
أما سوزان خواتمي فتقر بأن “الكتابة مغامرة غير محسومة النتائج، لحسن الحظ أن النتيجة تتعلق بمتعة لا تعادلها إلا متعة قراءة عمل محفز. كانت فكرة ‘معمل البسكويت’ في أولها تشجعني على اللاّكسل. من الطريف أننا خلقنا مناخا للكتابة، فالأخبار الصحفية امتحان للمخيلة. كان علينا أن نخوض في متاهات تضيق وتنفرج على هذا النحو أو ذاك من المواضيع الخاصة لندور عبر الكرة الأرضية. الجميل حقًّا أننا خرجنا برؤًى مختلفة، كل منها يخص قلم كاتبته وأسلوبها. فتح الأفق، تخطي العقبات، البصمة الشخصية. وأخيرًا.. هاهو عمل مشترك بين يدي القارئ“.
وبدورها تقول أفراح الهندال “كنَّا نكابد الأنباء عبر مرصدٍ صغير يطل على متاهة هذا العالم؛ بين حرب وحمّى، وترحال كثير من الموت إلى الموت، وبينها صور كثيرة عن الحب والحياة، لا أعرف كيف تتم تجزئة هذه المشاهد المنهالة كلها بخبرٍ صغيرٍ قريبٍ من أخبار الوفيات؟ أو كيف يكون الاكتفاء بالحدث من دون تلمُّس تشظياته؟ أو كيف نقرأ الخبر مجردًا وفي المتاهة عوالم متوازية مضت أو قد تأتي يومًا ما، كنَّا نكابد الأنباء.. وفي كتاباتنا نحرِّر النبوءات”.
أما عن الاشتغال الأدبي في المجموعة، تقول الكاتبة أفراح الهندال “هي مجموعة قصصية، عملنا فيها معاً لأكثر من عام، لم نجمع قصصنا معاً فحسب، وإنما كانت التجربة مشروعاً مشتركاً بيني وبين الصديقتين سوزان خواتمي وإستبرق أحمد، الهموم ناوشتنا وتقاطعت في المشهد الواحد الماثل أمامنا، أخبار العالم نشرة لا تنتهي فجائعها وغرائبها ولكننا دوّنا ما التقطه ‘مرصد المتاهة’، وكتبت كل منا برؤيتها الخاصة، فالطفل في الخبر.. ليس الطفل في نصي أو في نص أي من إستبرق أو سوزان، كل منهما كانت لها حياة مختلفة، وهذا ينطبق على شخوص المجموعة كلها”.
أما الكاتبة إستبرق أحمد فترى أن نصوص المجموعة “نوع من التضامن تجاه عالم يتفكك، ويضغط فيه الفضاء العام على حياة الأفراد مسلطاً بضوضائه على أسماعهم”.
وتمثل القصص القصيرة للمجموعة أسلوباً خاصاً في تناول الخبر كما توضح أحمد، مع الحفاظ على الرؤية الخاصة لكل من الكاتبات الثلاث، ومن هذا، جاءت تتمة عنوان المجموعة: “الأخبار العالقة في المشهد”.
تتحدث سوزان خواتمي عما أسمته “معمل البسكويت” الذي ابتكرته مع أفراح وإستبرق كحلقة لتبادل الرأي وإنتاجه حول ما يكتبنه ضمن مشاريعهن الخاصة، تقول خواتمي “ثم لاحقاً قررنا أن نخرج بعمل مشترك غير تقليدي، وليس مجرد تجميع للنصوص، لذلك بحثنا عن فكرة غير مطروقة، فكانت الأخبار التي تتناقلها الصحف والمواقع المشتركة لنؤسس عليها عوالمنا القصصية، والنتيجة ستة أخبار انفجرت في وجوهنا كما تفعل دائماً لتتحول بلمسة خيال وربما تحدٍ إلى 18 قصة قصيرة تعبر ليس فقط على تنوع الأسلوب واللغة والمشهدية وزاوية الالتقاط، بل توضح أيضاً اختلاف الأسلوب، وهذا ما يميز التجربة من حيث المبدأ”.
ونذكر أن المجموعة القصصية المشتركة “مرصد المتاهة” صدرت حديثاً عن “منشورات تكوين” في الكويت.