سوريا.. وجهان لعملة واحدة

لم تقدم فصائل المعارضة بديلا أفضل عن النظام. كانت أسوأ منه في أحيان كثيرة. وعندما تقترب أكثر من المشهد لتقرأ التفاصيل تجد أن المعارضة والنظام وجهان لعملة واحدة.
السبت 2019/08/17
فصائل المعارضة لم تقدم بديلا أفضل عن النظام

صديق صحافي من إدلب كتب منشورا على صفحة فيسبوك قال فيه “لعدة سنوات تحمّل المدنيون في إدلب بطش بعض الفصائل وتسلطها على مفاصل الحياة، حتى المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي كان يلاحق أصحابها، نحن لا نُخوّن أحدا ولكن نذكر حقائق. من جعل نفسه وصيا على الناس عليه بحمايتهم”.

كلمات المنشور تختصر واقع المعارضة السورية ليس في إدلب فقط، وإنما في كل مكان تحرر فيه السوريون من ظلم نظام الأسد ليجدوا أنفسهم تحت مقصلة الفصائل المسلحة. ثاروا على استبداد الأسد فاستعبدتهم تلك الفصائل تحت عناوين من قبيل “حماية الثورة”، و”ثورة إلى الأبد”، و”في الثورة تكمن الحياة”.

لم تقدم فصائل المعارضة بديلا أفضل عن النظام. كانت أسوأ منه في أحيان كثيرة. وعندما تقترب أكثر من المشهد لتقرأ التفاصيل تجد أن المعارضة والنظام وجهان لعملة واحدة. لا فرق بينهما على الإطلاق، ولو كان السوريون يدركون ذلك لما ثاروا على نظام الأسد ودمروا حياتهم من أجل حفنة مرتزقة وانتهازيين ومستبدين.

كما يخضع النظام لمشيئة داعميه، يتحكم داعمو فصائل المعارضة بمصيرها. تحارب متى يريد وتستسلم متى يريد

النظام باع البلاد والعباد من أجل أن يبقى على رأس السلطة، وفصائل المعارضة باعت أيضا وقبضت الأثمان وفرت من البلاد. النظام سلب الناس كل أنواع الحريات باسم ثورة آذار والحركة التصحيحية، وكذلك فعلت فصائل المعارضة في المناطق التي سيطرت عليها وحكمت فيها باسم الثورة على نظام بشار الأسد.

لم يجرؤ أحد قبل الثورة على نقد نظام الأسد بحجة أن البلاد في حالة حرب، وأي نقد داخلي من شأنه أن يوهن نفسية الأمة ويضعف صمود البلاد أمام المحتل الإسرائيلي، لم يحارب السوريون المحتل الإسرائيلي قط، ولكن الأسد أبقاهم لعقود مكممي الأفواه ومغلولي الأيدي بحجة أنه يقاتل الاستعمار والإمبريالية.

فصائل المعارضة فعلت الشيء ذاته، كممت الأفواه وقيدت الأيدي بحجة أم الحروب ضد نظام بشار الأسد. من يخالف مشيئتها يصنف خائنا، ويحاكم بذات التهم التي يطلقها الأسد على معارضيه. وبدل أن تحرر السوريين بَنَتْ فصائل المعارضة في مناطقها السجون والمعتقلات ونفت وقتلت أبرياء كثيرين.

الشواهد كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر نتذكر: التسجيلات المسربة عن قادة الفصائل وهم يتناحرون بسبب أموال الدعم، مستودعات الغذاء المتخمة التي كانت تغرف منها الفصائل في الغوطة بينما السكان يموتون جوعا تحت حصار النظام، اختطاف رزان زيتونة ورفاقها بسبب توثيقها لانتهاكات المعارضة والنظام.

لم تقدم فصائل المعارضة بديلا أفضل عن النظام. كانت أسوأ منه في أحيان كثيرة. وعندما تقترب أكثر من المشهد لتقرأ التفاصيل تجد أن المعارضة والنظام وجهان لعملة واحدة

وكما يخضع النظام لمشيئة داعميه، يتحكم داعمو فصائل المعارضة بمصيرها. تحارب متى يريد وتستسلم متى يريد. هذا ما حدث في حلب وريف دمشق ودرعا، وهذا ما يحدث اليوم في إدلب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن داعمي النظام كانوا منذ البداية أكثر صدقا في مواقفهم من داعمي المعارضة ولم يتخلوا عنه حتى الآن.

ثمة من يعتقد أن الساسة ورجال الدين في النظام والمعارضة أقل تورطا في دماء السوريين من قادة العسكر. العكس هو الصحيح، فرجال الدين هم من يبيعون حَمَلة السلاح صكوك غفران على مجازرهم، والساسة هم من يحقنون الشعوب بشعارات مخدرة تسلبها حريتها وتصنع منها حواضن لقادة وأرباب الإرهاب من الطرفين.

صديقي من إدلب يقول إن من جعل نفسه وصيا على الناس عليه أن يحميهم. ولكن السوريين لم يثوروا على وصاية الأسد طمعا بوصاية الجولاني، ومن يظن أن معارضة مثل الائتلاف وجبهة النصرة هي أقصى ما يستحقه السوريون في ثورتهم، هو تماما مثل الذي يعتقد أن البلاد لم تنجب رئيسا إلا “الأسد” و”أشباله”.

8