سوريا لم تعد آمنة للتنظيمات الفلسطينية

لم تعد سوريا آمنة بالنسبة للتنظيمات الفلسطينية، ليس فقط لجهة تضييقات دمشق عليها، بل وأيضا ملاحقة الجيش الإسرائيلي لعناصرها أو المتعاملين معها على غرار ما حصل في بيت جن بريف دمشق.
دمشق - تواجه التنظيمات والفصائل الفلسطينية واقعا جديدا في سوريا، في ظل تضييقات من جانب السلطات الجديدة في دمشق، وملاحقات الجيش الإسرائيلي الذي أعلن الخميس عن اعتقال خمسة عناصر من حركة حماس في جنوب سوريا. وعلى مدى العقود الماضية، شكلت سوريا حاضنة للفصائل الفلسطينية على غرار حركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وحركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الجناح العسكري).
وحظيت تلك الفصائل، وهي مصنفة منظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة، برعاية من نظام البعث، وكانت تتحرك بأريحية نسبية داخل الأراضي السورية وتمتلك معسكرات. وحتى في ذروة الأزمة السورية التي اندلعت في العام 2011 بقيت معظم الفصائل تحتفظ بوجود في البلاد، ليتغير الوضع مع الانهيار الدراماتيكي لنظام الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي.
وعمدت السلطات السورية الجديدة إلى التضييق على تحركات تلك الفصائل، وشنت على فترات متقاربة حملات اعتقال بحق أعضاء فيها، ما اضطر العديد من القيادات إلى المغادرة باتجاه دول أخرى مثل لبنان. وربط مراقبون دواعي تلك التضييقات بالضغوط الأميركية على السلطة السورية الجديدة، وكان الرئيس دونالد ترامب واضحا خلال لقائه مع الرئيس أحمد الشرع بوجوب وضع حد لوجود التنظيمات الفلسطينية في البلاد.
ويقول المراقبون إن سوريا عمليا لم تعد آمنة بالنسبة للتنظيمات الفلسطينية، فإلى جانب موقف دمشق، هناك أيضا توجه إسرائيل لملاحقة عناصر تلك التنظيمات في الداخل السوري، على غرار ما حصل في بيت جن. وفي تحرك لافت، أعلن الجيش الإسرائيلي الخميس تنفيذ عملية “دقيقة” جنوب دمشق، تمكن خلالها من “إلقاء القبض” على عدد من الأشخاص، قال إنهم مرتبطون بحركة حماس ونقلهم إلى الأراضي الإسرائيلية للتحقيق معهم.
وفي وقت لاحق أفادت وزارة الداخلية السورية بمقتل مدني و”اختطاف” سبعة أشخاص خلال عملية التوغّل الإسرائيلية ، مندّدة بـ”انتهاك صارخ” للسيادة. وأتى ذلك بعد أكثر من أسبوع على قصف إسرائيل مناطق في جنوب سوريا ردا على إطلاق مقذوفين باتجاه أراضيها، في أول هجوم من نوعه منذ تولي الرئيس الشرع السلطة عقب إطاحة الأسد.
وأوردت الداخلية السورية في بيان “أقدمت قوات عسكرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي، فجر الخميس، مؤلَّفة من دبابات وناقلات جند وآليات راجلة، ورافق هذه القوة طيران استطلاع مسير، على التوغّل في قرية بيت جن التابعة لمنطقة قطنا بريف دمشق”.
◙ وزارة الداخلية السورية أفادت الخميس بمقتل مدني و"اختطاف" سبعة أشخاص خلال عملية التوغل الإسرائيلية
وقالت إن القوة نفّذت “عمليات دهم واعتقال طالت عددا من المواطنين، أسفرت عن اختطاف سبعة أشخاص”، مضيفة “ترافق هذا التصعيد مع إطلاق نار مباشر على الأهالي في القرية، مما أسفر عن استشهاد أحد المدنيين”. وأضافت أنه “تم نقل المخطوفين إلى داخل الأراضي المحتلّة، ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى اللحظة”.
واعتبرت الداخلية أن هذه “الاستفزازات المتكررة تشكل انتهاكا صارخا لسيادة الجمهورية العربية السورية، وخرقا فاضحا للقوانين والمواثيق الدولية”، مضيفة أنها “ممارسات لا يمكن أن تقود المنطقة إلى الاستقرار، ولن تجرّ إلا المزيد من التوتر والاضطراب”.
وكان الجيش الإسرائيلي أوضح في بيان سابق أن قوات إسرائيلية نفّذت “بناء على معلومات استخباراتية… عملية ليلية دقيقة في سوريا، تم خلالها إلقاء القبض على عدد من مخربي منظمة حماس الإرهابية، والذين كانوا يحاولون الترويج لمخططات إرهابية متعددة ضد مواطني دولة إسرائيل وقوات جيش الدفاع في سوريا”. وقال إن قواته عثرت كذلك في المنطقة “على وسائل قتالية وصادرتها، بما في ذلك أسلحة نارية ومخازن ذخيرة وأنواع ذخيرة”.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد اقتحمت “قوة إسرائيلية كبيرة” ليل الأربعاء – الخميس بلدة بيت جنّ “من عدة محاور، رافقتها عدد من الآليات العسكرية، بالتزامن مع تحليق للطيران المسيّر… ووجّهت عبر مكبرات الصوت نداءات بأسماء عدد من الشبان المطلوبين، قبل أن تعتقل سبعة منهم وتقتادهم إلى جهة مجهولة”.
وأضاف المرصد “خلال تنفيذ العملية، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على شاب في محيط منزله، ما أدى إلى مقتله على الفور”. وبحسب المرصد، فإن جميع الشبان المعتقلين، إضافة إلى القتيل، هم من “المدنيين” السوريين. وجاءت العملية بعد أيام على إعلان الجيش الإسرائيلي شنّه غارة “على أحد عناصر حماس في منطقة مزرعة بيت جن”، في حين أفاد المرصد عن مقتل شخص.
ومنذ وصوله إلى السلطة، أكد الشرع مرارا أن سوريا لا ترغب بأي تصعيد مع جيرانها، وشكل اعتقال كوادر للجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، بمثابة رسالة طمأنة لإسرائيل، لكن لا يبدو أن الأخيرة تثق في السلطة الجديدة وتفضل العمل بشكل مباشر ضد أهداف معادية لها. ويقول مراقبون إن الضغوط التي تواجهها الفصائل الفلسطينية في سوريا ستضطرها إلى المغادرة وإنهاء أي وجود لها، حيث إن البقاء صار بحد ذاته تحديا.
ومنذ سقوط حكم الأسد شنّت إسرائيل المئات من الضربات الجوية على أهداف عسكرية في سوريا، وتوغّلت في أراض داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله الدولة العبرية. وتتقدّم القوات الإسرائيلية بين الحين والآخر إلى مناطق في عمق الجنوب السوري.