سوريا توظف علاقاتها الودية مع دول أوروبية لتفكيك تحفظات الغرب

تحمل زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكي راديك روبيش إلى دمشق دلالات سياسية مهمة، مع إبداء عواصم أوروبية رغبة في إنهاء القطيعة مع الحكومة السورية وفتح صفحة تعاون معها، لاسيما في ملفي الهجرة والإرهاب.
دمشق - تسعى دمشق لتوظيف العلاقات الجيدة التي تربطها بعدد من الدول الأوروبية من أجل تفكيك تحفظات التكتل الأوروبي، ولاسيما قواه الكبرى التي لا تزال تصر على رفض التطبيع مع السلطة السياسية في سوريا.
ونجحت الحكومة السورية خلال السنوات الأخيرة في تحقيق اختراق كبير على مستوى الموقف العربي، وتمكنت من استعادة مقعدها ضمن الجامعة العربية، لكن القوى الغربية لا تزال ترفض أي انفتاح على دمشق، متمسكة بضرورة إحداث تغيير سياسي في سوريا بما يتماشى والقرار الأممي رقم 2254.
ويرى متابعون أن الظرفية تبدو ملائمة أمام الرئيس السوري بشار الأسد لكسر التشدد الغربي تجاهه، كما أن علاقته ببعض العواصم الأوروبية قد تمنحه فرصة للضغط في هذا الاتجاه.
ويقول المتابعون إن الاتحاد الأوروبي الذي يخوض معركة وقف الهجرة غير الشرعية على جبهات متعددة، في حاجة ماسة إلى تعاون سوري في هذا الإطار، وهذا ما تدركه دمشق جيدا وتعمل عليه.
وحثّ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، دولة التشيك على نقل “الصورة الحقيقية عن الوضع في سوريا للآخرين” قاصدا بذلك دول الاتحاد الأوروبي.
جاء ذلك خلال لقاء جمع المقداد مع وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكية راديك روبيش، الثلاثاء، في العاصمة دمشق.
وهذه أول زيارة معلنة لوزير أوروبي إلى العاصمة السورية منذ تفجر الأزمة في العام 2011.
وتحدث المقداد في لقائه مع روبيش عن “أهمية تطوير العلاقات السورية – التشيكية”، مشيرا إلى “الدور الذي تلعبه العلاقات الودية بين البلدين في تقديم الصورة الحقيقية للأوضاع في سوريا إلى الدول الأخرى”.
قبرص واليونان وإيطاليا ورومانيا حريصة على إعادة الاتصال مع دمشق بسبب قلقها من موجات اللاجئين والخوف من الإرهاب
بدوره عبر الوزير التشيكي عن أهمية التعاون والمشاورات بين حكومة بلاده والحكومة السورية للوقوف على حقيقة الأوضاع في سوريا والتطورات السياسية في المنطقة، ما سيساهم في تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، مؤكداً حرص التشيك على تقديم المساعدة الإنسانية الممكنة للشعب السوري ورفضها للإرهاب بكل أشكاله.
ويرى متابعون أن زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكي إلى دمشق ترتبط في جزء كبير منها بملف الهجرة، في ظل تسجيل تدفق عدد كبير للاجئين السوريين من لبنان إلى قبرص.
وتضغط نيقوسيا اليوم على الاتحاد الأوروبي من أجل فتح قنوات تواصل مع دمشق لوقف هذا المد، وقد نجحت في استمالة عدد من أعضاء التكتل إلى صفها.
وكشف مصدر دبلوماسي أوروبي قبل أيام عن قيام رئيس المخابرات الرومانية بزيارة إلى سوريا حيث التقى بالرئيس الأسد ومدير المخابرات السورية حسام لوقا.
ونقل “التلفزيون السوري” عن الدبلوماسي الأوروبي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن رئيس المخابرات الرومانية حمل معه رسالة مشتركة من بلاده ومن قبرص واليونان وإيطاليا تشير إلى حرص هذه الدول على إعادة الاتصال مع دمشق بسبب قلقها من موجات اللاجئين والخوف من “الإرهاب”.
وأشار الدبلوماسي إلى أن هذه الدول باتت لديها قناعة كاملة بأنه لم تعد أمامها أي وسيلة أخرى سوى التواصل مع الحكومة السورية.
ولم يحدد الدبلوماسي الأوروبي متى جرت هذه الزيارة بالتحديد، ولكنه أشار إلى أنها كانت خلال الأيام القليلة الماضية.
اهتمام الأسد باستعادة العلاقات مع الغرب، هدفها الأساسي هو التخفيف من وطأة العقوبات المفروضة على دمشق، ولا يعني ذلك رغبة في استدارة عن الحليف الروسي
ويعتقد مراقبون أنه بوسع الحكومة السورية توظيف عدد من الملفات بينها الهجرة والإرهاب، من أجل إقناع القوى الأوروبية بجدوى إعادة النظر في العلاقة معها.
وكان الرئيس السوري كشف خلال مقابلة أجراها الشهر الماضي مع وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا، عن لقاءات يعقدها مسؤولو بلاده مع الولايات المتحدة من دون أن يوضح طبيعتها، مشيراً إلى أن “الأمل موجود” لإعادة الحوار مع الدول الغربية.
ويرى المراقبون أن اهتمام الأسد باستعادة العلاقات مع الغرب، هدفها الأساسي هو التخفيف من وطأة العقوبات المفروضة على دمشق، ولا يعني ذلك رغبة في استدارة عن الحليف الروسي الذي أنقذه من السقوط.
ويشير المراقبون إلى أنه من المنتظر تسجيل المزيد من التحركات الأوروبية صوب دمشق خلال الأشهر القليلة المقبلة، وأن زيارة الوزير التشيكي كسرت الحاجز النفسي.
وعلى خلاف باقي الدول الأوروبية، حافظت براغ على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وأبقت على سفارتها مفتوحة في العاصمة السورية، خلال الحرب في البلاد، بينما أغلقت معظم الدول الغربية سفاراتها هناك سنة 2012 وأرسلت موظفيها إلى لبنان البلد المجاور.
وكان يان ليبافسكي وزير خارجية التشيك الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، قال العام الماضي إن براغ تحرص على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية، وإبقاء التمثيل الدبلوماسي التشيكي في دمشق.
ولفت ليبافسكي في تعليق له على انتهاء مهمة السفيرة التشيكية في دمشق إيفا فيليبي: إن “تشيكيا ستسعى على الدوام لأن يكون لها تمثيل دبلوماسي في دمشق”، موضحا أنه من الأمور الجوهرية بالنسبة للتشيك الاحتفاظ بالتغطية الدبلوماسية لها في منطقة الشرق الأوسط كلها، مشيراً إلى أن لدى بلاده سفارات ودبلوماسيين في جميع الأماكن المهمة في المنطقة.
وشدد وزير الخارجية التشيكي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء سوريا حينها على أهمية أن توجد الدبلوماسية في المقام الأول من أجل منع الصراعات، ولاسيما في عالم اليوم المضطرب والمتخم بالحروب.
وكان الرئيس السوري منح سفيرة التشيك العام الماضي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى الممتازة.