سوريا تقترب من العودة إلى شبكة سويفت للتحويلات الدولية

دمشق - تستعد سوريا للعودة الكاملة إلى نظام التحويلات المالية الدولية (سويفت)، في خطوة تعتبر الأولى ضمن خطة أوسع لإعادة ربط الاقتصاد بالأسواق العالمية بعد 14 عاماً من العزلة والعقوبات الغربية.
وقال عبدالقادر حصرية حاكم مصرف سوريا المركزي في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” نشرتها الاثنين إنه سيجري ربط سوريا بالكامل مجددا بنظام سويفت للمدفوعات الدولية “في غضون أسابيع.”
واستنزف النزاع المدمر الذي اندلع في عام 2011، اقتصاد البلاد ومقدراتها، وباتت عملية تحويل الأموال بطريقة رسمية إلى الخارج مهمة مستحيلة على وقع عقوبات غربية تطال كل من يتعامل مع مؤسسات وكيانات مالية سورية.
وفرض جزء كبير من هذه العقوبات ردّا على قمع السلطات السورية بقيادة بشار الأسد الحركة الاحتجاجية التي بدأت سلمية ضد نظام الحكم، قبل أن تتحوّل إلى نزاع مسلّح.
وبعد إعلان الولايات المتحدة مؤخراً رفع بعض العقوبات، فُتح المجال أمام دمشق للبدء بعملية إصلاح طال انتظارها، وسط تحديات كبيرة لإعادة بناء الاقتصاد المنهك واستعادة الثقة الدولية.
وتمكن الرئيس الجديد أحمد الشرع، الذي تولى زمام الأمور منذ ديسمبر 2024، من الحصول على دعم دولي واسع لحكومته الناشئة ليبدأ خطة إصلاح للاقتصاد شملت القوانين المصرفية والنظام المالي بهدف توفير بيئة جاذبة للاستثمارات.
ويُعد النظام المالي أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة نتيجة تراكمات عقود من السياسات الاقتصادية، فضلاً عن آثار الحرب.
وقبل الأزمة، كان القطاع المصرفي، الذي يضم 21 بنكا، منها 15 بنكا خاصا، يتميّز بكونه مُغلقًا ومركزيًا إلى حد كبير، حيث هيمنت البنوك الحكومية على المشهد، مثل المصرف التجاري السوري والمصرف العقاري.
وكان دور البنوك الخاصة محدودًا للغاية، إلى أن بدأ الانفتاح التدريجي قبل عقدين عبر السماح بإنشاء بنوك خاصة وشركات تمويل صغيرة.
ومع اندلاع النزاع، دخل النظام المصرفي في حالة من الانكماش والجمود، حيث فقدت الليرة جزءًا كبيرًا من قيمتها، وفرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على دمشق، شملت القطاع المالي.
وهذه العقوبات أدت إلى عزل سوريا عن النظام المالي العالمي، ما حدّ من قدرتها على إجراء التحويلات المالية الدولية أو جذب الاستثمارات الأجنبية أو حتى الوصول إلى التمويل الخارجي.
وفي ظل هذه الظروف، أُجبر المركزي على اتخاذ تدابير صارمة للسيطرة على سعر الصرف، مثل فرض قيود على تداول العملات الأجنبية، وتشديد الرقابة على التحويلات المالية، ومحاولة تنظيم السوق السوداء.
ومع ذلك، أدت هذه السياسات غالبًا إلى نتائج عكسية، إذ توسعت السوق الموازية وأصبحت المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية للكثير من الأفراد والشركات، ما أضعف فاعلية السياسات الرسمية.
ويعاني النظام المصرفي أيضًا من ضعف الثقة، سواء من المواطنين أو المستثمرين. فالكثير من هؤلاء يفضلون الاحتفاظ بأموالهم نقدًا أو في الخارج، نظرًا إلى المخاوف من التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وصعوبة الوصول إلى الحسابات المصرفية.
كما أن بعض البنوك تواجه صعوبات كبيرة في استرجاع القروض الممنوحة، نتيجة الانكماش الاقتصادي وغياب الضمانات الفعلية، ما فاقم أزمة السيولة وأضعف قدرة البنوك على أداء وظائفها التقليدية في تمويل الاقتصاد.
ورغم كل هذه التحديات، هناك محاولات لإعادة بناء الثقة بالنظام المالي، من خلال تحديث القوانين، وتوسيع نطاق خدمات الدفع الإلكتروني، وتسهيل الإجراءات البنكية، وتشجيع الشمول المالي، خاصة في الأرياف والمناطق المتضررة من الحرب.
المركزي سيصدر أول صكوك سيادية كجزء من إستراتيجية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار
وأكد حصريه في مقابلة مع الصحيفة البريطانية أن السلطات تعمل على إعادة هيكلة السياسة النقدية والقطاع المصرفي.
وأشار إلى أن البلاد تسعى لإصدار أول صكوك سيادية كجزء من إستراتيجية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار. وقال إن “التحرك نحو إصدار الصكوك يعكس التزامنا بتقديم أدوات تمويل متوافقة مع الشريعة لتوسيع قاعدة المستثمرين.”
وتحاول بعض البنوك الخاصة التأقلم مع الواقع الجديد عبر تقديم خدمات تمويل صغيرة ومتناهية الصغر، تستهدف شرائح اجتماعية واسعة تفتقر للوصول إلى التمويل التقليدي.
ومع دخول الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب، يصبح إصلاح القطاع المالي والمصرفي أمرًا حيويًا لاستعادة الاستقرار الاقتصادي.
ولكن هذا الإصلاح يتطلب تهيئة بيئة سياسية واقتصادية أكثر شفافية وانفتاحًا، ورفع العقوبات تدريجيًا، وتحسين البنية التحتية المصرفية، وتعزيز استقلالية المصرف المركزي.
ويؤكد الخبراء أنه دون هذه الخطوات الجوهرية، سيبقى النظام المصرفي عاجزًا عن القيام بدوره التنموي، وسيظل جزءًا من معضلة أعمق تتعلق بمستقبل سوريا الاقتصادي والسياسي.
وأوضح حصرية أن الحكومة تهدف إلى تحسين صورة سوريا كمركز مالي إقليمي مع تدفق متوقع للاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعي البنية التحتية وإعادة الإعمار.