سوريا تطرق أبواب النظام المالي العالمي من واشنطن بعد قطيعة لعقدين

وزير المالية السوري يعبر عن أمل الشعب بالعودة للمجتمع الدولي ودعم جهود إعادة الإعمار وبناء المؤسسات فيما يؤكد حاكم المصرف على أولوية الاندماج المالي.
الاثنين 2025/04/21
سوريا تأمل في كسر جمود العقوبات واستعادة ثقة العالم المالي

واشنطن - وصل وزير المالية السوري محمد يسر برنية وحاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحُصرية إلى واشنطن الاثنين للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في زيارة تمثل أول تواصل رفيع المستوى مع الولايات المتحدة منذ الإطاحة ببشار الأسد.

وتهدف هذه المشاركة وهي الأولى من نوعها منذ عقدين على الأقل، إلى تعزيز فرص إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، وفتح آفاق جديدة لعملية إعادة الإعمار التي تئن تحت وطأة سنوات الحرب والعقوبات.

وقد عبّر وزير المالية السوري، عبر حسابه على "لينكد إن"، عن الأهمية البالغة لهذه الزيارة، مؤكداً أنها تحمل آمال وتطلعات الشعب السوري نحو العودة إلى المجتمع الدولي واستعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي.

كما أعرب عن تفاؤله بأن تسهم اللقاءات الثنائية المكثفة التي سيجريها الوفد في دعم جهود إعادة الإعمار وبناء المؤسسات، بما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين السوريين.

وبدوره، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي على الأولوية القصوى التي توليها الحكومة الجديدة لمسألة إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.

وأكد الحُصرية في منشور التزام الوفد السوري ببذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذه الغاية، متمنيا أن يعمّ السلام والازدهار الجميع.

وقد حصل الوفد السوري، الذي يضم أيضا وزير الخارجية أسعد الشيباني المتوجه إلى نيويورك لحضور اجتماعات مجلس الأمن، على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بعد فترة من الترقب.

وتأتي هذه التحركات في سياق إعلان الأمم المتحدة، على لسان الأمين العام المساعد عبدالله الدردري، عن خطة لتقديم مساعدات بقيمة 1.3 مليار دولار لسوريا على مدى ثلاث سنوات، تستهدف إعادة بناء البنية التحتية ودعم الشركات الناشئة الرقمية.

وقد وصف الدردري الاستثمار في سوريا بأنه "منفعة عامة على الصعيد العالمي"، مشددا على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودول المنطقة، لتقديم الدعم اللازم.

وقد كشفت مصادر عن اجتماع مرتقب بشأن سوريا تستضيفه السعودية والبنك الدولي على هامش اجتماعات الربيع، وهو ما اعتبره الدردري مؤشرا إيجابيا على استعداد المؤسستين لتقديم الدعم.

وأشار الدردري إلى أن تسوية ديون سوريا ستفتح الباب أمام حصولها على دعم إضافي من البنك الدولي.

وتسعى الحكومة السورية الجديدة، التي يقودها الإسلاميون والتي تسلمت زمام الأمور بعد الإطاحة بالأسد، إلى إعادة بناء علاقات سوريا على المستويين الإقليمي والدولي، واستقطاب الدعم اللازم لعملية إعادة الإعمار.

لكن العقوبات الأميركية الصارمة التي فُرضت خلال فترة حكم الأسد لا تزال سارية وتشكل تحديا كبيرا أمام تحقيق هذه الأهداف. ورغم منح الولايات المتحدة إعفاء لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات في يناير الماضي بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إلا أن تأثير هذا الإجراء ظل محدودًا.

وفي فبراير الماضي، كشفت رويترز عن إرجاء قطر لتقديم دعم مالي مخصص لرواتب القطاع العام السوري، وذلك بسبب حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت ستخرق العقوبات الأميركية بفعل ذلك.

وفي الشهر الماضي، قدمت الولايات المتحدة لسوريا قائمة من الشروط التي يتعين عليها الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، ولكنها لم تتواصل بشكل كبير مع الحكام الجدد للبلاد.

ويعود ذلك لأسباب منها اختلاف وجهات النظر في واشنطن حول كيفية التعامل مع سوريا ما بعد الأسد.

وذكر دبلوماسيون ومصادر أميركية أن بعض مسؤولي البيت الأبيض حرصوا على اتخاذ موقف أكثر تشددا، مشيرين إلى الروابط السابقة للقيادة السورية الجديدة بتنظيم القاعدة كسبب لتقليص التواصل إلى الحد الأدنى

وكشفت مصادر لرويترز عن قائمة شروط وضعتها الولايات المتحدة مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، من بينها تدمير سوريا لأي مخازن أسلحة كيماوية متبقية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والتأكد من عدم تولي مسلحين أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة، وتعيين منسق اتصال لدعم جهود العثور على الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات.

وعينت سوريا بالفعل بعضا من الأجانب الذين كانوا سابقا في صفوف المعارضة، بين من الويغور وأردني وتركي، في وزارة الدفاع في خطوة أثارت قلق حكومات أجنبية.. ولم تحدد واشنطن نوع التخفيف المقدم أو جدولًا زمنيًا لتلبية هذه الشروط.

وتحتاج سوريا بشدة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصادها المنهار جراء الحرب الطويلة. وقد دعا مسؤولون سوريون، منهم الشيباني والرئيس أحمد الشرع، إلى رفع العقوبات بالكامل، معتبرين استمرارها بعد الإطاحة بالأسد أمرًا "ظالمًا".

وتمثل زيارة الوفد السوري الرفيع إلى واشنطن خطوة مهمة نحو كسر عزلة سوريا وإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

ومع التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، وعلى رأسها العقوبات الأميركية، تبقى الأنظار متجهة نحو مدى استجابة المجتمع الدولي وتلبية الشروط الأميركية لتحقيق هذا الهدف الحيوي لتعافي سوريا.