سوريا تضيع في متاهة تمويل ميزانية 2023

دمشق – تكشف مؤشرات الميزانية السورية للعام المقبل مدى تضاؤل هامش المناورة للحكومة في ظل التحديات المالية، التي يرى خبراء أنه لا حل لها خاصة مع انحدار قيمة الليرة ومشاكل التضخم وخمول الاقتصاد بشكل كبير.
وعكس إقرار دمشق للميزانية الجديدة موجة من الإحباط بين الأوساط الاقتصادية والشعبية، كون السلطات بلا خيارات ممكنة لتمويلها في ظل الشلل المطبق على كافة أنشطة الحياة في البلاد.
وأقر الرئيس السوري بشار الأسد مساء الخميس الماضي قانون الميزانية العامة لعام 2023 بمبلغ إجمالي يعادل 5.4 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي، على وقع أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة بعد أكثر من عقد من الحرب.
وبعدما باتت غالبية السوريين تحت خط الفقر، بعد أكثر من 11 عاما من الحرب التي أنهكت الاقتصاد ومقدراته، عدا عن تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، تتضاءل تدريجيا قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الرئيسية على وقع تدهور العملة المحلية.
5.4
مليار دولار حجم ميزانية 2023 بعجز أعلى من الميزانية الحالية بنحو 19.64 في المئة
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن الأسد أصدر القانون القاضي “بتحديد اعتمادات الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2023 بمبلغ إجمالي قدره 16.55 مليار ليرة سورية”.
ويبلغ سعر صرف الليرة الرسمي حاليا 3015 مقابل الدولار، فيما انخفضت قيمة الليرة بشكل حاد في السوق السوداء إلى 5900 ليرة، في أدنى مستوياتها منذ اندلاع النزاع عام 2011.
وتعادل قيمة الميزانية الجديدة قرابة 2.8 مليار دولار وفق سعر الصرف في السوق السوداء، فيما بلغت نحو 3.8 مليار دولار وفق سعر الصرف ذاته عام 2022.
وفي ديسمبر الماضي أقرت السلطات ميزانية العام الحالي بنحو 6.8 مليار دولار وفق سعر صرف الدولار عند حوالي 1250 ليرة، فيما بلغ إجمالي ميزانية العام 2021 نحو تسعة مليارات دولار.
وقال جهاد يازجي رئيس تحرير النشرة الاقتصادية الإلكترونية سيريا ريبورت في بيروت لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الميزانية تعد الأدنى لناحية قيمتها بالدولار منذ اندلاع النزاع” عام 2011.
ولا تلحظ الميزانية الاعتمادات المخصصة لدعم قطاع الكهرباء المتداعي، في وقت تشهد فيه البلاد انقطاعا طويلا في الإمدادات يصل إلى 22 ساعة.
وقال وزير المالية كنان ياغي في مقابلة مع صحيفة “الوطن” المحلية المقرّبة من السلطات مطلع نوفمبر الماضي إن “إجمالي العجز المقدر في الميزانية ازداد بنسبة 19.64 في المئة عما كان عليه في ميزانية هذا العام”.
وأوضح أنه “من غير الممكن أن تكون ميزانية عام 2023 قادرة على مجاراة معدلات التضخم المرتفعة، ولو تمت مجاراة التضخم لوجدنا أنفسنا أمام تقديرات للميزانية بأكثر من ثلاثة أضعاف الرقم الحالي، وبالتالي تعمّق للعجز”.
وتقدر أوساط اقتصادية الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي السوري بأقل من مليار دولار بعدما كانت في حدود عشرين مليار دولار قبل الحرب.
ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد، حيث أودى النزاع بنصف مليون شخص، يعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشي البطالة وشح المحروقات وانخفاض قيمة العملة المحلية الذي يشكل دليلاً ملموسا على الاقتصاد المنهك.
وتأتي كل هذه المعاناة والمظاهر السلبية في المؤشرات الاقتصادية العامة في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض الاحتياطي من النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي.
سوريا تخضع لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تسبّبت في المزيد من الخسائر، وفي الحد من قدرة السلطات على الاستيراد خصوصا المشتقات النفطية
وتخضع سوريا لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تسبّبت في المزيد من الخسائر، وفي الحد من قدرة السلطات على الاستيراد خصوصا المشتقات النفطية.
وقدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد.
وكان عدد سكان البلاد قبل الحرب نحو 23 مليون نسمة، ونتيجة لظروف الحرب تم نزوح وتهجير نحو 9 ملايين شخص، بحسب منظمات دولية.
ووفق آخر الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي، فقد بلغ معدل التضخم في سوريا أكثر 163 من في المئة في 2020، ولكن منذ ذلك الحين لم يتم الإعلان عن مؤشر أسعار الاستهلاك الذي من المؤكد أنه تضاعف في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا.
ويتفق محللون على أن الانهيار الكبير للاقتصاد وبالأخص قيمة الليرة وسّع دائرة الفقر، ودفع غالبية السوريين إلى تخفيف وجباتهم، إضافة إلى اختفاء سلع من قائمة المشتريات مثل اللحوم والفواكه وبعض السلع الأخرى حتى وإن كانت متوفرة في الأسواق التجارية.
ولكن ذلك ليس كل شيء فآخرون يرون أن ثمة عدة عوامل متداخلة أثرت على الأسعار منها الاحتكار وتقليص الحكومة للاستيراد وما يحصل في لبنان أيضا.