سوريا تسعى إلى ترميم دبلوماسيتها باستقطاب المنشقين

دمشق - وجهت وزارة الخارجية السورية دعوة رسمية إلى الدبلوماسيين الذين انشقوا عن النظام السابق، مطالبة إياهم بتحديث بياناتهم لدى الوزارة، في بادرة تأتي في سياق جهود معلنة تهدف إلى "تفعيل دورهم في مرحلة بناء سوريا الجديدة"، وذلك ضمن مساعٍ أوسع لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس جديدة تتجاوز موروثات الماضي.
وفي صلب هذه الدعوة، يبرز اعتراف الوزارة بالدور الذي لعبه هؤلاء الدبلوماسيون خلال فترة انشقاقهم.
فقد جاء في البيان "إيماناً منا بالدور الوطني الكبير الذي قمتم به بانشقاقكم عن النظام البائد ووقوفكم إلى جانب شعبكم وقضيته العادلة، وانطلاقا من حرصنا على حفظ هذا التاريخ المشرف وتوثيقه، وإدراكا منا لأهمية تفعيل دوركم في مرحلة بناء سوريا الجديدة، نعمل حالياً على جمع وتحديث بيانات الزملاء الدبلوماسيين المنشقين عن وزارة الخارجية والمغتربين".
ولتسهيل عملية تحديث البيانات، دعت الوزارة جميع الدبلوماسيين المعنيين إلى تعبئة نموذج خاص أُعد لهذا الغرض.
وقد أكدت الوزارة على "الحفاظ التام على سرية المعلومات التي يتم إدخالها"، مشددة في بيانها على أن "جميع البيانات ستعامل بسرية تامة ولن تستخدم إلا في إطار تنظيم العمل الدبلوماسي المستقبلي والتواصل معكم بما يخدم المصلحة الوطنية". وحددت الوزارة تاريخ 31 مايو 2025 كآخر موعد للتسجيل.
اختتمت الوزارة بيانها بالتأكيد على الأهمية الاستثنائية لهذه المبادرة في المرحلة الراهنة من تاريخ سوريا، معتبرة أن "مساهمتكم في هذا الجهد خطوة مهمة نحو لمِّ الشمل وتنسيق الجهود في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرتنا الوطنية".
وتُمثل هذه الدعوة خطوة رمزية وعملية في آن واحد. فهي تشير إلى محاولة السلطات السورية الحالية تجاوز حقبة النظام السابق والسعي لبناء شرعية جديدة من خلال استقطاب شخصيات كانت في صفوف المعارضة أو اتخذت موقفاً مناهضاً له.
كما تعكس رغبة في الاستفادة من خبرات هؤلاء الدبلوماسيين الذين اكتسبوا تجارب متنوعة خلال فترة عملهم خارج المؤسسة الرسمية.
ومنذ بداية الأزمة في عام 2011، شهدت المؤسسة الدبلوماسية السورية انشقاقات عديدة، حيث اختار دبلوماسيون بارزون الانحياز إلى صفوف المعارضة أو تبني مواقف مستقلة، وقد أثر ذلك بشكل كبير على قدرة النظام السابق على التواصل الفعال مع المجتمع الدولي والحفاظ على علاقاته الدبلوماسية.
وتسعى السلطات الحالية، من خلال هذه الدعوة، إلى إعادة بناء هذه المؤسسة على أسس جديدة، ربما من خلال دمج خبرات الدبلوماسيين القدامى مع الكفاءات الجديدة، وتقديم صورة أكثر شمولية وتنوعاً للدبلوماسية السورية المستقبلية.
وعلى الرغم من الطابع الإيجابي الظاهري لهذه الدعوة، لا تزال هناك تحديات كبيرة. فمدى استجابة الدبلوماسيين المنشقين لهذه المبادرة سيعتمد على الثقة المتبادلة والضمانات التي ستقدمها السلطات بشأن مستقبلهم ودورهم. كما أن طبيعة "إعادة الهيكلة" التي تتحدث عنها الوزارة لا تزال غير واضحة المعالم.
إلا أن هذه الخطوة تبقى مهمة كإشارة أولية لرغبة في تجاوز الماضي والانفتاح على شخصيات كانت تعتبر في السابق خارج الصف الرسمي. وقد تكون هذه بداية لمسار أطول نحو تحقيق مصالحة وطنية شاملة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس أكثر تمثيلا وتنوعا.
في خضم تحديات أمنية وسياسية متصاعدة تواجه السلطات الانتقالية، تتجلى أهمية هذه الخطوة التي تتزامن مع مساعٍ داخلية ودولية حثيثة لتثبيت دعائم الاستقرار ودفع عجلة العملية السياسية المتعثرة. ويُنظر إلى إعادة هندسة المؤسستين الدبلوماسية والعسكرية كحجر الزاوية في مشروع ترميم الدولة ومؤسساتها، بما يلبي تطلعات السوريين نحو تغيير جذري يطوي صفحة الماضي.
وتُعد هذه التحركات، التي تبادر بها السلطات السورية الانتقالية نحو استيعاب الكفاءات الوطنية، تجسيداً عملياً لشعار "سوريا لكل أبنائها" الذي رفعته قيادات المرحلة الانتقالية مراراً. كما أنها بمثابة إيذان ببدء مسيرة طويلة وشاقة نحو تحقيق شراكة وطنية حقيقية، قادرة على تجاوز الانقسامات العميقة التي فرضتها سنوات الصراع المرير على النسيج الاجتماعي السوري.
وعلى الرغم من جسامة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي لا تزال تلقي بظلالها، تحمل هذه الخطوات في طياتها بصيص أمل يوحي بأن مشروع بناء سوريا الجديدة لن يكتب له النجاح إلا بتضافر جهود جميع أبنائها، بمن فيهم أولئك الذين تحملوا أعباء مواقفهم وآن الأوان لعودتهم للمساهمة الفاعلة في إعادة بناء الوطن، على أسس راسخة من العدالة والكفاءة والولاء الخالص لسوريا أولاً وأخيراً.