سوريا تخرج من دوامة الحرب الأهلية لتصبح ساحة حرب إقليمية

دمشق – ساعد الدعم الإيرانيُّ النظامَ السوري على النجاة، لكنه يجره الآن إلى أن يصبح طرفا في صراع واسع بين إيران والغرب عموما وإسرائيل والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
وتغير الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قنصلية إيران في مجمع سفارتها بالعاصمة السورية قواعد الاشتباك الحالية وتمهد لردود عسكرية أقوى وأوسع مدى بين إيران وإسرائيل.
وتوعّدت إيران الثلاثاء بـ”معاقبة” إسرائيل على الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق الإثنين، والذي أسفر عن مقتل 13 شخصا بينهم سبعة من الحرس الثوري، في عملية غير مسبوقة تزيد التوترات في الشرق الأوسط بالتزامن مع الحرب في غزة.
وقال المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي في بيان “سيعاقب رجالنا الشجعان النظام الصهيوني، سنجعله يندم على هذه الجريمة وغيرها”.
ويحرص نظام الرئيس السوري بشار الأسد على أن تبدو مواقفه مساندة لإيران ضد الاستهداف الإسرائيلي، لكنه في الواقع يشعر بالإحراج من استمرار الوجود الإيراني وما يجلبه إلى دمشق من مخاطر؛ منها أن الحرب تتجه إلى الخروج من السياق الحالي، الذي تستهدف فيه إسرائيل الوجود الإيراني بضربات موجهة ومحدودة، إلى سياق جديد يضع سوريا على عتبة حرب متعددة الأطراف.
التصعيد بين إسرائيل وإيران يهدد خطط الأسد لإظهار أن بلاده تتعافى والبحث عن إعادة تأهيل نظامه إقليميا ودوليا
ويُعتقد أن تكثيف الوجود العسكري والاستخباري الإيراني لا يتم برضا الأسد، ولا يصب في صالح خطط الدولة السورية التي تريد إنهاء معالم الحرب بشكل نهائي من خلال القضاء على المجموعات المتشددة في الشمال، وكذلك انسحاب المجموعات الموالية لإيران والتي دخلت إلى سوريا تحت عنوان مساعدة الأسد على فرض الأمن وهزْم المتشددين، لكن تبين لاحقا أن الهدف هو تأمين بقاء دائم في سوريا.
وسيضرّ التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، إنْ اتخذ أبعادا أوسع، بخطط الأسد لإظهار أن بلاده تتعافى والبحث عن إعادة تأهيل نظامه إقليميا ودوليا والقطع مع مرحلة الحرب الأهلية.
وسيمنح ذلك المجموعات المتشددة فرصة إعادة هيكلة نفسها والانخراط مجددا في الحرب وتحويل سوريا إلى نقطة انطلاق جديدة لأنشطة تنظيم داعش بعد أن نجح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هَزْمه.
ومنذ بدء النزاع عام 2011 شنّت إسرائيل المئات من الضربات الجوية في سوريا، طالت بشكل رئيسي أهدافا إيرانيّة وأخرى لحزب الله، من بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، ولكن أيضا مواقع للجيش السوري.
والتزمت إيران طوال الوقت بسياسة ضبط النفس، لكن هذه المرة لا يُعتقد أنها ستكتفي بتصريحات الوعيد والتهديد، حيث يرجح مراقبون أن تبادر إلى الرد بضرب أهداف إسرائيلية بشكل مباشر.
ويرى المراقبون أن أي تصعيد إيراني ضد أهداف عسكرية أو دبلوماسية إسرائيلية قد يجر الولايات المتحدة إلى التدخل؛ إذ ستجد المناخ ملائما لتوجيه ضربات تقصم ظهر مجموعات موالية لإيران تنفذ عملياتها من سوريا والعراق ضد الوجود الأميركي في البلدين.
وقد يفضي توسيع دائرة الحرب إلى كسر الإستراتيجية الإيرانية التي تقوم على المواجهة المحدودة مع الغرب عن طريق الوكلاء في الإقليم (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، وقد يشمل التصعيد غير المحسوب إيران نفسها.
وترغب إسرائيل في إبراز استعدادها للانخراط في أي مواجهة وعلى أي جبهة من الجبهات والرد خارج حدودها إذا استفزها أي طرف.
وتسعى من خلال ردها على أهداف داخل سوريا إلى تذكير إيران بأن الصراع المستمر في غزة لا يعيق قدرتها على تعطيل تحركات الوكلاء.
وتعهّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالرد على الهجوم، مؤكدا أنّ “هذه الجريمة البشعة لن تمرّ من دون رد”.
ولم يقدّم رئيسي أيّ تفصيل بشأن طبيعة الرد، ولكن بعد اجتماع طارئ عُقد مساء الاثنين بحضوره أفاد بيان صادر عن المجلس الأعلى للأمن القومي بأنّه تمّ اتخاذ “القرارات اللازمة”.
وقال علي شمخاني المستشار السياسي لخامنئي في منشور على منصة إكس إن الولايات المتحدة “تظل مسؤولة مباشرة سواء أكانت على علم بنية إسرائيل تنفيذ هذا الهجوم أم لم تكن على علم بها”.
وأكدت واشنطن أنّ “لا علاقة لها” بالقصف الذي دمّر المبنى الذي يضمّ القنصلية ومقرّ إقامة السفير الإيراني في سوريا، حسب ما نقله موقع “أكسيوس” عن مسؤول أميركي.
وهذا القصف، الذي نفّذته “ستة صواريخ أطلقتها مقاتلات أف – 35” وفق طهران، هو الأول الذي يستهدف مبنى دبلوماسيّا إيرانيّا في سوريا.
وفي ظلّ تزايد المخاوف من أن تتّخذ الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة منحى إقليميّا، أكد العراق الثلاثاء أنّ الهجوم سيؤدي إلى “المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار” في الشرق الأوسط.
ومنذ بدء الحرب في غزة عقب هجوم نفّذته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية، ضاعفت إيران تصريحاتها بشأن دعم حماس متهمة إسرائيل بتنفيذ “إبادة جماعية”، لكنّها نفت أيّ تدخّل مباشر في القتال.
وفي دمشق لم يبقَ من مبنى القنصلية الإيرانية غير بوابة كتبت عليها عبارة “القسم القنصلي في السفارة الإيرانية”.
وتناثرت شظايا النوافذ المحطّمة على مسافة وصلت إلى 500 متر، بينما تضرّرت الكثير من السيارات التي كانت متوقفة في المكان. وقالت وزارة الدفاع السورية “أدّى العدوان إلى تدمير البناء بكامله واستشهاد وإصابة كلّ من بداخله”.
والثلاثاء أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني ارتفاع عدد القتلى إلى 13 قتيلاً بينهم سبعة أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، وذلك بعدما أفادت حصيلة سابقة بمقتل 11 شخصا.
وقال التلفزيون الإيراني “في الهجوم الذي نفّذه النظام الصهيوني على قنصلية السفارة الإيرانية في العاصمة السورية، قُتل سبعة إيرانيين وستة سوريين”.
وكان الحرس الثوري الإيراني أفاد بُعيد الهجوم الاثنين بأنّ سبعة من عناصره، بينهم ضابطان كبيران، قتلوا. وأوضح أنّ بين القتلى العميد محمد رضا زاهدي والعميد محمد هادي حاجي رحيمي.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى سقوط 11 قتيلاً “هم ثمانية إيرانيين وسوريان ولبناني واحد، جميعهم مقاتلون وليس بينهم أيّ مدني”.
وتم استهداف مسؤولين إيرانيين بارزين، ومن هؤلاء الجنرال رضي موسوي القيادي البارز في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في يناير بضربة قرب دمشق.
وتكثّفت الضربات في خضمّ الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، بينما يعدّ القصف الذي طال القنصلية الإيرانية الاثنين هو الخامس الذي يستهدف سوريا خلال ثمانية أيام.