سوريا تحشد قواتها على الحدود العراقية لمنع تسلل الميليشيات الولائية

دمشق – أرسلت سوريا ثلاثة آلاف جندي إلى حدودها مع العراق، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى ردع أي تسلل للميليشيات العراقية الموالية لإيران، وفقا لتقرير صحيفة "ذا ناشيونال" نقلاً عن مسؤولين أمنيين في دمشق.
وجاء هذا الانتشار بعد يوم واحد من اندلاع الحرب الجوية بين إسرائيل وإيران، وفي سياق تحولات جيوسياسية عميقة تشهدها المنطقة بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد وحل جيشه في ديسمبر الماضي.
وشهدت سوريا تحولا جذريا في المشهد السياسي والعسكري بعد سقوط نظام بشار الأسد، مع تولي حكومة شكلتها هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مسلحة مناهضة للأسد كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة.
وتعارض الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع الميليشيات الشيعية في العراق التي تُعزز النفوذ الإيراني، ومع ذلك، اتخذت بغداد ودمشق خطوات لتحسين علاقاتهما خلال الشهرين الماضيين، آخرها السبت مع إعادة العراق رسميا فتح معبر القائم الحدودي مع سوريا أمام حركة التجارة والمسافرين.
وهذا التوجه الجديد يشكل خلفية أساسية للانتشار العسكري السوري الأخير، حيث تسعى دمشق لتأكيد سيادتها والحد من أي تغلغل قد يهدد استقرارها.
وقال مسؤول سوري لصحيفة "ذا ناشيونال" إن وحدات المشاة والطائرات المسيرة بدأت بالوصول إلى الحدود من منطقة تدمر الوسطى منذ الاثنين، كما أُرسلت وحدات من مناطق وادي نهر الفرات.
وأكد المسؤول "نؤكد سيطرتنا على الحدود"، واصفًا المنطقة بأنها عرضة لعدم الاستقرار، مضيفا أن اشتباكًا قصيرًا وقع السبت مع قوات الحشد الشعبي العراقية المدعومة من إيران كان بمثابة "تذكير بمدى قرب إيران منا".
وعلى النقيض من التصريحات السورية، نفى مصدر عراقي أي احتمال لتحركات الميليشيات بين العراق وسوريا.
وقال المصدر العراقي "لم يُبدِ السوريون أي مخاوف من هذا القبيل ولم يُبلغونا بأي انتشار لقواتهم".
وأشار المصدر إلى أن تحرك القوات السورية نحو الحدود كان يهدف إلى الضغط على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مناطق واسعة على طول وادي الفرات.
وأكد المصدر العراقي وقوع اشتباكات السبت بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن السورية قرب معبر البوكمال الحدودي الذي فُتح مؤخرًا بين العراق وسوريا.
وأضاف "من الصعب على الميليشيات عبور الحدود السورية، سواء عبر المعابر الرسمية أو غير الرسمية"، مشيرًا إلى أن وجود الجيش السوري والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل من شأنه أن يردع أي محاولة من هذا القبيل.
كما ناقش المصدر التعاون الأمني بين العراق وسوريا، خاصة على الحدود، مؤكدًا "لقد توصلنا إلى عدة اتفاقيات ونتعاون مع الجانب السوري، لا سيما في مجال ضبط الحدود والأمن".
ولعبت سوريا دورا في الصراع الإيراني-الإسرائيلي الأخير. ووفقا لمصادر إقليمية، أطلقت القوات الأميركية، المتمركزة بشكل رئيسي في شرق سوريا في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، النار على طائرات إيرانية مسيرة كانت تستهدف إسرائيل من المجال الجوي السوري.
وتقع معظم القواعد الأميركية في سوريا في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، على بُعد أقل من 60 كيلومترًا من الحدود مع العراق. ومع ذلك، فإن معظم الحدود تحت سيطرة دمشق.
وشنت ميليشيات عراقية هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ضد القوات الأميركية المتمركزة في سوريا خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عامًا.
وبعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران الجمعة، أعلنت كتائب حزب الله، إحدى أقوى الميليشيات العراقية، أن قواتهم لن تتدخل إلا إذا تدخلت القوات الأمريكية المتمركزة في العراق لصالح إسرائيل. ومع ذلك، أعلنت إحدى الميليشيات الاثنين أنها ستهاجم إسرائيل و"كل من يدعمها" في العراق والمنطقة.
وسوريا هي إحدى الدول القليلة في الشرق الأوسط التي لم تدن الهجوم الإسرائيلي.
وقال مسؤولون أميركيون إن تعزيز مكانة دمشق كحصن منيع ضد إيران، واحتمال التزامها باتفاقيات إبراهيم، كانا السببين الرئيسيين وراء بدء الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع دمشق الشهر الماضي.
وأشار المصدر العراقي إلى أنه منذ سقوط نظام الأسد، لم يعد من السهل على الميليشيات عبور الحدود إلى سوريا، لأنها ستواجه قوات محلية معادية، بالإضافة إلى القوة الجوية الأميركية والإسرائيلية.
وكانت الميليشيات العراقية عنصرًا أساسيًا في الدعم الإيراني لنظام الأسد بين عامي 2011 و2024، لكنها انسحبت عندما غزت قوات هيئة تحرير الشام دمشق في ديسمبر.
في إشارة إلى "تفاهمات وتعاون أمني جديد مع الجانب السوري"، قال المسؤول العراقي "لم يعد للميليشيات موطئ قدم في سوريا، ولا نعتقد أنهم يفكرون في الأمر الآن".