سوريا تحاول كسر جمود سنوات بتدابير لإنعاش اقتصادها العليل

عكست محاولات سوريا المستميتة وإجراءاتها المالية اليائسة مدى تخبط المسؤولين في مواجهة الأزمة الاقتصادية المزمنة، في ظل انغلاق كافة نوافذ التمويل بسبب الحظر الأميركي الخانق وأيضا تأثيرات ما يحصل في العالم جراء حرب أوكرانيا.
دمشق - تسعى الحكومة السورية لكسر جمود سنوات لإنقاذ الاقتصاد المنهار بحزمة إجراءات نادرة اتخذتها مؤخرا يقول خبراء إنها لن تجني منها الكثير بسبب طبيعة الوضع الداخلي المعقد، وقتامة آفاق النمو العالمي.
وترمي التدابير التي تم اتخاذها أثناء اجتماع خاص للجنة الاقتصادية ترأّسه الرئيس بشار الأسد منذ عشرة أيام إلى تعزيز أولوية قطاعات الإنتاج ومنحها ما يمكن من عوامل الدفع والتحفيز من أجل العودة إلى النشاط.
ويقول المسؤولون إن الإجراءات الجديدة هدفها الأساسي هو الحد من ارتفاع سعر الصرف وأسعار الغذاء والطاقة، وتسهيل التصدير والاستيراد، إضافة إلى تبسيط الإجراءات المالية والمصرفية.
ولم يخف وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد الخليل تأثير التضخم والوضع الدولي على الاقتصاد السوري، الذي يبدو أنه دخل مرحلة أكثر إحراجا.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن الخليل قوله إن “القرارات الجديدة تهدف إلى تنشيط الحياة الاقتصادية ودعم القطاع الإنتاجي الصناعي، ومنح مزيد من المرونة لتمويل توريدات بعض القطاعات الإنتاجية”.
وأكد أن الأولوية في التمويل للمواد الأولية المستخدمة بالصناعات الدوائية والغذائية حيث سمح لقطاعات معينة بإدخال مؤقت لمستلزمات الإنتاج بقصد إعادة التصدير، إضافة إلى السماح للمنشآت الصناعية بنقل آلات وخطوط الإنتاج بقصد الإصلاح أو وضعها بمكان آخر.
وأضاف أن “واقع الاقتصاد السوري ليس بمنأى عن المشاكل العالمية التي خلقت موجة تضخمية إضافية تفاقمت مع فرض العقوبات الغربية على روسيا”.
وسعى الخليل لتبرير قدرة بلاده على مواجهة الصعوبات بقوله إنها “استطاعت رغم كل الظروف أن تحافظ على نسبة استقرار في سعر الصرف رغم ارتفاعه قياساً إلى باقي الدول المجاورة”.
ولكن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، إذ أن تدهور القدرة المعيشية للسكان في مناطق سيطرة نظام الأسد وشح الأموال في السوق أديا إلى سقوط حر للعملة المحلية.
وكدليل على ذلك قيام السلطات النقدية الخميس بخفض جديد في قيمة الليرة، هو الرابع في غضون عام واحد، ما يؤكد اختناق الاقتصاد السوري بشكل أكبر مما تسوق له الحكومة.
ويقول محللون إن ذلك يعكس تضاؤل هوامش تحرك المسؤولين لمواجهة الأزمة المالية التي يحاولون إخفاءها خلف يافطة الإصلاح.
وتأتي الخطوة في ظل أزمة لبنان المالية حيث جمد قطاعها المصرفي الودائع، وانقطاع الدعم من إيران الغارقة في مشاكلها الخانقة، الأمر الذي هوى بالليرة في السوق السوداء إلى مستويات غير مسبوقة.
وأعلن البنك المركزي الخميس خفض سعر الصرف للمرة الثانية هذا العام، في محاولة لسد الفجوة مع السوق الموازية التي يبلغ فيها سعر الدولار نحو 6900 ليرة.
وقال في بيان إنه “قرر خفض سعر الصرف الرسمي إلى 6650 ليرة للدولار الواحد من 4522 ليرة سابقا”، أي بنسبة 47 في المئة.
ومطلع 2022 خفض المركزي سعر صرف الليرة إلى 4522 للدولار الواحد، نزولا من السعر الرسمي السابق البالغ 3015 ليرة.
وبدأت الحكومة مطلع العام الماضي على وقع تغييرات في السياسات النقدية، والتي تؤكد بوضوح مدى عمق الأزمات المزمنة التي تعتري الاقتصاد في ظل الضغوط المالية الشديدة.
وكان المركزي قد خفض سعر الليرة في سبتمبر الماضي لتصل إلى 3015 ليرة للدولار، في حين بلغ السعر في السوق السوداء آنذاك نحو 4440 ليرة.
وفي أبريل الماضي خفض البنك سعر العملة المحلية إلى 2814 ليرة للدولار ليقترب من السعر في السوق السوداء الذي بلغ حينها 3900 للدولار. وكان السعر الرسمي قبل تلك الخطوة عند نحو 2500 ليرة لكل دولار.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، تراجعت وفرة النقد الأجنبي داخل الأسواق السورية، في وقت أصبح المتعاملون والمواطنون يفضلون الدولار على العملة المحلية لحماية مدخراتهم من تراجع أسعار الصرف.
وسعر الصرف الرسمي يستخدم في حركة التجارة الخارجية المتعلقة بتخليص الصادرات والواردات، ما يعني أن البلاد تتجه إلى مرحلة تضخم خلال الأشهر المقبلة.
ويؤكد محللو أسواق المال استنادا على تحرك قيمة العملة منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد حكم الأسد في 2011، أن الليرة فقدت أكثر 34 ضعفا من قيمتها أمام العملة الأميركية، بعد أن كان سعر الدولار بمتوسط خمسين ليرة.
◙ 6650 ليرة السعر الجديد للدولار قياسا بنحو 4522 ليرة ليقترب من سعر السوق السوداء
وتعاني سوريا أزمة اقتصادية نجمت عن الصراع المستمر منذ سنوات وعقوبات غربية وأزمة عملة ترجع في جانب منها إلى انهيار مالي في لبنان إلى جانب فقدان الحكومة السيطرة على المناطق المنتجة للنفط في الشمال الشرقي.
ورفع انهيارُ الليرة الناجم عن هذه العوامل أسعار السلع وزاد المصاعب ليجد السوريون صعوبة في شراء الطعام ودفع فواتير الكهرباء وغيرها من الأساسيات الأخرى.
وبات الوقود شحيحا للغاية، مما أجبر الحكومة على تقنين استهلاك الكهرباء بل وإغلاق المباني العامة وتوقف وسائل النقل العمومي لفترة.
وأصبح الاقتصاد السوري، الذي أصابه الشلل بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، معتمدا على الدولار بشكل متزايد، إذ يحاول السكان حماية أنفسهم من انخفاض قيمة العملة والتضخم.
وتعاني كافة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل المعارضة في مناطق شمال وشرق سوريا من ارتفاع كبير في الأسعار وسط تدني دخل المواطنين واعتماد غالبيتهم على التحويلات الخارجية من ذويهم .
وتوقف المركزي منذ أغسطس 2020 عن إصدار النشرة الشهرية حول التضخم، لكن مكتب الإحصاء الحكومي قال في 2021 إنها بلغت أكثر من 163 في المئة بنهاية العام الذي تفشى فيه الوباء، لكن خبراء يشككون في الرقم ويقولون إنه أعلى من ذلك بكثير.