سوريا تحاول تخفيف أزماتها بخفض أكبر في قيمة الليرة

دمشق - اضطرت الحكومة السورية إلى القيام بخفض أكبر في قيمة العملة المحلية هو الثاني خلال هذا العام في تحرك يقول خبراء إنه يؤكد مدى تضاؤل هوامش تحرك دمشق لمواجهة الأزمة المالية التي يحاول المسؤولون إخفاءها خلف يافطة الإصلاح.
واعتبر كثير من المحللين أن خطوة السلطات النقدية السورية تهدف للانسجام مع الوضع الاقتصادي السيء للبلد، لكن لن يكون لها أثر كبير حتى تسهم في إيقاف ارتفاع التضخم أو تحريك عجلة الأنشطة التجارية والاستثمارية المحلية.
وأعلن البنك المركزي الاثنين خفض سعر صرف الليرة، في محاولة على ما يبدو لسد الفجوة العميقة مع سعره في السوق الموازية.
وقال المركزي في بيان إنه “خفض سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار”، في حين بلغ السعر في السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية نحو 4440 ليرة.
وفي أبريل الماضي خفض البنك سعر صرف الليرة إلى 2814 ليرة للدولار ليقترب من السعر في السوق السوداء الذي بلغ حينها 3900 للدولار. وكان السعر الرسمي قبل تلك الخطوة عند نحو 2500 ليرة لكل دولار.
3015
ليرة سعر صرف الدولار بعدما كان 2814 بينما سعر السوق السوداء يبلغ 4440 ليرة
وبالخفض الجديد الذي أقدم عليه المركزي تكون العملة السورية قد فقدت نحو سبعة في المئة من قيمتها.
وتلجأ الدول عادة إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها لإعادة التوازن إلى موازينها التجارية التي تعرف عجزا بنيويا أو على الأقل للتخفيف من تلك الفجوة، لكن في الحالة السورية يسود اعتقاد على نطاق واسع أن تحركات السلطة النقدية قد تأتي بنتائج عكسية.
وأصبح الاقتصاد السوري، الذي أصابه الشلل بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، معتمدا على الدولار بشكل متزايد إذ يحاول السكان حماية أنفسهم من انخفاض قيمة العملة والتضخم.
وتسود حالة من التشاؤم بين السوريين من السقوط في حفرة أزمات أعمق حيث يدفع انحدار قيمة الليرة أسعار جميع السلع في الأسواق إلى الارتفاع بشكل أكبر.
وتعاني كافة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وقوات قسد وفصائل المعارضة في مناطق شمال وشرق سوريا من ارتفاع كبير في الأسعار وسط تدني دخل المواطنين واعتماد غالبيتهم على التحويلات الخارجية من ذويهم.
وأدى انهيار العملة السورية إلى ارتفاع أسعار السلع، وفاقم المصاعب بينما يواجه السوريون صعوبة في شراء الطعام والكهرباء وأساسيات أخرى.
وتعرضت الليرة لضغوط متزايدة في فبراير الماضي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا إذ يرتبط الاقتصاد السوري بعلاقات وثيقة مع موسكو الداعم الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد.
ووفق بيانات برنامج الأغذية العالمي فإن قرابة 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، قياسا بما تم تسجيله قبل الأزمة الصحية حين أشارت التقديرات إلى أنهم بحدود 7.9 مليون شخص.
ويُستخدم سعر الصرف الرسمي في التعاملات الرسمية وفي المبادلات المحدودة نسبيا التي تنفذها الدولة ما يعني أن البلاد تتجه إلى مرحلة تضخم أكبر خلال الأشهر المقبلة.

برنامج الأغذية العالمي: قرابة 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي
وتوقف المركزي منذ أغسطس 2020 عن إصدار النشرة الشهرية حول معدلات أسعار الاستهلاك، لكن مكتب الإحصاء الحكومي قال العام الماضي إنها بلغت أكثر من 163 في المئة بنهاية العام الذي تفشى فيه الوباء، بيد أن الخبراء يشككون في دقة الرقم ويقولون إنه أعلى من ذلك بكثير.
وقال برنامج الأغذية العالمي إنه في مطلع العام الماضي كانت أسعار المواد الغذائية أعلى 33 مرة من متوسط خمس سنوات قبل الحرب.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، تراجعت وفرة النقد الأجنبي داخل الأسواق السورية، في وقت أصبح المتعاملون والمواطنون يفضلون الدولار على العملة المحلية، لحماية مدخراتهم من تراجع أسعار الصرف.
ويتزامن الانخفاض المتسارع للعملة المحلية مع تفاقم أزمة السيولة في لبنان المجاور، والذي شكل طيلة سنوات ممرا لدخول العملة الأجنبية إلى سوريا الخاضعة لعقوبات اقتصادية مشددة تحت قانون “قيصر” الأميركي.
ويبدو خلو المركزي من النقد الأجنبي والذهب عاملا مهما لبلوغ الاقتصاد المحلي هذه المرحلة الحرجة، إذ يُعتبر وجودها من الركائز الأساسية التي من المفترض أن تستند عليها الليرة المنهارة.
وتتفق تقديرات كثيرة على أن خسائر الاقتصاد السوري زادت عن 300 مليار دولار منذ بدء الأزمة في 2011، عدا تبديد احتياطي نقدي كان يفوق 18 مليار دولار.
وفضلا عن ذلك كانت هناك 11 مليار دولار كديون مركبة لإيران والصين وروسيا، منها ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار بضمانات سيادية، ما يعني تقييد الاقتصاد السوري بشروط فاقت في شدتها شروط صندوق النقد والبنك الدوليين.
لكن نقابة عمال البنوك السورية قدرت في تقرير العام الماضي خسائر الاقتصاد منذ اندلاع الحرب بأكثر من نصف تريليون دولار وهو ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.