سوريا تحاول إنعاش صناعتها الغذائية المثقلة بالمشاكل

دمشق- تسعى الحكومة السورية إلى منح قطاع الصناعات الغذائية نفسا جديدا في سياق محاولاتها الشاقة لإعادة إحياء القطاع الذي أصابه الشلل بسبب ما خلفته سنوات الحرب من تحديات قد تحتاج إلى سنوات حتى يعود إلى ما كان عليه في السابق.
وفي محاولة لإنقاذ القطاع المحاصر بالأزمات، فتحت وزارة الصناعة هذا الأسبوع باب التسجيل للشركات للاستفادة من مشروع تنشيط القطاع، والمنفذ بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) وبتمويل روسي.
وأوضحت الوزارة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أن المشروع يهدف إلى بناء إستراتيجيات الأعمال ونظم الحوكمة والتنظيم الداخلي وتنفيذ أنظمة إدارة الجودة وسلامة الغذاء بشكل منهجي للوصول إلى مستوى الاعتمادية الدولية.
وأكدت أن المشروع سيسهم في تقييم جاهزية التصدير وتطوير إستراتيجياته ورفع كفاءة العمليات اللوجستية والتعبئة والتغليف وتطوير العلامة التجارية. ولم توضح حجم التمويلات التي سيتم تخصيصها.
90
في المئة من السوريين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يعيشون في حالة فقر
وكان وزير الصناعة السوري عبدالقادر جوخدار قد أبرم في مايو الماضي مع ممثل يونيدو إيمانويل كالنزي مذكرة تفاهم حول إطلاق مشروع تنشيط قطاع الصناعات الغذائية. ويضم المشروع صناعات من أبرزها الصناعات الزراعية، مثل الألبان والأجبان، إلى جانب صناعة القطن والنسيج وغيرها.
وقال جوخدار آنذاك إن الوزارة “ستتابع تنفيذ هذا المشروع في جميع خطواته، بما يحقق تطوير الإنتاج وتحسين الجودة وتعزيز تنافسية المنتجات السورية في الأسواق”. ويهدف المشروع إلى تنشيط قطاع الصناعات الغذائية الزراعية من خلال تعزيز قدرات المراكز الفنية الداعمة لهذه الصناعات.
وأوضح جوخدار أن المشروع يأتي كأول مشروع تنموي منذ عام 2011 حيث انحصرت المشاريع السابقة بالاستجابة الإنسانية لحاجات المواطنين الأساسية كالصحة والغذاء والتعليم والاستجابة الإنسانية.
ووفق البيانات الرسمية، فإن 23 شركة في القطاع العام وأكثر من 45 شركة خاصة تعمل في الصناعات الغذائية، وتوفر حوالي 7.6 في المئة من القوى العاملة النشيطة في البلاد.
وعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة مارس قطاع الصناعات الغذائية ضغوطا على الحكومة للحدّ من معاناته، وخاصة في ظل تقلب أسعار الصرف وارتفاع أسعار الوقود وتعقد مشكلات التصدير والتمويل، وتعتبر هذه المطالب قديمة لم تجد بعد طريقها إلى الحل.
ومن شأن خطوة كهذه أن تساعد في مواجهة تحديات الأمن الغذائي التي اتسعت منذ اندلاع الحرب في البلاد عام 2011 لتتفاقم مع الأزمة الصحية وتتوسع بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع 2022.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 90 في المئة من السوريين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يعيشون في حالة فقر. وتشير أيضا إلى أن أكثر من نصف السكان، أي حوالي 12 مليون شخص، يكافحون من أجل توفير الغذاء لأسرهم. وهذا الرقم مماثل بالنسبة إلى الجيب الشمالي الغربي، الذي مازالت المعارضة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر عليه.
وفي الأشهر الأخيرة قامت الحكومات العربية التي أيدت ذات يوم إزاحة نظام بشار الأسد، باستعادة العلاقات مع دمشق. وتم الترحيب بعودة دمشق إلى الجامعة العربية في مايو الماضي، بعد تعليق دام أكثر من عقد من الزمن بسبب قمعها للمتظاهرين.
وبينما كانت هناك بعض المحادثات المبكرة حول حل سياسي يمكن أن يؤدي إلى الاستثمار والمساعدات من دول الخليج الغنية بالنفط، فإن العقوبات التي يقودها الغرب تظل عقبة رئيسية في حالة نجاح أي صفقة.
ويعيش البلد على وقع أزمة اقتصادية ومالية خانقة بفعل الحرب والصدمات الخارجية، فيما فُقدت بعض المواد الأساسية من الأسواق مع انهيار العملة وارتفاع الأسعار، لتسهم أزمة شح الحبوب في تردي الأوضاع.
واستنجدت سوريا بمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) العام الماضي، لمساعدتها على مواجهة تحدي الأمن الغذائي الذي صار يضيّق الخناق على البلاد أكثر فأكثر جراء موجة الجفاف وقلة التمويلات وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي.
وتعمل المنظمة الأممية منذ سنوات على إعداد برامج تستهدف تحسين واقع الأمن الغذائي على مستوى الأسر السورية من خلال دعم صغار المزارعين المحليين لإنتاج المحاصيل وتنمية الثروة الحيوانية بمختلف أنواع الحزم الإنتاجية والدورات التدريبية.
كما تسعى إلى تعزيز الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة وتطبيق تقنيات الري الحديثة لضمان الاستخدام الأمثل للموارد. وعلاوة على ذلك تتطلع فاو بالشراكة مع دمشق إلى تعزيز سلاسل القيمة للمنتجات الزراعية الرئيسية على مستوى المحافظات.
ورغم محاولات دمشق لإنعاش القطاع المهم في توفير الغذاء والتنمية لسكان البلد المثقل بالأزمات الاقتصادية والمالية، فإن المشاكل لا تزال تثقل الدولة والمستثمرين وأصحاب الضيعات والبساتين.