سوريا تبدأ إعادة هيكلة اقتصادها المنهار بالتسريح والخصخصة

انتقادات لسرعة وتيرة التغيير وجدل بشأن شرعية إستراتيجية الحكومة المؤقتة.
السبت 2025/02/01
نريد رواتبنا

استقبل خبراء الإجراءات السريعة التي تتخذها السلطات الجديدة في سوريا لإصلاح الاقتصاد المتداعي بالتحفظ والانتقاد، رغم أنها تعطي انطباعا بأهمية إعادة انفتاح السوق بالتوازي مع الانضباط المالي ومكافحة الفساد، لبناء أسس قوية للتنمية الشاملة.

دمشق - تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إجراء إصلاحات جذرية للاقتصاد المنهك في البلاد، بما في ذلك خطط تسريح ثلث العاملين في القطاع العام، وخصخصة شركات مملوكة للدولة كانت مهيمنة خلال حكم عائلة الأسد الذي دام نصف قرن.

وأثارت وتيرة الحملة المعلنة للقضاء على إهدار المال والفساد احتجاجات من موظفي الحكومة، ومن أسبابها أيضا مخاوف من التسريح على أساس طائفي.

وتمت بالفعل أولى عمليات تسريح للعاملين بعد أسابيع فقط من إطاحة المعارضة ببشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي.

وأجرت وكالة رويترز مقابلات مع خمسة وزراء في الحكومة المؤقتة التي شكلتها جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية للوقوف على أهم الإصلاحات التي تنوي الحكومة القيام بها خلال المرحلة المقبلة من بناء الدولة الجديدة.

وتحدث جميع هؤلاء عن النطاق الواسع للخطط الرامية إلى تقليص عاملين بالقطاع العام مثل طرد عدد كبير من “الموظفين الأشباح”، وهم من كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل أو دون عمل على الإطلاق إبان حكم الأسد.

باسل عبدالحنان: نجري تحولا كبيرا نحو اقتصاد السوق الحرة التنافسي
باسل عبدالحنان: نجري تحولا كبيرا نحو اقتصاد السوق الحرة التنافسي

وفي عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ، كانت سوريا قائمة على أساس اقتصاد عسكري تقوده الدولة ويحابي دائرة داخلية من الحلفاء وأفراد العائلة، مع تمثيل أفراد الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد بشكل كبير في القطاع العام.

وقال وزير الاقتصاد الجديد، المهندس السابق في مجال الطاقة باسل عبدالحنان (40 عاما)، لرويترز إن هناك الآن تحولا كبيرا نحو “اقتصاد السوق الحرة التنافسي.”

وفي عهد الرئيس المؤقت أحمد الشرع ستعمل الحكومة على خصخصة الشركات الصناعية المملوكة للدولة والتي قال عبدالحنان إن “عددها 107 شركات معظمها خاسرة.”

ومع ذلك، تعهد بإبقاء أصول الطاقة والنقل “الإستراتيجية” مملوكة للدولة. ولم يذكر أسماء الشركات التي ستباع. وتشمل الصناعات الرئيسية في سوريا النفط والإسمنت والصلب.

وقال وزير المالية محمد أبازيد في مقابلة مع رويترز إن “بعض الشركات المملوكة للدولة يبدو أنها موجودة فقط لسرقة الموارد وسيتم إغلاقها.” وأضاف أنهم كانوا يتوقعون وجود فساد لكن ليس إلى هذا الحد.

وأوضح أبازيد (38 عاما) من مكتبه في دمشق أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون يتقاضون رواتب من الحكومة يأتون إلى العمل بالفعل، واستند في ذلك إلى مراجعة أولية.

وأشار إلى أن هذا يعني أن هناك 400 ألف “اسم شبح”، مؤكدا أن إزالة هذه الأسماء من شأنها توفير موارد كبيرة لخزينة الدولة الشحيحة أصلا.

وشدد على أن هدف الإصلاحات، التي تسعى أيضا إلى تبسيط النظام الضريبي مع العفو عن العقوبات، هو إزالة العقبات وتشجيع المستثمرين على العودة إلى السوق السورية.

وأردف أبازيد، الذي عمل سابقا خبيرا اقتصاديا في جامعة الشمال الخاصة قبل أن يشغل منصب مسؤول الخزانة في معقل المعارضة في إدلب عام 2023، أن الهدف هو أن تكون المصانع داخل البلاد بمثابة منصة إطلاق للصادرات العالمية.

محمد أبازيد: بعض الشركات المملوكة للدولة فاسدة وسيتم إغلاقها
محمد أبازيد: بعض الشركات المملوكة للدولة فاسدة وسيتم إغلاقها

وقبل اجتياح دمشق في الهجوم الخاطف الذي أطاح بالأسد، أدارت هيئة تحرير الشام إدلب كمنطقة منشقة تابعة للمعارضة منذ عام 2017 وجذبت الاستثمار وأنشطة القطاع الخاص مع تخفيف البيروقراطية وتحجيم الفصائل الدينية المتشددة.

وأكد عبدالحنان وأبازيد لرويترز أن الحكومة الجديدة تأمل في زيادة الاستثمار الأجنبي والمحلي على مستوى البلاد لخلق فرص عمل جديدة مع إعادة بناء سوريا بعد صراع دام 14 عاما.

لكن من أجل تكرار نموذج إدلب، يتعين على هيئة تحرير الشام التغلب على تحديات هائلة من بينها العقوبات الدولية التي تؤثر بشدة على التجارة الخارجية.

وقالت مها قطّاع، كبير أخصائيي المرونة والاستجابة للأزمات في المكتب الإقليمي في الدول العربية بمنظمة العمل الدولية، إن “الاقتصاد حاليا ليس في حالة تسمح له بتوفير ما يكفي من الوظائف في القطاع الخاص.”

وأضافت أن إعادة هيكلة القطاع العام “أمر منطقي”، لكنها تساءلت عما إذا كان ينبغي أن يكون ذلك على رأس أولويات الحكومة التي تحتاج أولا إلى إنعاش الاقتصاد. وتابعت “لست متأكدة مما إذا كان هذا قرارا حكيما حقا.”

وفي حين يقر بعض المنتقدين بضرورة تحرك الإدارة المؤقتة سريعا لإحكام قبضتها على البلاد، فإنهم يرون في المقابل أن وتيرة التغييرات المخطط لها مبالغ فيها.

وقال آرون لوند، وهو زميل في مركز سينشري إنترناشونال للأبحاث الذي يركز على منطقة الشرق الأوسط، “إنهم يتحدثون عن عملية انتقالية لكنهم يتخذون القرارات كما لو كانوا حكومة تم تنصيبها بشكل شرعي.”

وتعهد الشرع بإجراء انتخابات لكنه ذكر أن تنظيمها قد يستغرق أربع سنوات، ما يعني أن الإدارة الجديدة ستعيد تنظيم الاقتصاد وفق رؤية قد لا تكون مقبولة من قبل السوريين والشركات وعموما.

ويؤكد عبدالحنان أنه سيتم وضع السياسة الاقتصادية لإدارة تداعيات الإصلاحات السريعة في السوق لتجنب فوضى الركود والبطالة التي أعقبت “العلاج بالصدمة” الذي شهدته في التسعينات الدول الأوروبية السابقة بالاتحاد السوفييتي.

وقال إن “الهدف هو تحقيق التوازن بين نمو القطاع الخاص ودعم الفئات الأكثر احتياجا.”

وأعلنت الحكومة زيادة رواتب موظفي الدولة، التي تبلغ حاليا نحو 25 دولارا شهريا، بنسبة 400 في المئة اعتبارا من فبراير الحالي.

مها قطّاع: الوضع لا يسمح بتوفير وظائف كافية في القطاع الخاص
مها قطّاع: الوضع لا يسمح بتوفير وظائف كافية في القطاع الخاص

وتعمل أيضا على تخفيف وطأة تسريح العاملين عن طريق منحهم مكافأة نهاية الخدمة أو مطالبة بعضهم بالبقاء في المنزل إلى حين تقييم الاحتياجات.

وقال حسين الخطيب مدير المرافق الصحية بوزارة الصحة لرويترز إنه “سيتم صرف رواتب الموظفين الذين تم تعيينهم فقط لتلقي أجور لكي يبقوا في منازلهم ويدعوهم يعملوا.”

ومع ذلك هناك بالفعل شعور واضح بعدم الارتياح. وأظهر عاملون لرويترز قوائم متداولة في وزارتي العمل والتجارة اللتين قلصتا برامج توظيف العسكريين السابقين الذين قاتلوا مع الحكومة ضد المعارضة في عهد الأسد خلال الحرب الأهلية.

وأكد محمد، وهو واحد من هؤلاء العسكريين السابقين، أنه تم تسريحه من وظيفته كمدخل بيانات في وزارة العمل يوم 23 يناير ومنحه إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر. وذكر أن حوالي 80 عسكريا سابقا آخرين تلقوا الإشعار نفسه الذي اطلعت عليه رويترز.

وردا على أسئلة رويترز، أكدت وزارة العمل أنها منحت عددا من الموظفين إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر لتقييم وضعهم الوظيفي ومن ثم النظر في وضعهم بسبب عدم الكفاءة الإدارية والبطالة المقنعة.

وأثارت هذه الخطط احتجاجات في يناير بمدن، من بينها درعا في جنوب سوريا حيث اندلعت شرارة الثورة ضد الأسد في عام 2011، واللاذقية الساحلية.

وكانت هذه الاحتجاجات أمرا غير متصور في عهد الأسد الذي رد على المظاهرات ضده بحملة قمع أشعلت الحرب الأهلية.

وحمل موظفو مديرية الصحة في درعا لافتات تندد بما وصفوه بأنه فصل تعسفي وظالم خلال مظاهرة شارك فيها نحو 24 شخصا.

وقال أدهم أبوالعلايا، الذي شارك في المظاهرة، إنه يخشى فقدان وظيفته الذي عُين فيها عام 2016 لإدارة سجلات المديرية وتسوية فواتير المرافق.

ولكنه عبر عن تأييده للقضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح، غير أنه نفى تقاضيه هو أو زملاؤه أجرا دون القيام بعمل.

وأردف قائلا إن راتبه يساعده على توفير الاحتياجات الأساسية، مثل الخبز والحليب وإعالة أسرته، موضحا أنه يعمل في وظيفة أخرى أيضا لسد احتياجات عائلته. وأضاف أن “البطالة ستزيد حال تنفيذ هذا القرار، وهو ما لا يستطيع المجتمع تحمله.”

11