سوريات حبيسات عالم الفتيات فيه بلا صوت

أكدت فتيات سوريات أن حريتهن تفلت من بين أيديهن، وصرحن في حديث إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان عن معاناتهن وخضوعهن للإدانة المجتمعية واللوم، بينما لا يتمتعن إلا بقليل من سلطة اتخاذ القرار في حياتهن.
دمشق - قالت المراهقة السورية أمل، من القامشلي في محافظة الحسكة “بينما كنت أكبر، كنت أشعر كما لو كان جناحاي يُقصان ببطء على غير إرادتي، وأن الحياة أصبحت سجنا لا مفر منه.. كان هناك عالم بأسره ينتظرني بالخارج، أصبحت فيه النساء زعيمات وعالمات ومهندسات، بينما أنا كنت حبيسة عالم مختلف. عالم تكون فيه الفتاة بلا صوت”.
وليست أمل الوحيدة، فكلماتها ترسم صورة قاتمة تشبه وضع عدد لا يحصى من الفتيات اللاتي يكبرن وسط سوريا. ومع اقتراب الصراع من عامه التاسع، يصعب فهم حجم الموت والدمار والتشرد، وينتشر العنف في كل ساحات المعارك والبيوت، وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ووفقا للبيانات التي جمعها صندوق الأمم المتحدة للسكان هذا العام، فالعنف القائم على النوع الاجتماعي متفش، فهو يحدث في كل مكان؛ المنازل والمدارس والأسواق والشوارع، وأصبح يحدد الطريقة التي ترى بها الفتيات الصغيرات مجتمعاتهن ويتفاعلن معها.
وتُظهر العديد من التحليلات الحديثة أن الفتيات يواجهن تحديات كبيرة على مدار حياتهن، وعلى سبيل المثال، تقول الفتيات إن الخوف من الاعتداء يدفع الأسر إلى التضييق على حرياتهن وعلى تطورهن.
فتيات يواجهن صعوبة في التعامل مع الذكور بسبب الخوف والشعور بالذنب المغروس فيهن من قبل أسرهن ومجتمعاتهن
وقالت داليا من إدلب “بعد اندلاع الحرب، كنا نظن أنه يتعين علينا القلق بشأن الطائرات المقاتلة والرصاص، لكننا بدلا من ذلك وجدنا أنفسنا نقلق بشأن التحرش والخطف والاغتصاب. لم نعد نغادر منازلنا. وبعض الفتيات لا يمكنهن الذهاب حتى إلى المدرسة، لأن أسرهن لن تسمح لهن بذلك”.
تتذكر ندى، 14 سنة، قائلة “بدأ الأمر بنساء عائلتي وأسئلتهن؛ أين أذهب ومع من أتحدث؟ وطلبن مني ألا ألعب مع أصدقائي بالخارج. ثم بدأت أشعر بمراقبة الغرباء لي وأنا أسير إلى المدرسة أو وأنا جالسة بالخارج مع صديقاتي. وإذا تحدث معي فتى، أرى الناس ينظرون إلي بعدوانية، كما لو أنني ارتكبت خطأ ما”.
الفتيات اللواتي يجازفن بالخروج غالبا ما يتعرضن للشك والاستجواب العدواني.
وأخبرت فتيات صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن غرباء قد فاتحوهن في أمور شخصية مثل الدورة الشهرية والنشاط الجنسي.
وتقول لوما، من دمشق “الأولاد لديهم كل الحرية في العالم، لكننا نحن الفتيات مطلوب منا الالتزام بالكثير من القواعد.. إنهم يعاملوننا مثل المجرمين، وليس مثل الأشخاص العاديين”.
وأوضح أحد المتطوعين في مركز الشباب الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان في مخيم دوميز1 في العراق “إن العديد من الفتيات المراهقات اللاتي نستقبلهن في برامجنا يواجهن صعوبة في التعامل مع نظرائهن الذكور، وذلك بسبب الخوف والشعور بالذنب المغروس فيهن من قبل أسرهن ومجتمعاتهن”. وأضاف قائلا “إن اختراق هذا الحاجز هو أحد أصعب التحديات التي نواجهها”.
وبينت المعلومات التي جمعها الصندوق في عام 2019 أن العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يزال متفشيا في حياة النساء والفتيات السوريات.
وقال الصندوق إنه يُنظر إلى زواج الأطفال على أنه وسيلة لتأمين الرعاية للبنات، اللاتي كثيرا ما يُنظر إليهن على أنهن عبء اقتصادي. ومن هنا تنشأ هذه الممارسة التي تؤدي إلى ظهور واستمرار عدم المساواة بين الجنسين.
ورغم وجود زواج الأطفال قبل بدء الصراع، فإن تقييمات الصندوق تبين أن الخوف من العنف والضغوط المالية يدفعان المزيد من الأسر نحو هذه الممارسة، وتعتقد الكثير من الفتيات أن زواج الأطفال أمر لا مفر منه، بغض النظر عن رغباتهن أو طموحاتهن.
وتعتبر هذه الممارسة انتهاكا لحقوق الإنسان والمعروف أنها تسبب سلسلة من الأضرار الإضافية.
فمن المرجح أن تترك الفتيات الدراسة بعد زواجهن مما يقلل من آفاق مستقبلهن، كما أنهن يكن أكثر عرضة لـ”حمل المراهقات” الذي يُعرض صحتهن وحياتهن للخطر، كما أن العروس الطفلة أكثر عرضة للعنف المنزلي، وأقل قدرة على الدفاع عن احتياجاتها.
وأشار الصندوق إلى أن عددا لا يحصى من مديري الحالات في جميع أنحاء المنطقة أفادوا بأنهم التقوا فتيات سوريات قد أصبحن بعد زيجات انتهاكية أمهات وهن طفلات.
ويرى الخبراء أيضا أن “الزيجات المتكررة”، هي شكل من أشكال الاستغلال حيث تتزوج فيه الفتاة لفترة وجيزة من شخص لتبرير المتاجرة بالجنس.
وأوضحت غيدة، وهي متطوعة في مركز للنساء والفتيات في العراق يعالج الناجيات من الاستغلال الجنسي “ربما تكون هذه أصعب الحالات التي يجب تتبعها ومعالجتها، لأن مثل هذه الممارسات تتم في تكتم”.
وأضافت “لقد أصبحت هذه الظاهرة متكررة للعديد من الفتيات في المجتمعات الفقيرة.. إنهن إما يُجبرن على الدخول في سلسلة من الزيجات قصيرة الأجل، أو ما هو أسوأ من ذلك، يشاركن على غير رغبتهن في ممارسة الجنس الذي تدعمه الأسرة من أجل لقمة العيش”.
وغالبا ما تكون زيجات الأطفال أمرا سريا، إلا أن مقدمات الخدمات هن من يشهدن الخسائر.
وقالت عميرة سلام، قابلة من قرداحة، لصندوق الأمم المتحدة للسكان “عندما تقوم بما أقوم به، ترى كل شيء، ويكون من الصعب على الأسر أن تكذب. أنت تعرف متى تم إجبار فتاة على الزواج وعلى مشاركة سريرها وعلى الولادة ضد إرادتها. لقد رأيت العديد من الفتيات المستعبدات على هذا النحو، حيث تحمل الواحدة منهن وليدها وهي في الـ13 من عمرها”.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إنه يعمل مع الشركاء المحليين لحماية وتمكين النساء والفتيات المتضررات من الأزمة. ففي الفترة بين يناير 2019، وسبتمبر 2019، وصل بخدماته للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له إلى أكثر من 880 ألف حالة من النساء والفتيات السوريات في جميع أنحاء المنطقة، بمن فيهن اللاجئات في البلدان المجاورة.