سوريات بلا سند في "مخيم الأرامل" الآمن بلبنان

جميع لاجئات المخيّم يحتجن إلى الدعم المالي والنفسي لذلك يطلبن المساعدة لهن وللأطفال الأيتام في مخيم بلا رجال.
الثلاثاء 2020/12/15
قدم الشتاء ونحن بلا دعم

تعاني اللاجئات في أنحاء العالم، وخصوصا اللاجئات السوريات منهن في لبنان، من انتهاكات لحقوقهن وسوء معاملة، إضافة إلى ما يتعرضن له من محاولات للتحرش والابتزاز، خاصة بعد وفاة أزواجهن أو اختفائهم، فتصبح مهمتهن صعبة في تربية أطفالهن، ولئن حظي بعضهن باللجوء إلى “مخيم الأرامل” الذي يوفر لهن الأمان، فإنه لا يضمن لهن متطلبات الحياة أمام ارتفاع الأسعار وقدوم الشتاء القارس.

بيروت ـ بين الكرفانات (مأوى مسبق الصنع)، فتيات لاجئات يلعبن تحت أشعة الشمس الدافئة، في أحد المخيمات الذي تم إنشاؤه بدعم من جمعيات كويتية في سهل البقاع شرقي لبنان.

ربما تكون هذه هي آخر أيام الدفء التي يتسنى فيها للاجئات في “مخيّم الأرامل” ممارسة حياتهن القاسية، قبل اشتداد البرد وهطول المطر.

هذا المخيّم لجأت إليه سوريات مع أطفالهن، هربا من الحرب والدمار في بلدهن منذ عام 2011، وبحثا عن مكانٍ آمن.

ويختلف المخيم عن بقية المخيمات في لبنان، فهو مخصص للنساء الأرامل وأطفالهن فقط، طلبا للأمان والعيش المستقرّ، لأن المرأة الوحيدة عرضة للمضايقات والتحرّش الجنسي، ولا تجد من يحميها كما أكدت النساء هناك.

على مساحة 1200 متر مربع مؤجّرة من مالكيها، تتوزع حوالي ثلاثين “كرفانة”، أصبحت مأوى لأكثر من مائتين من النسوة وأطفالهن.

يعيش في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري مسجلين لدى المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيما تقدّر الحكومة عددهم الفعلي بـ1.5 مليون لاجئ.

وبحسب مفوضية شؤون اللاجئين، فإن امرأة من بين كل أربع نساء من سوريا صارت تقوم بمهمة رعاية أطفالها بعد موت زوجها أو اختفائه. وبينما ينجح بعضهن في ذلك، تعاني أغلبية النساء من الاعتداءات الجنسية والاستغلال والاكتئاب بسبب نقص الدعم.

امرأة من بين كل أربع نساء من سوريا صارت تقوم بمهمة رعاية أطفالها
امرأة من بين كل أربع نساء من سوريا صارت تقوم بمهمة رعاية أطفالها

ورغم اعتراف معظم السيدات بتوافر الأمان داخل المخيم، فلقد تكفل أهل البقاع بتوفير الحراسة للمخيم ليلا ونهارا، إلّا أنهن يشتكين من صعوبة العيش والتكاليف المادية المرتفعة.

تصرح إحدى اللاجئات في المخيم، وهي نصرة السويدان الملقّبة بـ”الشاويش”، لأنها المسؤولة عن المخيم، قالت “أشعر بالأمان والاستقرار في هذا المخيّم، حيث لا يدخل أيّ من رجال إلى هنا”.

وبالرغم من أن نصرة أمضت هي وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات في منزل أحد أقاربها بمدينة طرابلس شمالي لبنان، لكنهما لم يجدا الراحة والسكينة هناك، ولذلك عندما سمعت بمخيم الأرامل شدّت الرحال إليه فورا، لتجد هناك شيئا من العزاء والارتياح مع سيدات عانين مثلها نفس الظروف.

ومع اقتراب فصل الشتاء وبدء موسم الأمطار، تتكرر معاناة النساء في هذا المخيم، حيث لا تصمد بيوتهن التي هي عبارة عن خيام ومقطورات أمام الأمطار التي تتسلل إليهن من الأسقف، فضلا عن أجواء الشتاء القارس وموجات برد الجليد.

وإلى جانب معاناتهن خلال فصل الشتاء، تعجز نساء المخيم عن دفع فواتير الكهرباء والماء بالإضافة إلى الإيجار السنوي وارتفاع تكاليف المعيشة.

وتشتكي نصرة، التي خرجت من مدينة حمص هربا بعدما فقدت زوجها خلال هجوم صاروخي، من ارتفاع تكاليف العيش، بعدما توقّفت إحدى الجمعيات التي كانت تتولى دعم نساء المخيم عن دفع التكاليف.

وتابعت، “وضعنا تعبان (صعب).. لأنّ المخيم كان يتلقى دعما من جمعية تدفع تكاليف إيجار الأرض والتدفئة والخبز ومتطلبات (أخرى)، وعندما توقفت الجمعية عن دعمنا، أصبحنا ندفع الإيجار والكهرباء والماء والأكل والتدريس”.

ويشهد لبنان ارتفاعا كبيرا في أسعار المنتجات والاحتياجات الأولية، وتتحدثّ الدولة عن إمكانية رفع الدعم عن بعض السلع، ما يعني المزيد من زيادة الأسعار.

تعجز نساء المخيم عن دفع فواتير الكهرباء والماء
تعجز نساء المخيم عن دفع فواتير الكهرباء والماء

ويعاني لبنان، منذ أشهر، من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وتهاوي سعر صرف الليرة إلى 8 آلاف مقارنة بدولار أميركي واحد في السوق غير الرسمية، مقابل 1507.5 ليرة لدى مصرف لبنان المركزي.

اللاجئة أم علي ولديها 8 أولاد، تشتكي من برد الليل. ورغم امتلاكها لمدفئة تعمل بالوقود، إلّا أنّها لم تستخدمها أكثر من مرتين خلال العام؛ بسبب عدم قدرتها على شراء “المازوت”.

قالت أم علي، “نضع كل طفلين معا (على فراش واحد) في الليل كي يقوموا بتدفئة بعضهما البعض، حتى الفراش أصبح رقيقا جدا ولا نشعر بالدفء أو الراحة فيه”.

وتتسم منطقة البقاع بانخفاض درجة الحرارة في الليل بشكل كبير نسبيا، مقابل ارتفاعها في النهار.

وشددت أم علي على أن “جميع لاجئات المخيّم يحتجن الدعم المالي والاقتصادي والغذائي والنفسي”.

وأردفت، “بسبب وضع بلدنا أتينا إلى هنا، ولا نملك سوى رحمة الله”.

ودعت أم علي جميع الجهات إلى تقديم المساعدة للأرامل في المخيّم والأطفال الأيتام.

من جهتها، قالت لينا إحدى أرامل المخيم، ويعيش معها ثلاثة أطفال، إن الوضع الاقتصادي ليس بالسهل، متابعة، “ليس لدينا مازوت للتدفئة، ولا يمكننا شراؤه؛ لأنّنا لم نتمكن من إيجاد أيّ فرصة للعمل”.

وأردفت لينا، التي توفي زوجها وابنتها في الحرب، “ما نأخذه من مساعدات من الأمم المتحدة لا يكفينا، وقد توقفت الأمم المتحدة عن دعمنا منذ أكثر 6 أشهر”.

وشددت على أن سكان المخيّم بأشد الحاجة إلى الوقود من أجل التدفئة، حتّى أنّها تراه أولوية قبل الطعام والشراب، كما تشتكي من كلفة إيجار أرض “مخيم الأرامل”، التي كانت تدفعها الجمعيّة.

وتبلغ قيمة إيجار أرض المخيم السنوي مليون ومائتي ألف ليرة لبنانية، أي 800 دولار وفق سعر صرف مصرف لبنان المركزي.

وبحسب لاجئات في المخيم، فإن الجمعية، التي كانت تقدم المساعدات، توقفت عن هذا الدعم منذ بداية العام الحالي، لذلك أصبح حلم العودة إلى الوطن يراود هؤلاء اللاجئات اللاتي وجدن الأمان في مخيم الأرامل، وهن في انتظار استقرار الأوضاع نهائيا هناك، فلا شيء أغلى من الوطن، كما يقلن.

حلم العودة إلى الوطن أصبح يراود هؤلاء اللاجئات
حلم العودة إلى الوطن أصبح يراود هؤلاء اللاجئات

 

20