سوروس يفجر المخاوف من سيطرة الصين على التكنولوجيا

أشعل الملياردير جورج سوروس الجدل المحتدم أصلا بشأن مخاطر سيطرة الصين على التكنولوجيا، في وقت تتسع فيه قائمة الدول والشركات المقاطعة للتكنولوجيا الصينية في استجابة لضغوط كبيرة من واشنطن التي تحذر من إمكانية احتوائها على ثغرات تسمح لبكين بالتجسس على دول العالم.
دافوس (سويسرا) – فوجئ العالم أمس بالعبارات غير المسبوقة التي استخدمها الملياردير جورج سوروس في التحذير من خطورة سيطرة الصين على أعلى حلقات التكنولوجيا، ووصلت إلى حد وصف الرئيس شي جين بينغ بأنه “أخطر عدو” للمجتمعات الحرة والديمقراطية.
وقال المستثمر الأميركي من أصل مجري خلال العشاء الذي ينظم كل سنة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إن “الصين ليست النظام المستبد الوحيد في العالم، لكنها بلا شك الأغنى والأقوى والأكثر تطورا في مجال الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف أن ذلك “يجعل شي جين بينغ أخطر عدو للذين يؤمنون بالمجتمعات الحرة”. وسرعان ما وزعت الطواقم العاملة لدى سوروس خطابه باللغة الصينية وبالبريد الإلكتروني، ما يشير إلى أنه أعد لإحداث أوسع تأثير لتلك التصريحات.
ودعا الولايات المتحدة إلى التحرك ضد مجموعتي هواوي وزد.تي.إي الصينيتين، رغم أن واشنطن تقود بالفعل حملة عالمية لمقاطعة استخدام معدات المجموعتين والتي أدت إلى حظر استخدامها من قبل عدد كبير من حلفاء الولايات المتحدة.
وأكد سوروس أن الشركات الصينية “إذا تمكنت من السيطرة على أسواق الجيل الخامس فسوف تشكل خطرا غير مقبول على أمن العالم”. لكنه قال إنه يعلق على الشعب الصيني “آمالا كبيرة”.
وتمثل ثورة اتصالات الجيل الخامس محورا أساسيا لمعظم تحولات الثورة الصناعية الرابعة مثل تطوير السيارات ذاتية القيادة واستخدامات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية.
وقال سوروس إنه كان يعتقد في العام الماضي بضرورة “تعزيز استيعاب الصين في مؤسسات الحوكمة العالمية” لكنه أضاف أن سلوك الرئيس الصيني منذ ذلك الحين، دفعه إلى تغيير ذلك الرأي.
وأضاف سوروس الذي يعادي بشدة سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن الإدارة الأميركية اعترفت بالتأكيد بأن الصين “خصم استراتيجي” لكنه اعتبر أن تلك الفكرة “تبسيطية” ولا ترقى إلى مستوى خطورة الصين.
وأكد أن أي رد سياسي فعال على الصين يجب أن يكون “أكثر تطورا وتفصيلا وبراغماتية” ويجب أن يتصدى لبرنامج بكين الطموح للاستثمار في الخارج “طرق الحرير الجديدة”.
وحذر سوروس، الذي يموّل الكثير من المشاريع المؤيدة للديمقراطية، من نظام الائتمان الاجتماعي في الصين، الذي يجمع قدرا كبيرا من البيانات عن المواطنين لأنه “سيُخضع مصير الفرد لمصالح دولة الحزب الواحد”.
وسرعان ما استهجنت وزارة الخارجية الصينية تصريحات الملياردير الأميركي قائلة إنها بلا معنى “ولا تستحق التفنيد”.
وكانت دول كثيرة بينها ألمانيا وبريطانيا واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا قد استجابت لضغوط واشنطن بمقاطعة معدات هواوي للجيل الخامس للاتصالات، رغم أنها في صدارة شركات قليلة تملك أعلى حلقات تلك التكنولوجيا.
وتواجه هواوي تدقيقا متزايدا بشأن علاقاتها بالحكومة الصينية وشكوكا في أن التكنولوجيا التي تستخدمها قد تكون بكين تستغلها لأعمال تجسس. لكن هواوي تنفي بشدة تلك الاتهامات.
وفي أحدث تلك التحركات أعلنت شركة فودافون، ثاني أكبر مشغل للهاتف المحمول في العالم، إيقاف استخدام معدات هواوي في شبكاتها الأساسية إلى حين توصل الحكومات الغربية لحل بشأن المخاوف ذات الصلة بأنشطة الشركة الصينية.
وقال الرئيس التنفيذي لفودافون نيك ريد أمس إن هواوي لاعب مهم في سوق المعدات التي تهيمن عليها ثلاث شركات، وأن فودافون كانت تستخدم معدات هواوي في شبكاتها الأساسية في جزء من إسبانيا وأسواق أخرى أصغر حجما.
وحاول إبقاء الباب مواربا بالقول إن فودافون تعمل مع الهيئات والحكومات المختلفة ومع هواوي لوضع نهاية للموقف، مؤكدا أنه يشعر أن “هواوي منفتحة فعلا بهذا الشأن وتعمل بجدية”.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تصنع نحو 90 بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم وبضمنها ثلاثة أرباع الهواتف الذكية. ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على الصين في تصنيع البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات.
وتواجه الدول الغربية خيارات صعبة وربما مستحيلة، لأن إيجاد بدائل تكنولوجية محلية أمر غير واقعي. أما الخيارات الأخرى فتتراوح بين حرمان نفسها من التكنولوجيا والاستثمار الصيني بحجة التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية.
ويقر العديد من الخبراء بعجزهم عن تقدير حجم المخاطر، التي تنطوي عليها هذه التبعية وهو ما يجعل صناع السياسة التقليديين أمام تحديات جديدة تختلف عن التحديات التي واجهتها دول العالم في الماضي.
ولا يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الغرب في أن التكنولوجيا الصينية أصبحت موجودة في كل مكان، بل في أن النفوذ الصيني يبتعد في الصدارة بسرعة فلكية لا يمكن اللحاق بها.