سوء تقدير مسؤوليات الأمومة يضاعف الضغوط على الأمهات العاملات

تعيش الأم العاملة حالة من الضغط بسبب تضاعف مسؤولياتها ما بين العمل والبيت والاهتمام بمشاغل الأبناء وحاجياتهم، وفي الدول العربية لا تلاقي الأم العاملة في أغلب الحالات معاملة خاصة من مشغلها سواء من ناحية توقيت العمل -ما عدا إجازات الأمومة ووقت الرضاعة- أو من ناحية تخفيف مهامها في العمل، وتضطر عدّة أمهات إلى التخلي عن وظائفهن من أجل التفرغ لتربية الأبناء وقد تختار بعضهن ذلك لكن أكثرهن يكابدن الضغط ويحتفظن بعملهن وفي الوقت نفسه يقمن بواجبات الأمومة والبيت.
لندن - تمتلئ ساعات اليوم بالمهام والمشاغل بالنسبة للأمهات العاملات أكثر من النساء العازبات أو المتزوجات دون أبناء وهو ما أكدته عدة دراسات وبحوث اجتماعية، وفي الكثير من الحالات تشعر الأمهات بحالة من الضغط النفسي والتوتر والإرهاق إلى درجة أنهن يخترن التخلي عن العمل. وفي الحالات الأخرى تباشر الأم العاملة عملها ولديها حمل آخر يشغل تفكيرها وتركيزها وهو الأبناء. وتعيش الأمهات حالات من عدم الرضى عن أنفسهن وعن أداء واجباتهن نحو الأبناء وتقر بعضهن بالذنب ويلمن أنفسهن على التقصير في حق الأبناء الذين يحتاجون إلى تواجدهن معهم ومرافقتهن لهم.
وقد كشفت عدة دراسات نفسية واجتماعية وجود الشعور بالذنب أو بالتقصير لدى فئة الأمهات العاملات، ففي تونس حيث دخلت المرأة جميع مجالات العمل وتحتفظ أغلب الأمهات بأعمالهن نظرا لغلاء المعيشة وصعوبة الأوضاع المادية في أغلب الأسر تدافع النساء عن قوانين تساند الأم العاملة وقد أطلقت العديد من الدعوات إلى الزيادة في إجازة الأمومة مع المحافظة على وضع المرأة في العمل ورتبتها.
ولكن هذه المطالب وإن لقيت الطريق للتشريع التونسي تظل مقتصرة على الفترة التي يكون فيها الطفل رضيعا وفي الأشهر الأولى، في حين أن حاجة الأبناء إلى وجود الأم تستمر طوال فترة الطفولة والمراهقة حيث تظل المرأة تعيش النسق نفسه من ضغط المسؤوليات وطموحات التوفيق بين العمل ووظائف الأمومة.
ووفقاً لأكبر استقصاء من نوعه في تحليل مقاييس التوتر المزمن لـ6025 مشتركة في بريطانيا، لم تؤثر ساعات العمل المرنة ولا العمل من المنزل في خفض مستويات الإجهاد لدى النساء. ويتعارض هذا مع التفكير الشائع الذي مفاده أن المرونة في العمل هي الحل للإجهاد الناجم عن العمل والأمومة معا، وقد عادت هذه المسألة إلى الظهور الآن تحت غطاء “التوازن بين العمل والحياة” الأسطوري بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
التوتر المزمن الذي تعاني منه الأمهات العاملات هو نتيجة عدم المساواة، وعدم إعطاء عمل الأمومة حق قدره
وخلصت نتائج الاستطلاع إلى أن العامل الوحيد الذي يمكن أن يخفف في نسبة توتر الأمهات العاملات هو تخفيض حدة عملهن، وهو خيار لا تستطيع معظم النساء التمتع به.
وتعيش الأمهات العاملات هذا الضغط بالفعل، وهن غير قادرات على تغيير أوضاعهن رغم جميع النصائح التي يتلقينها لتخفيف الضغط. وتجد الأم العاملة نفسها متوترة أكثر بنسبة 18 بالمئة مقارنة بالآخرين. وإذا كانت تعمل بدوام كامل ولديها طفلان، يرتفع هذا الرقم إلى 40 بالمئة. أما بالنسبة للأمهات العازبات، ستكون هذه النسبة أعلى من دون شك.
وبالرغم من أن العمل أقل من الآخرين هو الحل بحسب ما أثبتته البحوث حيث ثبت تأثيره الإيجابي في خفض نسب التوتر لدى الأم العاملة، إلا أن هذا الخيار لا تتمتع به معظم النساء ليس فقط في بريطانيا بل في غالبية دول العالم وعلى رأسها الدول العربية كون النظام المالي لا يوصي بذلك ولا يعتمد تخفيف مهام الأم العاملة في وظيفتها.
وتروي أم بريطانية عاملة في تقرير صحيفة الغارديان البريطانية تجربتها قائلة “أنا أم عاملة لطفلين دون سن الخامسة، وتتطلب تربية أحدهما احتياجات إضافية، ولم أتعرض لتوتر أكبر من هذا. أعمل بدوام جزئي من المنزل وأعتني بصغيري البالغ من العمر 19 شهرا، بدوام كامل وبمساعدة شريكي الذي يقوم بوظيفتين بساعات مرنة".
وتضيف “هذا هو اختياري حتى أكون حاضرة أكثر في حياة طفلي. أنا محظوظة لأنني قادرة على فعل ذلك، لكنني لا أزال أعاني من التوتر”. وتخلص الأم إلى أن “الرعاية الذاتية ترقى إلى حدة دفع حائط بينما أصرخ ‘سأنهي عملي قريبا!’ في وجه الحشد الصغير الباكي، المتجمّع خارج الباب”.
وغالبا ما تكون الإجابة البسيطة عن الحل لأكثر القضايا النسائية تعقيدا متمثلة في توفر المزيد من الخيارات. إن التوتر المزمن الذي تعاني منه الأمهات العاملات هو نتيجة لعدم المساواة الهيكلية، وهو مظهر من مظاهر عدم إعطاء عمل الأمومة حق قدره، وعدم دعمه. وينظر المجتمع البريطاني إلى رعاية الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وثلاث سنوات على أنه ضرورة أو امتياز. وقد تم استبعاد هذا الاختيار من واحدة من أهم التجارب في حياة المرأة، حيث ارتفع عدد الأمهات العاملات بأكثر من مليون على مدى عقدين في بريطانيا.
إن “عدم توفر خيارات لتخفيف نسبة توتر فئة كبيرة من المجتمع يعتبر فضيحة”، بحسب كاتبة التقرير شيترا راماسوامي. ولا تختلف وضعية الأم العربية العاملة عن الكثير من نظيراتها في بريطانيا أو غيرها من دول العالم بخصوص علاقة العمل بنسب التوتر لديها، وقد تكون وضعيتها أكثر سوءا من ناحية العمل وأيضا من ناحية الأعباء المنزلية ومهام الرعاية وتربية الأبناء التي تكدس غالبيتها على عاتقها كون أغلب الأزواج –وفي حال قبلوا أن تحتفظ زوجاتهم بوظائفهن بعد الإنجاب– لا يتقاسمون مع زوجاتهم مهام رعاية الأبناء والقيام بشؤون البيت وهذا ما تجمع عليه الدراسات الاجتماعية وإفادات الأمهات العاملات في الاستطلاعات والدراسات وحتى التقارير الإعلامية التي اهتمت بمواضيع تقاسم الأدوار بين الأزواج العاملين.