سوء الحوكمة والإدارة يفاقم مشاكل المياه في تونس

تونس - كشف نقص تزود بعض المناطق التونسية بالماء الصالح للشرب، بسبب مشاكل في التوزيع والاستغلال واختلال خارطة السدود، أن مشاكل المياه في البلاد لا تتعلق بظاهرة الجفاف، بل تشمل أيضا سوء الحوكمة والإدارة. ووفق أرقام رسمية لا تتحكم السياسات المائية للدولة التونسية إلا في ما قيمته 4.8 مليار متر مكعب من مواردها المائية في السنة.
وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش. وتصاعدت الدعوات المطالبة بتغيير السياسات المائية المتبعة في البلاد، بسبب ضعف نتائجها في ضمان حق مختلف المناطق في الماء الصالح للشرب.
ونظّم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الجمعة تظاهرة بمناسبة اليوم العالمي للمياه تمثلت في معرض صور بقاعة الأخبار في العاصمة توثق معاناة المواطنين في عدة جهات بسبب شح المياه. وتم عرض شهادات مصورة لمواطنين يروون قصص بحثهم اليومي عن المياه وطرق جلبها التي توصف بأكثر من بدائية ومعاناة أطفالهم في المدارس، وخاصة ما تتكبده النساء من شقاء في هذه المهمة.
وقالت منسقة قسم العدالة البيئية والمناخية في المنتدى إيناس الأبيض إن "مئتي ألف تونسي ليست لديهم موارد مائية كبقية المواطنين، وبعض المناطق ثلثا مدارسها بلا ماء،" معتبرة أن "العدالة في التربية والتعليم وفرص العمل انعدمت بغياب العدالة المائية."
وتتواصل التهديدات للمنظومة المائية خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تسببت في تفاقم ظاهرة الجفاف والاستعمالات غير المدروسة للماء، حيث سجلت سنة 2024 مستويات متدنية لتعبئة الموارد المائية ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود 35 في المئة رغم ارتفاع معدل التساقطات، وهو ما يرجع إلى تدهور المنشآت المائية التي تراجعت فاعليتها في استيعاب الإيرادات المائية وتخزينها.
وأفاد الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي بأن "عددا كبيرا من التونسيين يجدون صعوبات في الوصول إلى مياه الشرب، ومنظمة الأمم المتحدة تؤكد على عدم تجاوز مسافة الحصول على الماء ألف متر، في حين هناك من يقطع من التونسيين مسافة 7 كيلومترات للحصول على الماء." وأكد في تصريح لـ"العرب" أن "المشكلة متركزة في الأرياف بالأساس، وهناك 570 مدرسة غير مرتبطة بشبكة المياه التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد)، كما أن المرأة في الأرياف تتحمل وزر الشحّ المائي.”
وتابع حسين الرحيلي "هناك نسبة ضياع في شبكة المياه في حدود 25 في المئة (في قابس وقفصة الجنوبيتين تتجاوز 50 في المئة)،" لافتا إلى أن "بناء سدّ يرتبط أساسا بالأماكن الممطرة ونسبة التساقطات التي يجب ألاّ تقل عن 600 مليمتر في السنة." ودعا الرحيلي إلى "ضرورة التفكير في بناء الأحواض الكبيرة وبعض السدود الجوفية في مناطق الوسط."
وتنقسم الجغرافيا التونسية تقريبا إلى شمال ووسط وجنوب، حيث يشهد الشمال بحكم تأثره بمناخ البحر المتوسط في فترات الشتاء تساقطات شبه محمودة، في حين أن الوسط وخاصة الجنوب تغلب على أجوائهما المناخية درجات حرارة عالية تتسبب فيها رياح سيروكو عالية الحرارة، وهو ما يجعل الجفاف وندرة التساقطات من السمات الجوهرية تقريبا للوسط والجنوب.
وعلى الرغم من ندرة المياه في البلاد التونسية فإن حجم التساقطات سنويا يصل إلى 34 مليار متر مكعب من مياه الأمطار، لا تستغل منها الدولة التونسية إلا ما حجمه 2.7 مليار متر مكعب سنويا، تضاف إليها 2.1 مليار متر مكعب من المياه الجوفية القابلة للاستغلال. وعلى الصعيد الاجتماعي مثّل الحق في الماء المطلب الرئيسي في التحركات البيئية لسنة 2024 حيث تم تسجيل 252 تحركا احتجاجيا نفذه السكان من أجل الحق في الماء، وهو ما يمثل نسبة 59 في المئة من جملة التحركات البيئية.
ويتميز مناخ البلاد التونسية عموما بالجفاف وبقلة التساقطات المطرية، ويعود ذلك بدرجة أولى إلى مناخها المتوسطي وموقعها من خطوط العرض وبدرجة ثانية إلى خصائص الدورة الهوائية العامة التي تحول دون وفرة التساقطات المطرية وخاصة في فصل الشتاء باعتباره فصل ذروة تساقط الأمطار.
وفي أواخر أغسطس الماضي، دعا المرصد التونسي للمياه (جمعية رقابية غير حكومية)، إلى إعلان "حالة طوارئ مائية"، وذلك عقب تراجع مستوى مخزون السدود التونسية إلى 23.2 في المئة في ذلك الحين. وقبلها بأسابيع، أصدر المرصد ذاته، تقريرا كشف فيه عن تلقيه 598 تبليغا من المواطنين، منها 510 تهم انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع الماء الصالح للشرب خلال شهر يوليو 2024، على مستوى كامل محافظات البلاد.
وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد، أثناء معاينته لوضعية بعض السدود في 22 يوليو الماضي، أن أكد أن انقطاع المياه "أمر غير طبيعي وليس بريئا." وشدّد أن ما يحدث في عدد من محافظات البلاد "أمر تدبره شبكات إجرامية تستهدف شبكات توزيع المياه وتستهدف المحطات الكهربائية." ويؤكد الخبراء أن الأمر يتعلق بأزمة ناجمة عن سياسات حكومية خاطئة منذ عشرات السنين، حيث يجب تعديلها بشكل يوائم بين الموارد المائية لتونس ودعم الإنتاج الزراعي حفاظا على الأمن الغذائي للبلاد.
ويطالب هؤلاء بإقامة حوار مجتمعي لسن قوانين جديدة تواكب التحولات المناخية، فضلا عن التركيز على إنشاء سدود جوفية تدعم الموارد المائية وذلك لمجابهة ظاهرة تبخر المياه. ولفتوا إلى أن أول تجربة لإحداث سد جوفي كانت سنة 1994 وقدمت هذه التجربة نتائج إيجابية.
وللحد من آثار وتداعيات الجفاف، شرعت السلطات التونسية في الأعوام الأخيرة في إنشاء سدود جديدة، وتشييد محطات تحلية مياه البحر بعدد من المحافظات الساحلية منها محافظتا صفاقس وقابس (جنوب شرق)، فضلا عن المساعي لدخول مجال الاستمطار الصناعي للحد من تبخر مياه البحيرات، وفق ما أعلن عنه وزير الفلاحة الأسبق منعم بالعاتي مطلع العام الجاري.
وتمتلك تونس نحو 37 سدا أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية وتقع أغلبها في شمال البلاد. وتخطط تونس هذا الموسم لإنتاج مليون و173 ألف هكتار من الحبوب من ضمنها مساحة مروية تقد بـ80 ألف هكتار، في خطوة تهدف إلى الحد من توريد هذه المادة بحسب مسؤولين في وزارة الفلاحة.