سهل نينوى ساحة صراع لا تهدأ بين القوى الموالية لإيران والأكراد

محاولات تحييد الحزب الديمقراطي الكردستاني لا تخلو من حسابات انتخابية في علاقة بانتخابات مجالس المحافظات.
السبت 2023/04/29
بؤرة توتر

بغداد - تشهد مناطق سهل نينوى أزمة جديدة في ظل صراع محتدم على المناصب الإدارية بين القوى الموالية لإيران من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة ثانية، وسط محاولات من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني انتزاع فتيل الأزمة التي يخشى من خروجها عن السيطرة وتهديدها للسلم الأهلي في المنطقة.

ولطالما شكل سهل نينوى، الواقع شرقي الموصل مركز محافظة نينوى، مصدر توتر بين القوى الموالية لإيران، والأكراد، بالنظر للأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها هذه المنطقة مختلطة الأعراق، والتي تضم فسيفساء من المسيحيين والعرب السنة، والأكراد والشبك والإيزيديين.

وطفت الأزمة المستجدة على السطح على خلفية تعيين محافظ نينوى نجم الجبوري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وعضو مجلس نينوى السابق وممثل كوتا الشبك غزوان الداودي بمنصب مدير بلدة بعشيقة، الواقعة ضمن مناطق سهل نينوى، وهو ما أثار غضب قوى محسوبة على ميليشيات الحشد الشعبي في المنطقة. وفي محاولة من قبله لاحتواء الأزمة، استدعى رئيس الوزراء العراقي، مساء الخميس، محافظ نينوى وممثلي المكونات الإثنية في المحافظة.

سامي فاضل: نرفض تحكم حزب مسعود بارزاني بمناطق سهل نينوى
سامي فاضل: نرفض تحكم حزب مسعود بارزاني بمناطق سهل نينوى

وكان النائب عن "الإطار التنسيقي" وعد القدو، الذي يعرف بأنه القائد الفعلي لميليشيا "حشد الشبك"، أعلن رفضه تعيين الداودي، وهدد بإجراءات تصعيدية في حال لم يتم التراجع عن القرار وتكليف شخصية أخرى بدلا منه. واعتبر القدو أن هذا المنصب هو استحقاق للمكون الشبكي، وأن تكليف مرشح الحزب الديمقراطي يحمل تهميشا وتجاوزا على حقوق الشبك، بحسب تعبيره.

وكشفت مصادر عراقية أن مسؤولين من الحكومة المحلية سعوا إلى التوسط لدى القدو للتراجع عن موقفه، لكن الأخير رفض بشدة أي وساطات ممهلا الأخيرة بضع ساعات للعدول عن تكليف الداودي، قبل أن ينفذ أنصاره من الشبك اعتصاما مفتوحا في مناطق سهل نينوى.

ويرى متابعون أن القدو يستند في إصراره على موقفه على دعم الميليشيات الشيعية، مشيرين إلى أن المسألة تتجاوز مجرد خلاف حول منصب مدير بلدية بعشيقة، إلى صراع على النفوذ مستمر منذ سنوات على المنطقة الإستراتيجية بين القوى الموالية لإيران والحزب الديمقراطي الكردستاني. وأعلن القيادي في التحالف الشبكي سامي فاضل، الخميس، رفض جميع مكونات سهل نينوى تحكم حزب مسعود بارزاني بمناطق سهل نينوى، فيما هدد بالاعتصام المفتوح لمنع عودتهم.

وقال القيادي الشبكي في تصريح صحافي “الحزب الديمقراطي والبيشمركة التابعة له، لهما ذكريات سيئة مع أهالي نينوى من جميع المكونات”. وأضاف “نرفض وبشكل قاطع تحكم الحزب الديمقراطي بتعيين مدراء النواحي والدوائر في سهل نينوى وسنقوم باعتصام مفتوح منعا لعودتهم، كونهم ارتكبوا أفظع الجرائم إبان سيطرتهم على مناطقنا”.

ويكتسي سهل نينوى الذي يضم بعشيقة والحمدانية وبرطلة وبغديدا وقره قوش والنمرود وتلكيف ووانة والقوش وفايدة، إلى جانب مناطق مخمور والشيخان، أهمية كبرى لكونه يمثل الحد الفاصل بين مدينة الموصل ومحافظتي أربيل شرقا ودهوك شمالا، التابعتين لإقليم كردستان، فضلا عن قرب السهل من الحدود السورية.

وعقب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، عمدت قوات البيشمركة الكردية إلى وضع يدها على سهل نينوى، إلى حين اجتياح تنظيم داعش للمنطقة وباقي أنحاء المحافظة في العام 2014.

ونجحت ميليشيات الحشد الشعبي في استعادة السهل من داعش في العام 2016، وقد حاولت قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي العودة إلى المنطقة، لكنها فشلت في ذلك، بعد فرض الحشد الشعبي سيطرته بالكامل على المنطقة في العام 2017، وأجبر عناصر البيشمركة على التراجع إلى حدود محافظتي دهوك وأربيل، لكن تم الإبقاء على العديد من الوحدات الإدارية الكردية في المنطقة، وتحاول القوى الموالية لإيران اليوم على ما يبدو ضرب هذا الوجود الكردي، لفرض سيطرتها المطلقة على السهل.

ويرى المراقبون أن محاولات تحييد الحزب الديمقراطي الكردستاني عن الإدارة في مناطق سهل نينوى في هذا التوقيت لا تخلو أيضا من حسابات انتخابية في علاقة بانتخابات مجالس المحافظات، التي من المنتظر إجراؤها في نوفمبر المقبل. وانتقد نواب كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني عن نينوى، في وقت سابق محاولات بعض الأطراف إرباك الأوضاع في المحافظة أمنيا ومجتمعيا من أجل تحقيق أهداف انتخابية.

وقال نواب الحزب في بيان “في الوقت الذي تشهد فيه محافظة نينوى أوضاعا مستقرة على كافة الأصعدة في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ العراق، التي تمثلت في تشكيل الحكومة الاتحادية ذات الطابع الخدمي، والجميع يعلم الدور الرئيسي الذي لعبه الحزب الديمقراطي الكردستاني مع القوى الوطنية لولادة هذه الحكومة والمساهمة بشكل جدي وفعال في الاستقرار والتطور الواضح في محافظة نينوى سياسيا وأمنيا وخدميا”.

◙ المسألة تتجاوز مجرد خلاف حول منصب مدير بلدية بعشيقة إلى صراع على النفوذ بين القوى الموالية لإيران والحزب الديمقراطي الكردستاني

وأضافوا “للأسف الشديد تظهر فئات تحاول خرق السلم المجتمعي والأمني في محافظة نينوى وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها من أجل غايات ومآرب شخصية انتخابية من قبل المدعو وعد القدو، ومن يسير في خطاه، من خلال بث روح التفرقة والطائفية بين أبناء أهلنا في سهل نينوى، من خلال دعوته إلى إقامة تظاهرات غير قانونية وغلق الطرق بين محافظة نينوى ومحافظات إقليم كردستان مدفوعة الثمن مسبقا لرفض تكليف غزوان حامد الشبكي مديرا لناحية بعشيقة، والذي كان تكليفه قانونيا من قبل محافظ نينوى وفقا للاستحقاقات الجماهيرية والانتخابية”.

وأكد نواب الحزب الديمقراطي “هنا لابد أن نبين أن تمثيل سهل نينوى في مجلس النواب العراقي يتكون من سبعة نواب، خمسة منهم من الحزب الديمقراطي الكردستاني وهذا التمثيل الحقيقي لأبناء سهل نينوى والذي تمخضت عنه الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب”.

وأشاروا إلى أن “غزوان الشبكي مثل كوتا الشبك في مجلس محافظة نينوى السابق”، مطالبين رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بـ”التدخل الفوري والعاجل وإيقاف هذه المهاترات والمزايدات التي لا تصب في مصلحة سهل نينوى بشكل خاص ومحافظة نينوى بشكل عام، ونحمل الجهات التي تدعو إلى خلق الفوضى والفتنة وزعزعة الأمن والأمان والاستقرار في سهل نينوى، التبعات القانونية والأخلاقية التي تهدد السلم الأهلي في سهل نينوى ومحافظة نينوى”.

وشدد النواب عن الحزب الديمقراطي قائلين “لم ولن نقبل بأي ضغوطات أو فرض إرادات هدفها تغيير الواقع الديمقراطي والاستحقاقات الانتخابية”.

ويثير التوتر الجاري مخاوف من تكرار سيناريو عام 2019، حينما عمد المئات من الشبك في سهل نينوى إلى قطع الطرق بين نينوى وأربيل احتجاجا على قرار من رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي، يقضي بنقل قوات “حشد الشبك” إلى خارج المدن. ولم تنته تلك الاحتجاجات إلا بعد عودة الحكومة المركزية عن قرارها.

3