سهران لوحدي

في ترجمة أحمد رامي لرباعيات الخيام يرد البيت الذي يقول "ما أطال النوم عمرا ولا قصّر في الأعمار طول السهر" فيما يقول الطب الحديث إن السهر يقصر العمر. ولكن العاطفة لا تخضع للوصفات العلمية.
فبعد "سهران لوحدي" غنت أم كلثوم "يا مسهر النوم في عنيا/ سهرت أفكاري وياك"، ومن حق وديع الصافي أن يقول بعدها "ناطرك سهران". ومن راغب علامة وهو يقول "سهران لمين ياشوق للي فاتوني وحيد" إلى جورج وسوف وهو يتأوه "سهرت الليل/ وحيد ياليل/ حيران ياليل/ حزين ياليل".
ليست هناك مسافة شبيهة بتلك التي يصنعها أبوبكر سالم وهو يقول "يا بختك يا صاحي الليل" "يا سهران إهدا ونم/ قلبك لا تحملو هم"، لو أن أبوبكر سالم غنى في أي مكان آخر لاعتبر واحدا من أعظم مطربي الجاز. يشبه في أدائه وصوته المغني الأميركي بيري وايت.
نجاة التي لا تزال صغيرة وهي في سن التسعين غنت "عيون القلب سهرانة مبتنامشي/ لا أنا صاحية ولا نايمة مبقدرشي"، وفيها أيضا "وأنا رمشي ما ذاق النوم/ وهو عيونو تشبع نوم/ روح يا نوم من عين حبيبي”. ولكي نكون عشاقا حقيقيين ينبغي أن نتساوى في السهر المضني.
مَن يحب لا ينام. يقول حسين نعمة "نامت عيون الناس/ قلبي شينيمه". والعاشق الذي لا ينام ليس بريئا كما نتوهم.
شادية تقول "يا سارق من عيني النوم/ إن نمت دقيقة تصحيني" أنت تسهر وهناك مَن تسهر لأجلك.
ليس هناك محل للمثل الذي يقول "من يخشى الحنين والألم عليه أن يتجنب الليل والسهر"، ليست العبرة في "عندما يأتي المساء" حين يقول أحمد شوقي على لسان محمد عبدالوهاب "سهرت منه الليالي/ ما للغرام ومالي/ إن صد عني حبيبي/ فلست عنه بخال"، وفي الوداع يطول السهر.
ربما تفلت الكلمات التي يجب أن تقال. ولكن شيئا ما سيكون حاضرا بقوة "ليلة الوداع طال السهر/ وقال لي قلبي إيه الخبر/ قلت الحبايب هجروني". ذلك ما ذهب إليه جبران خليل جبران وهو يقول "السهر جميل حين تختاره لكنه مؤلم حين يختارك".
و"ليلة بترجع يا ليل وبتسأل عناس" ولكن وديع الصافي يبقي السؤال مفتوحا "الليل يا ليلى يعاتبني/ ويقول لي سلم على ليلى".