"سنة التخرج".. فيلم المفارقات الكوميدية التي تخفي مشاعر متناقضة

حكاية طريفة لامرأة تستيقظ من غيبوبتها لتعيش مراهقة متأخرة.
الأحد 2022/05/29
لم تقتنع بأنها لم تعد مراهقة

لا تنتهي رغبة الجمهور في مشاهدة الكوميديا والتي تتنوع فيها الدراما الفيلمية القائمة على جماليات الموقف ورد الفعل وطبيعة الشخصية الكوميدية في حد ذاتها وهي تؤكد حضورها على الشاشات بشكل مختلف.

واقعيا إن الاختلاف والمفارقة في الموقف الكوميدي هو الذي يدفع الشخصية إلى التماس معطيات خاصة في الدراما الفيلمية، وبالتالي تدفع الجمهور إلى الضحك، وهو نوع من الولع رافق السينما عبر مسيرتها.

ولنتوقف عند فيلم “سنة التخرّج” المنتج حديثا للمخرج البريطاني أليكس هاردكاسل (1972)، وهو معروف بمنجزه الغزير في مجال الدراما التلفزيونية حيث أخرج العديد من المسلسلات سواء في الولايات المتحدة أو في بلده بريطانيا، وهو مولع بشكل خاص بالكوميديا الاجتماعية.

تقاطع الشخصيات

ما عدا عنصر الزمن الذي كان فاصلا بين غيبوبة ستيفاني وعودتها إلى الواقع فلا يحمل الفيلم الكثير من الإلماعات المهمة

يقدم الفيلم أجواء الطالبات وهن في سن المراهقة في المدرسة الثانية وحيث الاستعداد للتخرج ونهاية العام الدراسي بينما تنشأ الغيرة بين الطالبات الأكثر حضورا وفاعلية وتتقدمهن ستيفاني ( الممثلة ريبيل ويلسون) التي تكاد تفوز بكونها أفضل الطالبات في استعراض مرتبط بمسابقة لكن الكارثة التي تقع أثناء التظاهرة وهو سقوطها من أعلى على ظهرها، هي التي سوف تغير المسار الفيلمي برمته.

تفقد ستيفاني الإحساس وتغيب عن الوعي لسنوات طويلة حتى تخرج من تلك الغيبوبة في تحول في المسار الزمني، لكن المفارقة أنها وهي تعود إلى وعيها تشعر أنها تعيش خارج الزمن، بمعنى أن ذاكرتها وشخصيتها ما تزال نفسها عندما كانت في سن المراهقة.

ينجح المخرج في قيادة وتوجيه الشخصية وهي تعيش زمنين متضاربين وحتى في علاقتها مع محيطها تجد نفسها في حالة اضطراب، وبكل ما تحمله المشاهد من كوميديا طريفة يحفل بها هذا الفيلم، ولهذا لا يجد الجميع من سبيل إلا التعاطي معها في عقلها الذي ما يزال أسير ذلك الماضي.

يتعزز البناء الكوميدي في هذا الفيلم وتتقاطع الأحداث مع ظهور شخصيات موازية رئيسية وكلهم كانوا زملاءها في الدراسة، وهي في المرحلة الثانوية، بينما صديقتها المقربة مارتا (الممثلة ماري هولاند) قد أصبحت مديرة للمدرسة الثانوية نفسها التي تخرجت منها رفقة صديقها ذو الأصول الأفريقية سيث (الممثل سام ريتشاردسون) وهذان الإثنان هما الوحيدان اللذان لم يفارقا ستيفاني وهي في رقادها الطويل أي غيبوبتها، فلم ينقطعا يوما عن زيارتها وتفقد أحوالها.

في المقابل هنالك تيفاني (زو تشاو) وهي منافستها وعلاقتهما قائمة على صراع مرير إلى درجة أنها لم تقف مع ستيفاني بعد عودتها إلى الوعي، بل أكثر من ذلك تآمرت عليها وحشدت ضدها وعابت عليها عقليتها الساذجة.

المشاعر المتضاربة

شخصية تعيش زمنين متضاربين
شخصية تعيش زمنين متضاربين

يلفت النظر في هذه الدراما الكوميدية كيف تنظر الشخصية إلى المستحدثات، فمثلا قبيل الغيبوبة لم تكن هنالك هواتف محمولة وهو ما سوف يربك ستيفاني ويحيرها في شأن هذا الجهاز الغريب الذي يتداولونه.

لكن التحول الدرامي في شخصية ستيفاني يتحدد في قرارها العودة إلى الدراسة، حيث تجد المثلية الجنسية متفشية ووسائل التواصل الاجتماعي والفان والفولورز هو الشغل الشاغل لهذا الجيل، فضلا عن الفيديو لايف وهو ما تنشغل به ابنة تيفاني التي تجد نفسها في منافسة غير متكافئة وغير متوقعة مع ستيفاني، وتجد خلال ذلك تشجيعا من الأم لكي تمضي في تلك المنافسة والتي تحتاج في نهاية الأمر إلى التصويت الذي سوف تتنازل فيه ابنة تيفاني لتقوز ستيفاني.

الأنثوية التي يكرسها هذا الفيلم في إطار كوميدي يتقاسمه الثلاثي ستيفاني ومارتا وتيفاني ولكل منهن توجهها المختلف في تغيير المواقف والأحداث وهو ما سوف ينسحب على مجمل المساحة الفيلمية، وهنا سوف يكرس الفيلم ذلك الإحساس الخاص بالآخر، الإشفاق على ستيفاني الذي تعبر عنه مارتا والمحبة العميقة التي تكنها لها، في مقابل مشاعر التنمر والغيرة وصولا إلى الكراهية التي تفيض من شخصية تيفاني.

ليست غاية الفيلم وجمالياته مقتصرة على ذلك الاستسلام المتوقع لتيفاني أمام ستيفاني بل في تلك المواقف الإشكالية التي جمعت بينهما وهو ما كرسه المخرج ببراعة في هذه الدراما الفيلمية على الرغم من أن الكثير من النقاد لم يجدوا في الفيلم ما كانوا يتوقعونه من تلك الكوميديا.

في منتصف هذه المسافة هنالك العلاقة الملتبسة ما بين ستيفاني وسيث الذي كان يحمل في داخله مشاعر قديمة لكن ها هي ستيفاني وقد عادت إلى الحياة لا تكاد تعيره اهتماما، بل والأدهى من ذلك محاولة زوج مارتا التقرب منها وهو ما يشكل صدمة لدى سيث، وأما إذا عدنا إلى الجذور الأولى التي أسست لتلك العلاقة فنجد تكريسا ملفتا للنظر للجانب العاطفي والإنساني للشخصية وخلاصة في العلاقة بين سيث وستيفاني وما عدا ذلك فإن جدل المشاعر المتضاربة هو الذي يسود في مساحة عريضة من الدراما الفيلمية.

باستثناء عنصر الزمن الذي كان فاصلا بين غيبوبة ستيفاني وعودتها للواقع لا يحمل الفيلم كثيرا من الإلماعات المهمة من خلال المواقف الكوميدية المرتبطة ببطلته وهي تستبطن مشاعر فتاة مراهقة.

14