سمير جامة يصور ظلال التراث الجزائري وأنواره

الجزائر - يحتضن قصر الثقافة مفدي زكريا بالجزائر العاصمة معرض صور فوتوغرافية للفنان سمير جامة بعنوان "ظلال وأنوار.. شغف التراث"، يبعث من خلاله الفنان برسالة إلى الجيل الحالي والأجيال القادمة، يحثهم من خلالها على ضرورة الحفاظ على العادات والتقاليد التي تمثل في مجملها الموروث الثقافي الذي تنضوي تحته هوية الجزائريين.
ويضم المعرض الذي ينعقد بين الثامن من سبتمبر الجاري والثامن من أكتوبر المقبل، أزيد من 80 عملا من مختلف الأحجام وبالألوان والأبيض والأسود، موزعة بأناقة على أجنحة عديدة شكلت فسيفساء مضيئة تعكس تنوع عناصر التراث الثقافي المادي واللامادي الجزائري وثراءه.


ويتيح هذا المعرض الفني الفرصة للجمهور للسفر في رحلة ساحرة إلى التراث الجزائري وما يزخر به من مخزون وعناصر عريقة بجمالياتها وتقنياتها، حيث يرصد جامة عبر جناح مجموعته الأولى الخاصة بالفخار نماذج بديعة من صناعة الفخار التقليدي الوطني تعكس مدى عراقة هذه الممارسة الفنية في الجزائر والحس الفني الراقي لدى الحرفيين.
وأضفى الفنان لمسته الخاصة على مجموعة الصور المطبوعة بدقة على اللوحات لتستنطق أشكال الفخار وأنواعه بألوانها الترابية المصنوعة من الصلصال والطين الوردي والبنّي الذي تزخر به مختلف مناطق الوطن ويعكس عبقرية النساء الجزائريات في هذه الصناعة التقليدية المتوارثة جيلا بعد جيل.
وقد تم توضيب التحف وتوزيعها على فضاءات الصور المعروضة بذكاء وكأنها عمل فني بديع يعج بالضوء والحياة وقد زادتها رونقا نوعية الطباعة التي اعتنت بأدق تفاصيل عرض التحف ما رسم روحا حيوية وجاذبية على فضاء الصورة.
ويعكس جناح صور آخر خصص لحي القصبة العريق جوانب من الحياة اليومية لأبناء هذا الحي المصنف ضمن التراث العالمي حيث نلمح الأزقة المتداخلة التي تفوح بالتاريخ والذاكرة والثورة كما يرصد جماليات البنايات القديمة بهندستها وعمرانها وكل ما تختزنه من قصور ودويرات ومساجد وزوايا وسطوح ونظرة على خليج الجزائر والواجهة البحرية.
كما اقتنص الفنان في لوحاته أجواء لعب الأطفال ووشوشات النساء إلى جانب إظهار ثراء الحلي والزي التقليدي لسكان العاصمة على غرار الحايك الأبيض والكاراكو المطرز بالذهب والذي ترتديه نساء القصبة في مختلف المناسبات دون إغفاله التركيز على تفاصيل الأبواب والنوافذ وما تكتنزه من جماليات وصناعة فنية عريقة مرتبطة بحرف المدينة.
وأفرد الفنان سمير جامة جانبا هاما من الصور التي أنجزها بعدسته لإبراز عراقة فن الفروسية والفنتازيا في الجزائر حيث تكاد الصور التي التقطها خلال تظاهرة صالون الحصان بتيارت تنطق تراثا أين نلمح حركة سباق الفرسان ووجوههم التي تعج بالفرح وهم يعتلون صهوة الأحصنة الجزائرية الأصيلة مرتدين أزياءهم التقليدية وحاملين أسلحتهم.
ومن جهة أخرى، يحتوي المعرض جناحا آخر يشمل مجموعة ثرية من الصور تخص بورتريهات لأطفال يرتدون مختلف أنواع اللباس التقليدي الجزائري على غرار القبائلي والشاوي وكذا النايلي والوهراني والتارقي.
وإلى جانب ذلك تم تخصيص فضاء استرجاعي تخليدا لروح المصور والمجاهد الفنان محمد كواسي، وهو من مواليد البليدة في 1920 ويعتبر عميد المصورين الجزائريين، ضم أستوديو تصوير وصورا تاريخية أنجزها المحتفى به ونماذج لآلات تصوير قديمة ومخبر تحميض قديم.
وأشار الفنان جامة أن الهدف من تنظيم هذا المعرض هو "التعريف بمخزون التراث الجزائري المادي واللامادي وتقديمه للجيل الجديد لأنه موروث ثري ومتنوع يبعث على الافتخار ويعزز الهوية”، معتبرا أن" فن التصوير وسيلة من وسائل تقاسم الشغف في اكتشاف الآخر والذات".
وأضاف المتحدث أنه قام بجمع هذا الرصيد الثري من الصور على مدار قرابة خمس سنوات وفي مناسبات ومناطق عديدة من الجزائر، رصد من خلالها بعفوية زخم الموروث الثقافي ومختلف عناصر التراث المادي واللامادي الجزائري على غرار ما صوره خلال فترة الأزمة الصحية لوباء كوفيد - 19.
ولفت جامة إلى أن المعرض هو بمثابة "وقفة عرفان وتكريم لروح المجاهد محمد كواسي"، الذي يعتبر رائد فن التصوير الفوتوغرافي في الجزائر والذي خلد بعدسته بورتريهات لقادة ثورة التحرير ورؤساء الجزائر بعد الاستقلال عام 1962.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنان والناشر سمير جامة من مواليد العاصمة في 1965 أتم دراسته بجامعة باب الزوار في تخصص الرياضيات وقد أظهر موهبته وشغفه بالفنون وبفن التصوير تحديدا مبكرا حيث قاده ذلك إلى التوجه لاحقا للفنون المطبعية وعالم النشر والكتاب. وقد صدر له خلال الطبعة السابقة لصالون الجزائر الدولي للكتاب مؤلف (دليل) بعنوان "رحلة في قلب قصبة الجزائر" ضمن منشورات "كولورست" التي يشرف عليها.
ولقصبة الجزائر دوما حصة الأسد في أعمال الفنان سمير جامة، مما يؤكد على الرابطة القوية بينه وبين معالم العاصمة، التي تغنّى بها كبار مطربي فن الأغنية الشعبية، وكانت مصدر إلهام العديد من الفنانين التشكيليين، وما يزال الموضوع الأم لدى الكتاب وعشاق القلم من شعراء وروائيين، لاسيما منهم الأدباء المغتربون.