"سماع مراكش" مهرجان يفتح خزائن الذاكرة بين المغرب والمشرق

مراكش (المغرب) - تنظم جمعية “منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته” من التاسع عشر إلى الثالث والعشرين من أكتوبر 2022 بالمدينة الحمراء الدورة الـ11 للمهرجان الدولي “سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية”، وذلك تحت شعار “حاضر ومستقبل المدن العتيقة.. معرفة التراث المعماري والعمراني وذاكرته في المغرب الكبير والشرق العربي”.
وذكرت الجمعية في بيان لها أن أعمال هذا المهرجان المنظم بشراكة مع عدة قطاعات وزارية ومجالس محلية وجهوية ومؤسسات علمية وثقافية وفنية “تدور حول قيم أخلاقية مستمدة من العمل الروحي المغربي وأفقه الكوني”، موضحة أن “سماع مراكش يطمح إلى الحفاظ على السماع الصوفي، الذي هو تراث فني عالمي، ثقافي وروحي، وذلك من خلال هذه اللقاءات، والمذاكرت والإنشاد”.
كما أن من “أهداف سماع مراكش التعريف بقيم الهوية والتقاليد الثقافية والروحية بالمغرب ونشرها، ومن ثم الاستجابة إلى الحاجة الروحية للجمهور والكشف عن الحكمة وعن تعاليم كبار شيوخ الصوفية عبر التاريخ”.
وأضافت أن برنامج الدورة يتضمن ندوة دولية كبرى حول “الذاكرة والتراث المعماري والحضري”، تحاول “الإجابة عن مسألة تراث المدن العتيقة هل سيصير خميرة للنموذج الحضري الجديد؟ وما منزلته من الرؤية الجديدة المعتمدة حاليا؟” وذلك بمشاركة مجموعة من كبار المسؤولين والمهندسين المعماريين والخبراء العمرانيين من المغرب والعالم العربي وأوروبا.
برنامج الدورة يتضمن ندوة دولية كبرى حول "الذاكرة والتراث المعماري والحضري"
ويقوم بالتنسيق العلمي للندوة المهندس المعماري سيرج سانتيلي، الذي درس أستاذا مبرزا بمدرسة الهندسة المعمارية بيلفيل بباريس لمدة ثلاثين عاما، وأشرف كل هذه المدة على ورشة وبحث حول المدن العتيقة العربية الإسلامية.
وتابع البيان أنه بهذه المناسبة تقام جلسة خاصة بائتلاف ذاكرة المغرب لعرض منهجية عمله، إيمانا منه بالدور الريادي للمجتمع المدني في ترسيخ الوعي بضرورة الحفاظ على التراث المادي وغير المادي للمغرب، مبرزا أنه بموازاة أعمال الندوة تقام مجالس السماع في الأماسي تحييها مجموعات سماعية وطربية أندلسية وطنية.
كما يتضمن برنامج هذه التظاهرة مجلس طرب الآلة الصباحي بقبة المنارة، وبسائط فنون الرواية والحكي يحييها رواد الحلقة بساحة جامع الفناء وتلامذة مدرسة مراكش للحكي، وورشات لفنون الكتاب وذكرى الكتبيين.
وسيتم خلال هذه الدورة تكريم المهندس المعماري شارلز بوكارا، وهو صاحب منجزات معمارية بمراكش، وكذلك الفنان منشد الملحون عبدالحق بوعيون.
وسيتم بهذه المناسبة كذلك تقديم مشروع مركز توثيق تراث المدن العتيقة والقصبات الذي يحدث بمدينة مراكش. ويمهد لافتتاحه معرض يعرف بنماذج معمارية وعمرانية من عدة مدن مغربية وعربية مستخلصة من المحتوى الوثائقي للمركز، وذلك تحت إشراف المهندس المعماري سيرج سانتيلي. كما سيتم تقديم كتاب “حادي العشاق” بحضور مؤلفه محمد التهامي الحراق.
وأشار البيان إلى أن “بسائط موسمية سماع مراكش” ستقام ببهو قصر بلدية مراكش، ومدرسة بن يوسف، وقصر الباهية، وباحة الكتبية، وقبة المنارة، وخزانة ابن يوسف، ومركب محمد السادس (فضاء المحاضرات التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – باب إغلي)، ورياض الجبل الأخضر، ومتحف فريد بالكاهية، ودار الشريفة، وقصور أكفاي.

والجدير بالذكر أن التراث الصوفي المغاربي عموما، والمغربي على وجه التخصيص، يمثل تعبيرا دينيا وثقافيا محليا مرتبطا شديد الارتباط بالواقع المحلي المغاربي، وقد تعرض في العديد من الأقطار المغاربية إلى هجمات التيارات الدينية المتشددة التي ترى فيه خروجا عن صحيح الإسلام وشِرْكا وزندقة، حسب تسويغاتها وأدبياتها، حيث تعرضت العديد من الزوايا وأضرحة الأولياء الصالحين والمعالم التاريخية في تونس وليبيا ومصر وفي غيرها من الأقطار العربية، بتفاوت حدة الهجمات أو بتفاوت أهمية الحضور الصوفي، إلى الحرق والتدمير من قبل مجموعات تكفيرية متشددة.
وبينما يدعو الصوفيون إلى التسامح فإنهم ليسوا بمعزل عن فنون العمارة والأدب التي قدموا فيها إرثا مازال راسخا إلى اليوم وشاهدا على أهمية هذا التيار الذي يتجاوز البعد الديني إلى البعد الكوني للإنسانية على اختلافها، علاوة على ترسيخه لعناصر الهوية من خلال ما تركه من مآثر وصروح معمارية.
ويقام هذا المهرجان إلى جانب العشرات من المهرجانات الأخرى بهدف التعريف بالتراث الصوفي العريق، والذي يربط مشرق العالم العربي بمغربه، ويوحد بين شعوبه على مبادئ الحب والتواضع وتكريس حرمة الإنسان وكونية قضاياه، وتفعيل دور الدين في إنشاء حياة متوازنة ومنفتحة.
ويهدف المهرجان، حسب المنظّمين، إلى مساءلة دور الصوفية في عالم اليوم والتعريف ببصمات المرجعية الصوفية في الغناء والموسيقى وحضورها في البناء العمراني للمدن العربية، في محاولة لإعادة اكتشاف أبعاد التراث الصوفي الروحية والفنية التي لا تنضب.