سليمان المعمري: السرد في سلطنة عمان مشغول ببيئته وأسئلة الإنسان

الروائي الذي يفهم الأحداث التاريخية يتحول أدبه إلى استشراف.
الثلاثاء 2025/01/28
كل عمل أدبي يصدره الكاتب هو نتيجة انفعاله

للأدب العماني السردي خصوصية بارزة تظهر من خلال أعمال العديد من الكتاب الذين نجحوا في تحويل ما هو محلي إلى فضاء أوسع، ما سمح للكثير من الكتاب العمانيين بأن يتوجوا بأهم الجوائز الأدبية العربية والعالمية. في ما يلي نحاور الكاتب العماني سليمان المعمري حول خصوصيات الأدب العماني ورؤاه الخاصة.

إيمان العويسي

مسقط- “الثقافة هي المرآة التي تعكس قيم المجتمع وتراثه، والجسر الذي يصل الماضي بالحاضر من خلال الحفاظ على التراث، والترويج للفنون، وتشجيع الإبداع،” بهذه العبارة يصف الكاتب العماني سليمان المعمري الثقافة، مضيفا أنها “أداة لتعزيز الوحدة الوطنية وبناء مجتمع واع ومتفاعل مع متغيرات العصر.”

ويشير في حديثه معنا إلى أن الجوائز الثقافية تسلط الضوء على الجهود الثقافية المبذولة، وتكرم المبدعين؛ ما يشجعهم على مواصلة العطاء، مضيفا “تكريمي من قبل النادي الثقافي هو تكريم لكل العاملين بجد في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة، وللجهود التي تبذل لتقديم صورة مشرفة للتنوع الثقافي العماني على المستويين المحلي والعالمي، وتشجع الأجيال الجديدة على الانخراط في العمل الثقافي والإبداعي.”

الأدب العماني

يقول سليمان المعمري “إن الجوائز الثقافية في العالم العربي تلعب دورا مهما في دعم الكتاب من الناحيتين المادية والمعنوية؛ فمن الناحية المادية، توفر هذه الجوائز مكافآت مالية تسهم في تحسين الظروف المعيشية للكاتب، وتتيح له التفرغ لمشاريعه الأدبية. أما من الناحية المعنوية، فإن التكريم والاعتراف الذي يحصل عليه الكاتب من خلال الفوز بجائزة مرموقة يعززان مكانته الأدبية ويزيدان من انتشار أعماله. ومع ذلك، تثار أحيانا تساؤلات حول مدى إنصاف هذه الجوائز لإبداع الكاتب، خاصة وأن معظمها يأتي في إطار مؤسسي رسمي. وليس سرا القول إن الجوائز الأدبية في العالم العربي قد تخضع أحيانا لتجاذبات سياسية وأيديولوجية، ما قد يؤثر على نزاهة الاختيار ويغيب الإبداع المتحرر من القيود.”

بوكس

وعن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في النهوض بالكاتب ونتاجه يقول المعمري “لها دور لا يمكن تجاهله، رغم محدودية إمكاناتها المادية، ومواجهتها تحديات تتعلق بالتمويل والاستقلالية. على سبيل المثال، تبذل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء جهدا مشكورا من خلال مشروعين مستدامين هما: النشر السنوي لإنتاجات المؤلفين العمانيين، وجائزتها السنوية متعددة الأجناس الأدبية والثقافية. أما مؤسسة بيت الزبير فقد استطاعت في السنوات الأخيرة أن تنظم فعاليات ثقافية نوعية كان لها أثر كبير في النهوض بالكاتب العماني وإنتاجه.”

ويوضح المعمري، الذي من بين إصداراته “عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل” و”بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسي”، دور الإعلام في دعم الأدب بسلطنة عمان، حيث يشير إلى أهمية الإعلام التقليدي والرقمي في نشر الثقافة العمانية، قائلا “يتمثل ذلك في التجربة الشخصية في تقديم البرامج الثقافية عبر إذاعة سلطنة عمان مثل ‘المشهد الثقافي’ الذي يغطي الفعاليات الثقافية العمانية أسبوعيا، وبرنامج ‘نوافذ ثقافية’ الذي يفتح نافذة على العالم العربي، إضافة إلى الحرص على إنتاج برامج ثقافية تستضيف الكتاب العمانيين وتناقش أعمالهم، ما يسهم في تعريف الجمهور بإبداعاتهم ودعمهم، مرورا بمشروع الكتاب الصوتي في منصة ‘عين’ الذي أتاح سماع خمسين كتابا عمانيا.”

 كذلك يذكر برنامج “كتاب أعجبني” و”القارئ الصغير” لتشجيع القراء كبارا وصغارا، مشددا على أنَ وسائل التواصل الاجتماعي  فعالة في تقريب الجمهور من الأدب العماني وتعزيز قيمته في المشهد الثقافي المحلي والدولي من خلال تقديم محتوى رقمي مبتكر، والترويج للفعاليات الأدبية والأمسيات الشعرية.

وحول ما يريد أن يقدمه الكاتب المعمري للقارئ عادة من خلال أعماله الأدبية كثيمة موحدة، والفروقات في تلك الأعمال بما فيها “ربما لأنه رجل مهزوم” و”الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة” و”الذي لا يحب جمال عبدالناصر”، يقول “الكاتب هو حصيلة همومه وهواجسه وانشغالاته، وأسئلته الوجودية، وتفاعله مع بيئته والناس المحيطين به، وهذه كلها تظهر في كتاباته، سواء نَظَمَتْها ثيمة موحدة أو عدة ثيمات.”

ويشير إلى أن عوالم “ربما لأنه رجل مهزوم” يدور معظمها في الغرفة الجامعية والهموم الذاتية لشاب صغير بالكاد بدأ يتنفس أكسجين الحياة، بينما كانت “الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة” تعبيرا آخر، يزعم أنه أكثر فنية، عن هذه الهموم والهواجس التي ينشغل بها شاب عماني منفعل مع محيطه. أما في “كائنات الردة” فقد انشغل بالمكان وناسه (قريته “الردة” تحديدا) ولكن من خلال تفاعله الخاص مع هذا المكان بناسه ودكاكينه وحيواناته وفراشاته. بينما كتابه “الذي لا يحب جمال عبدالناصر” هو تعبير عن انفعاله بما يجري في الوطن العربي من أحداث وتغيرات كان لها تأثير كبير على المجتمع العربي ككل، بما في ذلك المجتمع العماني. باختصار، فإن كل عمل أدبي يصدره الكاتب هو نتيجة انفعاله بهَم ما يشغله ويؤرقه لحظة الكتابة، قد تتكرر هذه الهموم في أعمال لاحقة، وقد تتغير إلى هموم أخرى جديدة.

ويتحدث المعمري عن أهم المفردات الأدبية والأفكار التي عادة يتقاطع الأدب العماني السردي في طرحها من خلال كتّابه وما يميز هذا الأدب عن غيره من الأدبي الخليجي والعربي، ويوضح “ثمة موضوعات وأفكار تتقاطع فيها العديد من المفردات الأدبية المشتركة بين الكتاب. من أبرز هذه الموضوعات القضايا الإنسانية الشاملة مثل: الحب والألم والغربة والبحث عن الهوية، ويعكس الكتّاب تجارب إنسانية عميقة تتناول مشاعر الفرح والحزن والتحديات التي تواجه الناس في مسارات حياتهم، يمكنني أن أمثل على هذا برواية ‘تبكي الأرض يضحك زحل’ لعبدالعزيز الفارسي. كما أبرز السرد العماني ولا يزال يبرز التراث والبيئات المتنوعة في سلطنة عمان، مسلطا الضوء على العادات والتقاليد والموروثات الثقافية، ويمكن التمثيل على ذلك بروايات زهران القاسمي وبشرى خلفان ورحمة المغيزوية.”

ويتابع “كما يحضر التعبير عن القلق الوجودي وغربة الفرد في المجتمع، وتناول الصراعات الداخلية والتأملات النفسية التي تعكس حالة الإنسان المعاصر، كما هي الحال في روايات حسين العبري وهدى حمد والنصوص السردية لسماء عيسى وعبدالله حبيب. ولا يغيب عن السرد العماني الاهتمام بالتاريخ السياسي والاجتماعي، حيث تستحضر الأحداث المفصلية والتحولات الكبرى التي شهدتها عمان، ما يتيح فهما أعمق للسياق التاريخي والاجتماعي، ويمكن التمثيل على ذلك بروايات جوخة الحارثي وعلي المعمري وأحمد الزبيدي وبشرى خلفان، وقبلهم عبدالله الطائي.”

ويشدد أيضا على أن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة وانعكاساتها على الواقع المحلي وجدت صداها في بعض الأعمال السردية، كما في رواية حمود الشكيلي “صرخة واحدة لا تكفي” ورواية سعيد الهاشمي “تعويبة الظل”. هذا عدا أن هموم المرأة العمانية وتجاربها حاضرة في الكثير من الروايات التي تكتبها الكاتبات العمانيات.

ويضيف “أما ما يميز أدبنا السردي عن غيره من الأدب المكتوب في الخليج أو الوطن العربي، فهو الحضور الكثيف للبيئة العمانية فيه والهواجس والأسئلة التي تشغل الإنسان في سلطنة عمان تحديدا، ولكن استطاع أدباؤنا الخروج بها من شرنقة المكان الضيق إلى شرفة الهم الإنساني الكوني، وأظن أن هذا بالذات ما أهل رواية ‘سيدات القمر’ لجوخة الحارثي للفوز بجائزة ‘مان بوكر’، ورواية ‘تغريبة القافر’ لزهران القاسمي للفوز بالبوكر العربية، وهو السبب نفسه الذي أهل رواية ‘دلشاد’ لبشرى خلفان للفوز ورواية ‘الحرب’ لمحمد اليحيائي للفوز بجائزة كتارا في سنتين متتاليتين، وكذلك صعود روايات هدى حمد ومحمد العجمي إلى القوائم النهائية للجوائز العربية.”

مستقبل الإبداع

سليمان المعمري: ثمة موضوعات وأفكار تتقاطع فيها العديد من المفردات الأدبية المشتركة بين الكتاب
سليمان المعمري: ثمة موضوعات وأفكار تتقاطع فيها العديد من المفردات الأدبية المشتركة بين الكتاب

في ما يتعلق بمدى تأثير البيئة المحيطة واتجاهاتها الثقافية والفكرية في تشكيل هوية الكتابة لدى المعمري، ورؤيته لمستقبل العمل السردي الروائي في سلطنة عمان خلال الفترة المقبلة يقول “للبيئة المحيطة بي دور مهم في تشكيل هوية الكتابة لدي، سواء من ناحية الموضوعات التي أتناولها، أو الشخصيات التي أعبر عنها، أو أتخذها تكئة سردية للتعبير عما أود قوله. بالإضافة إلى ذلك فالمكان عنصر جوهري في السرد الأدبي، ولا يقتصر دوره على كونه مسرحا للأحداث، بل يمتد ليعكس التجارب والخبرات والذاكرة الجمعية للمجتمع. وأظن أن هذا ما حاولته في كتابي ‘كائنات الردة’ الذي سعيت فيه من خلال كتابتي عن شخصيات الردة المتنوعة، من جدي خليفة إلى الحلاق شوزيت وليس انتهاء بالطفلة شهد، إلى كتابة التاريخ الشعبي لهذه (المدَيْنة) -تصغير مدينة- عبر تفاعل هذه الشخصيات مع المكان العماني وإضافتها إليه.”

بالنسبة إلى قراءة مستقبل السرد في سلطنة عمان في العشر سنوات المقبلة فإنه يرى أنه سيستمر حصد ثمار العمل المضني الذي بذله القصاصون والروائيون العمانيون في مطلع هذه الألفية. هذا الحصاد الذي أرخت لبدايته في مقال لي عن الأدب العماني بعام 2019؛ العام الذي فازت فيه جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر المرموقة، وبعده استمر الحضور العماني في الرواية والقصة إلى اليوم، ولا شك عندي أنه سيستمر في السنوات المقبلة.

وعما إذا كان الأدب الروائي في سلطنة عمان قد استطاع من خلال ما يقدمه من أعمال استشراف المستقبل يقول الكاتب المعمري “بالتأكيد. فالروايات الجيدة كما هي تلك التي يقدم فيها الروائي دراسة دقيقة للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة به، مما يمكنه من التنبؤ بالتطورات المستقبلية. على هذا يمكنني أن أعد بعض روايات حسين العبري روايات تستشرف المستقبل. كما أنه يمكن النظر إلى بعض الروايات العمانية التي تستلهم التاريخ روايات تستشرف المستقبل أيضا؛ فمن خلال فهم الأحداث التاريخية وأنماطها، يمكن للروائي إسقاط تلك الأنماط على المستقبل، متوقعا تكرارها أو تحولها بطرق معينة.”

ويواصل أنه نظرا إلى ذلك لا يمكن النظر إلى روايات “الحرب” لمحمد اليحيائي” مثلا أو “دلشاد” لبشرى خلفان أو “امرأة من ظفار” لأحمد الزبيدي على أنها روايات تسرد الماضي فقط، بل هي أيضا روايات تقدم رؤى مستقبلية تستند إلى دروس الماضي. هذا عدا أن ثمة روايات عمانية يمكن أن ندرجها في خانة “تسريد المستقبل” كرواية “عام 3000” لسالم آل تويه التي يذهب فيها الروائي إلى عام 3000 ليتخيل طبيعة تطور المجتمع البشري العلمي والإنساني، من خلال محاولة علماء ذلك الزمن إحياء ميت عربي من زمننا، ورواية “الفطر” التي يتخيل فيها الروائي محمد العجمي ما يمكن أن يصنعه اندماج الروبوتات في النسيج الاجتماعي في المستقبل.

◄ السرد العماني يبرز التراث والبيئات المتنوعة في سلطنة عمان، مسلطا الضوء على العادات والتقاليد والموروثات الثقافية

وحول ما يقدمه الذكاء الاصطناعي في الشأن الأدبي وما يمكن أن يقوم به هذا الذكاء والقلق حيال ذلك يقول “يشهد العالم تطورا متسارعا في مجال الذكاء الاصطناعي، وبدأت تساؤلات تثار بالفعل حول قدرته على أن يحل محل الكاتب أو الروائي، خصوصا أنه أظهر إمكانيات لا يستهان بها في توليد نصوص أدبية. مثلا، قبل نحو عام اعترفت الكاتبة اليابانية ري كودان الفائزة بأرقى جائزة أدبية في اليابان عن روايتها ‘برج الرحمة في طوكيو’ أنها استخدمت كل إمكانات الذكاء الاصطناعي لكتابة هذه الرواية، وأن نحو خمسة في المئة من الكتاب يتكون من جمل أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي وأوردتها الكاتبة في الرواية حرفيا.”

ويضيف “رغم ما يدقه هذا الاعتراف من نواقيس خطر حول حلول الذكاء الاصطناعي محل الكاتب، إلا أنه يقول أيضا ضمنيا إن هناك جوانب تتطلب الإبداع البشري لا يزال من الصعب على الآلات محاكاتها بالكامل. فعلى الرغم من التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن الإبداع البشري يتميز بالعمق العاطفي والتجارب الشخصية التي تضفي على الأعمال الأدبية بصمتها الإنسانية التي لا يمكن تقليدها. الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل الأنماط اللغوية وإنتاج نصوص متسقة، لكنه يفتقر إلى الوعي الذاتي والتجربة الإنسانية التي تمنح الكتابة روحها وجوهرها.”

ويتابع “لذلك من غير المرجح أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تعويض الكتاب البشر في المجالات التي تتطلب إبداعا وأصالة. ويمكن للكتاب والروائيين الاستفادة منه كأداة مساعدة في عملية الإبداع. على سبيل المثال، يمكن استخدامه لتوليد أفكار جديدة، أو اقتراح حبكات قصصية، أو حتى تحليل النصوص لتحسين الأسلوب والهيكل. وهذا أعتبره شخصيا تعاونا مشروعا بين الإنسان والآلة يمكن أن يفتح آفاقا جديدة للإبداع ويسهم في تطوير الأدب بطرق مبتكرة. قد يشعر البعض بالقلق من تأثير الذكاء الاصطناعي على المجالات الإبداعية، إلا أن هذه التكنولوجيا ما هي إلا أداة يمكن توظيفها لتعزيز القدرات البشرية وليس لاستبدالها. القلق المشروع يتمثل في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول، وضمان عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والحفاظ على الأصالة في الأعمال الأدبية. هذا هو المهم في الأمر برمته.”

12