سلملي عليه

الأصوات الجميلة والقوية كثيرة ومتاحة غير أن صوتا جميلا ليس في إمكانه أن يصنع من صاحبته أم كلثوم أو فيروز.
السبت 2022/11/26
فيروز ابنة البيت المطيعة

لا يحتاج المرء إلى مناسبة لكي يفكر في فيروز أو يعلن عن شغفه بأغانيها. ومع ذلك فإن هناك مناسبة. احتفلت فيروز بعيد ميلادها الثامن والثمانين ولا تزال تغني “تك تك يا أم سليمان / تك تك جوزك وين كان”.

وفيروز التي صنعت مزاجا غنائيا استثنائيا هو مزيج من الطرب والغناء السريع هي ليست كسواها من المغنيات والمغنين في العالم العربي، فهي ظاهرة مثل أم كلثوم تماما. وهما حسب الرأي المشاع تتقاسمان اليوم العربي.

الأولى للنهار والثانية لليل. وفي الحالين فإن الصوت هو جزء من الظاهرة وليس كلها. وهو ما يعني أن صاحبة “البوسطة” ليس صوتها الذي يُوصف بالملائكي فقط.

الأصوات الجميلة والقوية كثيرة ومتاحة غير أن صوتا جميلا ليس في إمكانه أن يصنع من صاحبته أم كلثوم أو فيروز.

كان صوت محمد قنديل أقوى من صوت عبدالحليم حافظ غير أنه بقي في منطقة “يا حلو صبّح / يا حلو طل” ولم يغادرها. في حين خلق العندليب الأسمر زمنا ضم بين جوانحه أجيالا من العشاق الذين قلدوه في مشيته وحزنه وتسريحة شعره وحتى مرضه.

فيروز ظاهرة رحبانية. هي الضلع الثالث من مثلث كان الأخوان منصور وعاصي الرحباني ضلعيه الآخرين. لو لم يكن هناك منصور وعاصي لما ظهرت فيروز التي نعرفها.

الرحبانيان شكلا هما أيضا ظاهرة استثنائية في تاريخ الغناء العربي. هما معا دائما. اللغز الذي ذهب معهما. مَن كان يكتب ومن كان يلحن؟ سؤال لم يجيبا عليه بالرغم من أن منصور عُرف شاعرا فيما عُرف عاصي موسيقيا. غير أن ذلك لا يكفي لتفكيك اللغز الذي أطلق فيروز لتقف إلى جانب أعظم المغنيات في العالم كله.

سألت الناقدة خالدة سعيد فيروز “من هو أستاذك الأكبر؟”، فأجابت “أساتذتي كثيرون أهمهم عاصي”، وقد غنت لعاصي “سلملي عليه / وقلو إني بسلم عليه / بوسلي عينيه / وقلو إني إبوس عينيه / إنت يلي بتفهم عليه”، بعد وفاته.

صحيح أن هناك شعراء كبارا سالت كلماتهم عذبة على لسان جارة القمر بدءا من أحمد شوقي في “يا جارة الوادي” وانتهاء بنزار قباني في (لا تسألوني ما اسمه حبيبي)، مرورا بميشال طراد وسعيد عقل “غنيت مكة” وبشارة الخوري “يا عاقد الحاجبين” وجبران خليل جبران “أعطني الناي” و”سكن الليل” وعمر أبوريشة وبدوي الجبل.

وصحيح أيضا أن موسيقيين كبارا مثل زكي ناصيف وفيلمون وهبة ومحمد عبدالوهاب وحليم الرومي ونجيب حنكش قد لحنوا لها غير أن الـ1500 أغنية التي غنتها كانت كلها مشبعة بعطر ورائحة وملمس ورؤية الخيال الموسيقي الرحباني.

فيروز هي ابنة البيت المطيعة التي شيدت من حولنا كونا من الخيال.

20