سلطنة عُمان.. مواقع تصوير مبهرة وحكايات ملهمة لم تستغلها السينما

دائما ما يرتبط الفن السينمائي بثقافات الشعوب؛ فهو نوع من الفنون ذات الشعبية الكبيرة في العالم، وتتعدد رسائله بتعدد أنماطه، لذا يتجاوز مجرد الترفيه إلى تقديم معطيات ثقافية وجمالية وفكرية متنوعة، وإيمانا بهذا المبدأ عمل السينمائيون العمانيون على إيصال أفكارهم ورؤاهم من خلال السينما، على الرغم من بعض التحديات التي تواجه إنتاج السينما على المستوى المحلي.
مسقط – مما لا شك فيه أن الثقافة العمانية مليئة بالتنوع وتفرّد الخصائص، وقد شكلت وقعا فكريا مغايرا في كل ما من شأنه النهوض بالواقع السينمائي في كافة المجالات.
ولكن في الإطار ذاته ثمة تساؤلات تطفو على الواقع السينمائي المعاش بين حين وآخر، من بينها كيف لخصوصية الثقافة العمانية ومساراتها المتقاطعة أن تسهم في إنتاج سينما عمانية حقيقية مغايرة؟ وفي الإطار ذاته أيضا كيف للسينما أن تقتنص تداخل تلك الخصوصية الخاصة بالثقافة العمانية لتكون أكثر احترافية في واقعها البصري لدى المتابع؟
الاستثمار في السينما
يقول المخرج السينمائي محمد الكندي مجيبا عن تلك التساؤلات “للثقافة العمانية خصوصية تعرف عليها القاصي والداني منذ القدم، من خلال علاقاتها السياسية والتجارية والاقتصادية حيث كانت السفن العمانية تمخر عباب البحار والمحيطات متجهة إلى الدول الكبرى منها العربية كمصر والعراق والمغرب العربي وغير العربية كالهند والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، فمن بين هذه الخصوصيات التي اتسم بها العُماني الصدق والأمانة والأخلاق الرفيعة كهوية اجتماعية له، مع المظهر الجميل في ملابسه ولغة حضوره وثقافته العالية، مما انعكس إيجابا على هوية الشخصية العمانية، مرورا بمؤلفاته وأشعاره التي شكلت الهوية الأدبية”.
ويضيف “الثقافة العمانية ومجموعة من الهويات المتناسقة والمترابطة كفيلة بأن تقوم بإنتاج سينما عمانية حقيقية مغايرة، وعندما يقوم شخص بزيارة سلطنة عُمان فإنه يتعرف على الخصوصية العمانية من جانب آخر وذلك من خلال العمارة والعادات والتقاليد بمختلف تنوعها بما فيها الاستقبالات بالأهازيج والأشعار وإكرام الضيف، مرورا بالإخاء الاجتماعي للعائلة الواحدة والنسق الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع بين العوائل الأخرى، كل ذلك يدل على أن الهوية العمانية متفردة في العالم أجمع ولن تجد في أي مجتمع في العالم العربي والأوروبي شبيها له، تلك هي خاصية ثقافية عمانية”.
ويوضح “من منطلق هذا الإرث الحضاري العُماني الخالد من خلال الرسومات والتصوير والأشعار والمؤلفات والبناء المعماري وغيرها من الأدوات يأتي دور السينما في توثيق تلك الخصوصية التي يتمتع بها من خلال الأفلام الوثائقية أو الروائية سواء كانت قصيرة أو طويلة”.
ويضيف “يمكن أن تقوم السينما بإظهار هذه الثقافة بشكل جلي وواسع على المستويين الإقليمي والدولي، كما أن سلطنة عُمان تحظى بسمعة جيدة من حيث الأمن والأمان ووجود المواقع السياحية والأثرية والتراثية والبيئية التي تساعد في إنجاز أعمال مبهرة، واحتفاظ المواطن العماني بهويته العمانية من حيث المنظر والمظهر وعلى حضارة أجداده”.
السينما بوابة منفتحة على العالم يجب استغلالها جيدا للوصول إلى كل الشعوب وتعريفها بالموروث الحضاري والثقافي
ويؤكد الكندي أن “كل هذه المعطيات تعطي مؤشرا على أن العمل الفني السينمائي أو التلفزيوني لا تنقصه سوى رؤوس الأموال المشغلة لهذا القطاع الذي يعد في بعض الدول العربية والأجنبية جزءا لا يتجزأ من الدخل القومي، كما أنه أحد أهم المحركات الأساسية في تدوير المال الداخلي وتعزيز القوة الشرائية الداخلية من خلال الاشتغال في المهن السينمائية أو العروض في صالات السينما أو إيجاد منصات خاصة بالسينما العمانية”.
فعلى السينما، في رأيه، أن تقتنص تداخل تلك الخصوصية الثقافية العمانية لتكون أكثر احترافية في واقعها البصري لدى المتابع لها من خلال القضايا الاجتماعية المحلية أو معالجة بعض القضايا العالمية عن طريق استقدام شركات عالمية توظف هذه الخصوصية بطريقة احترافية، وبذلك يتحقق للسينما في سلطنة عُمان رفدها للاقتصاد الوطني من خلال رؤوس أموال خارجية مشغلة للسينما واستقطاب مستثمرين في المجالات الاقتصادية الأخرى والسياحة من خلال الطرح السينمائي للثقافة العمانية وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والتجارية مع دول العالم.
أما المخرج السينمائي أنور الرزيقي فيشير إلى أن السينما هي إحدى الوسائط التي تعرّف الآخر بثقافة الشعوب المادية وغير المادية المتصلة والمرتبطة بالبشر في ذلك المكان والزمان.
وذكر أن أهمية السينما تعود إلى أنها وسيلة يمكن أن تقدم من خلالها العديد من الموضوعات والأفكار غير الملموسة التي يمتلكها الناس عن ثقافتهم.
وتتميز الثقافة والتاريخ العمانيان بالثراء الكبير الذي يحقق لإنتاج السينما في سلطنة عُمان النجاح الذي ينشده أي مستثمر أو منتج مهتم بالسينما إذا ما تم التركيز على تقديم المحتوى الفني ذي الجودة والمنافس للسينما العالمية خصوصًا في ما يتعلق بالقصص والأحداث التي يزخر بها التاريخ العماني أو تناول القصص والأساطير المتصلة بالحكاية الشعبية أو بعض القضايا الاجتماعية بشرط تقديمها بمعالجة درامية من وجهة نظر مختلفة غير مستهلكة أو نمطية.
ويقول الرزيقي “الخصوصية والهوية في السينما تمثلان عنصري قوة يسهمان في انتشار وشعبية السينما، ومثال ذلك ما تحظى به السينما الهندية من شعبية على مستوى العالم، فهي تقدم اللغة والأزياء والثقافة والتاريخ الهندي للجمهور وفي الوقت ذاته تحقق نجاحًا كبيرًا على مستوى الإنتاج السينمائي ولم تكن الخصوصية تحدّيًا لنجاح الفيلم الهندي وانتشاره. ونشاهد الرواج الكبير والواسع للدراما والسينما التركيتين اللتين اتسمتا أيضا بتقديم الخصوصية والثقافة والتاريخ والقضايا المتصلة بالمكان والشعب التركي وهذا يقودنا إلى البحث عن أسباب نجاح السينما الهندية والتركية والقياس عليها كتجربة لتطوير السينما في عُمان”.
ويضيف “من وجهة نظري الشخصية دخول الاستثمار الخاص أو الحكومي في الإنتاج السينمائي سوف يقدّم سينما احترافية تنشر الثقافة العمانية بكل مكوناتها للآخر، ويكون هناك مشروع وطني جاد توفر له الإمكانات والتسهيلات المطلوبة. وأطلقت الجمعية العُمانية للسينما والمسرح أخيرا مشروع ‘اصنع فيلمك في عُمان’ بهدف جذب المنتجين والمستثمرين العالميين بتصوير أفلامهم في عُمان والاستفادة من التنوع الجغرافي الذي تزخر به السلطنة، وإن مثل هذا المشروع له أبعاد اقتصادية وسياحية إذا ما كتب له النجاح”.
تمكين السينمائيين
في الإطار ذاته تقول مريم الريامية عضو مجلس إدارة بالجمعية العمانية للسينما والمسرح “إن الثقافة هي الوجود الروحي والإنساني بها تتفتح الأفق المعرفية للمجتمعات، وخصوصية الثقافة العمانية شاملة ومتفردة بإرث تاريخي وحضارات عريقة تقاطعت على أرض سلطنة عُمان، ويجب أن يصاغ هذا المخزون الثقافي بشكل مدروس وبخطة استراتيجية طويلة المدى تسعى لحمايته وتسجيله وعرضه بأشكال مختلفة تتوافق مع التقدم والتطور الحالي، على أن تتضمن الاستراتيجية المتطلبات والمسؤوليات اللازمة لتطوير الإنتاج السينمائي العماني الذي يمكنه أن يحمي ويحفظ إرث البلاد”.
وتضيف “السينما بوابة منفتحة على العالم يجب استغلالها بطريقة صحيحة للوصول إلى العالم وتعريفه بموروثنا الحضاري والثقافي”، مشيرة إلى أن الحضارة العمانية غنية بالمواد والقصص التي تصنع حكايات مبدعة وفريدة من نوعها، وطبيعة عُمان الجغرافية تضيف جمالا بصريا واقعيا للمشاهد السينمائية يجب على منتجي الأفلام استغلالها وإظهارها باحترافية.
وتذكر أن دور الجمعية العمانية للسينما والمسرح يجب أن يكون في الإنتاج السينمائي، وهي الداعمة الأولى لهذا الإنتاج ماديا ولوجستيا بإقامة الحلقات والدورات العملية لمنتجي الأفلام، كما يجب أيضا على هؤلاء السينمائيين عدم الوقوف والانتظار، وإنما ينبغي بذل جهد لتحقيق أهدافهم وتطوير أعمالهم من خلال التجربة والمضي قدما بهذا الفن والتعلم من الأخطاء.
ويقول السينمائي العُماني هيثم سليمان “لكل شعب من الشعوب في العالم أجمع خصوصية ثقافية يحرص على أن يقدمها إلى بقية الشعوب من حوله، هذه الخصوصية تتكون من ثلاثة مكونات هي الهوية والتكيف والتوجه، وعندما نتحدث عن مجتمع كالمجتمع العماني الموغل في القدم بخصوصيته الثقافية وإرثه الضخم فإننا نلاحظ أن الاشتغال السينمائي في الفترة الزمنية القصيرة من بداية المشوار السينمائي لدينا يتأرجح بين المكونات الثلاثة المذكورة أعلاه”.
ويضيف “السينما العمانية تركز كثيرا على عناصر الهوية وتجسداتها بشكل كبير جدا، وتحاول التكيف مع ما يتمسك به العمانيون وما يقدمونه من ثقافة، ومتطلبات ثقافية عصرية ملحة في الطريق نحو التوجه الذي سيقرر أخيرا كيف يمكن أن يتشكل إنتاج سينمائي حقيقي لدينا في سلطنة عُمان، ولدينا من الخصوصية الجميلة المرتبطة بهوية العماني وهمومه وتاريخه الطويل وسلوكياته داخل مجتمعه بل ولغته التي يتحدث بها واختلاف تضاريس بلاده وما يصاحبها من تنوع في كل ولاية من ولايات السلطنة”.
عُمان متنوعة جغرافيا وغنية بالمواد والقصص التي تصنع حكايات سينمائية فريدة من نوعها لكن لم يقع استغلالها
ويشير إلى أن “تلك الخصوصية التي تعد ثروة حقيقية تلهث وراءها سينما الإنسان التي تقدم للمشاهد عصارة ما خلفه الأجداد إلى الآباء ثم إلى الأبناء، فلدينا في سلطنة عُمان من الزخم الثقافي الأصيل ما يمكن أن يشكل زخما للنهوض بالسينما وتوجيهها نحو احترافية أكثر باستخدام التقنيات الموجودة في عالم السينما وكذلك العقول التي تستطيع إيجاد مواءمة بين الخصوصية والعامية بحيث تصبح لدينا مساحة أكبر للتعبير عن أنفسنا كعمانيين وعن موروثنا وثقافتنا بشكل منافس أكثر”.
ويؤكد هيثم سليمان “لن يتأتى الوصول إلى هذا الهدف بدون وجود فهم وافٍ لكيفية انتقاء القصص المناسبة وكتابة سيناريوهات باحترافية ثم يتم إنتاجها من خلال شركات محترفة قادرة على مواكبة زخم التنافس في وسائل العرض البصري في مختلف المنصات المتعارف عليها”.
ويوضح سليمان أن مشكلة القطاع السينمائي في سلطنة عُمان تتمثل في عدم فهم شريحة كبيرة من المشتغلين السينمائيين العمانيين لأساسيات التشكيل والبناء السينمائي سواء كان الفيلم مستمدا من موروث أو قصة شعبية أو أسطورة من الأساطير أو حقيقة تاريخية، “وهنا أتحدث عن الجانب الروائي من المشكلة، فالجانب الوثائقي قطعنا فيه شوطًا جيدا ولا بأس به ولكن الروائي يظل في نقص ملحوظ”.
ويتحدث المخرج السينمائي صالح أحمد المقيمي عن خصوصية الثقافة العمانية ومساراتها المتقاطعة، وكيف من الممكن أن تنتج سينما حقيقة مغايرة، فيقول “الثقافة العمانية كغيرها من الثقافات تحظى بخصوصية وتتسم بالتشعب والتباين في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال تختلف اللهجات المحلية بين محافظة وأخرى بل من ولاية إلى أخرى، إن لم تختلف بين القرية والأخرى أيضا، كذلك العادات والتقاليد وما يسمى بالسجع وسنن الجماعة، ورغم كل هذا الاختلاف يرفد المخزون السينمائي بشقيه الوثائقي والروائي بقصص وحبكات لها مسوغاتها الدرامية والفنية ذات مرجع وثيق، فما إن يقصد الكاتب قرى عُمان أو سيوحها أو سواحلها إلا ويكتشف كنوزا ينهل منها وربما يزداد دهشة، لينقل هذه الدهشة والفرد إلى المتلقي والمشاهد العماني والعربي والعالمي”.
ويضيف المقيمي “رغم تشابه بعض القصص والأساطير مع بعض الثقافات الأخرى إلا أن الثقافة العُمانية ما تزال معينا لا ينضب كي تعطي قصصا مختلفة تقدس خصوصية الثقافة العُمانية بل وتنفرد بذلك دون غيرها“.
ويقول “هذا يتعلق برؤية المخرج أو المؤلف، لاسيما في الفيلم الروائي، ولأن المأساة أو التراجيديا تحاكي الواقع ولكن بأفضل من الواقع، إذ تعتمد على خصوبة الخيال وتمكن الكاتب أو المخرج السينمائي من أدواته واحترافيته، أي أنها نسبية، تختلف من مخرج إلى لآخر ومن كاتب إلى آخر، وهنا يحدث التزاوج بين القصة والمعالجة، وكذلك الحال بالنسبة إلى المتلقي ما إذا كان قد تعوّد على سقف أعلى من الجودة في الصورة من خلال مشاهدة المحتوى المعروض”.