سلطنة عُمان تحث الخطى لترسيخ الرقمنة في الاقتصاد

عززت سلطنة عمان خطوات بلورة سياساتها المتعلقة بالتحول الرقمي بعقد شراكة مع أحد أبرز عمالقة وادي السيليكون بغية كسب رهان الاستثمار واستجابة لمتطلبات المرحلة، خاصة بعد الجائحة التي أظهرت مدى الحاجة إلى اعتماد التكنولوجيا في بناء الاقتصاد.
مسقط - قطعت الحكومة العمانية شوطا مهما نحو تجسيد استراتيجيتها لرقمنة الاقتصاد من أجل اكتساب القدرة على الرؤية الفورية اللازمة لتنمية كافة القطاعات الإنتاجية، بما فيها المشاريع الناشئة، وبالتالي تعزيز دورها في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وفي أحدث تجسيد لهذا المسار استعانت مسقط بمايكروسوفت، أحد أبرز الكيانات العالمية في قطاع التكنولوجيا، من خلال إبرام شراكة تتيح لها الاستفادة من الخبرات الطويلة للشركة الأميركية العملاقة في هذا المضمار.
ووقعت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات على هامش معرض الاتصالات وتقنية المعلومات (كومكس 2022) الذي تستضيفه مسقط حاليا مذكرة تفاهم مع مايكروسوفت بهذا الخصوص، وذلك في إطار جهودهما المشتركة لتسريع مشروعات التحول الرقمي في البلد الخليجي.

فهد العبري: التقنية تمكّن الابتكار وتسهّل بناء اقتصاد رقمي فعّال
وجاء المعرض الذي اختتمت فعالياته الأربعاء، واستمر ثلاثة أيام، بعد توقف دام عامين بسبب الوباء، وهو يتزامن مع اختيار مسقط عاصمة عربية رقمية لعام 2022.
وشكلت عودة الحدث في نسخته الحادية والثلاثين فرصة لتسليط الضوء على الاتجاهات الرئيسية والتحديثات التكنولوجية ومجال تقنية المعلومات والاتصالات في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى التعريف بالمبادرات والخدمات الإلكترونية الحكومية العمانية.
وتهدف الاتفاقية، التي تأتي بينما تحاول مسقط الابتعاد عن دائرة ركود استمر سنوات، إلى تطوير مبادرات تُسهم في بناء قدرات الطلبة والمؤسسات الأكاديمية والشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة والموظفين الحكوميين، وتزودهم بالمهارات اللازمة للرقمنة والذكاء الاصطناعي.
وبموجب الشراكة تعتزم مايكروسوفت دعم وزارة النقل لتطوير استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي وإثبات فاعليتها في مختلف الهيئات الحكومية.
كما ستعمل شركة التكنولوجيا الأميركية على دعم مساعي الحكومة العمانية لتبني أحدث التقنيات كي تشكل حجر الأساس لتحقيق أهدافها في بناء اقتصاد مستدام وقائم على المعرفة مع التركيز على الابتكار الأخلاقي والمسؤول.
وأكد فهد بن سلطان العبري مدير عام تحفيز القطاع ومهارات المستقبل بوزارة النقل أن بلده يعتمد على التحول الرقمي لتمكين الابتكار وتسهيل بناء اقتصاد رقمي حيوي وفعال ومتنوع.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى العبري قوله إن “الشراكة مع مايكروسوفت ستسهم في دعم أهداف البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي والبرامج التنفيذية المساندة لها”.
وأضاف “أهداف البرنامج تهدف أساسا إلى تحسين إنتاجية القطاعات الرئيسية في ‘رؤية عُمان 2040’ وتطوير الإمكانات البشرية في الرقمنة والذكاء الاصطناعي”.
وخلال السنوات القليلة الماضية شرعت مسقط في استكشاف فرص استخدام التكنولوجيا في القطاعات الإنتاجية لما لها من دور كبير في التحول الرقمي ودفع عجلة التنمية الشاملة في البلاد، التي تواجه تحديات مالية كبيرة تعمل على معالجتها.

سيف الحوسني: الشراكة تؤكد التزام مايكروسوفت بتحقيق رؤية عُمان
وكررت الحكومة مرارا أن التكنولوجيا سوف تقود إلى تطوير قدرات القطاع لتحقيق مؤشرات متقدمة، وخاصة المبادلات التجارية والخدمات اللوجستية وقطاع الصناعة وغيرها، ولزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في العقدين المقبلين.
وتراهن عُمان كباقي جيرانها في منطقة الخليج على جذب الحلقات الأساسية في صناعة التكنولوجيا والتقنية والذكاء الاصطناعي ضمن مشاريعها الطموحة لتنويع إيراداتها، لكنها قد تواجه تحديات تتمثل في عدم إمكانية نقل المعرفة اللازمة من دول العالم المتقدم.
وقال سيف بن هلال الحوسني مدير عام مايكروسوفت في سلطنة عُمان والبحرين إن “هذه المذكرة تأتي انطلاقا من اهتمام الشركة الأميركية بالارتقاء بمنجزات جميع الأفراد والمؤسسات في عُمان”.
وأكد خلال تصريحات صحافية عقب إبرام الاتفاقية أن مايكروسوفت تؤكد التزامها بدعم عُمان لتحقيق رؤيتها وبناء اقتصاد رقمي مزدهر يواكب احتياجات المستقبل ويفتح فرصا جديدة ويعزز القدرة التنافسية للبلاد على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتظهر التقديرات الدولية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت تزايدا في انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ وارتباطها بأنشطة الأعمال وكل ما يتعلق بتطوير أداء الإدارة خلال العقد الماضي.
وتدرك حكومات المنطقة العربية قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث نقلة نوعية في القطاعات والاقتصادات وتوسيع آفاق الإبداع البشري والمساعدة على إيجاد حلول للتحديات المجتمعية.
وأشارت شركة برايس ووترهاوس كوبرز في تقرير نشرته مؤخرا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في توفير 320 مليار دولار في اقتصاد الشرق الأوسط عام 2030، أي ما يعادل 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع خبراء ووترهاوس كوبرز أن يتراوح النمو السنوي بين 20 و34 في المئة في مختلف أنحاء المنطقة مع تنامي مساهمة أدوات الذكاء الاصطناعي في تنمية القطاعات الاقتصادية.
وكشف مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة أكسفورد إنسايت أن عُمان تأتي في المركز الثامن والأربعين على مستوى العالم والمركز السادس في الشرق الأوسط.
ولدى المسؤولين قناعة كبيرة بأن بلدهم لديه الفرص والإمكانات والأدوات اللازمة حتى يضع الاقتصاد على درب النهوض وتعزيز جاهزيته للمستقبل وتطوير حلول مبتكرة للتحديات القادمة لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة وصولا إلى تحقيق أهداف “رؤية 2040”.
وقال رئيس وحدة متابعة تنفيذ “رؤية 2040” خميس الجابري إن “المعرض قدم أحدث التقنيات المتطورة التي تنسجم مع توجهات عمان نحو الاقتصاد الرقمي الذي أطلق برنامجا وطنيا خاصا به ركز بشكل كبير على التحول الرقمي الحكومي”.
وأوضح أن بلده يركز من خلال برنامج الاستثمار وتنمية الصادرات على اعتماد كافة المجالات التقنية التي تسهم في النمو مع تعزيز جذب كبرى الشركات العالمية في هذا المجال إلى السوق العمانية.
وأكد الجابري أن ذلك سينعكس إيجابا على مساهمة قطاع التكنولوجيا في الناتج المحلي الإجمالي، كما سيسهم في توفير فرص عمل نوعية تستوعب خريجي التخصصات التقنية من الباحثين عن عمل.
وكان المعرض قد ركز منذ انطلاقه الاثنين الماضي على الخدمات التي تقدمها شركات القطاع الخاص سواء الكبيرة أو المتوسطة أو الناشئة، حيث حظي بمشاركة أكثر من 40 شركة ناشئة قدمت العديد من التطبيقات والمنتجات في مجال التحول الرقمي.