سلطنة عُمان تتجاهل مخاطر العجز وترفع مستويات الإنفاق

التوسع في المشاريع الاقتصادية يقلل تداعيات الدين العام، وفرض ضريبة القيمة المضافة نهاية 2019 يخفف الضغوط المالية.
الأربعاء 2019/01/02
سوق العمل في قلب خطط الحكومة

فاجأت سلطنة عُمان الأوساط الاقتصادية بزيادة الإنفاق في موازنة العام الجديد إلى مستوى أعلى غير مكترثة للعجز الكبير الذي سيتم تسجيله، ولتتجاهل بذلك كل تحذيرات وكالات التصنيف الدولية من مخاطر تعرض اقتصادها للمشاكل في طريق تنفيذ برنامجها الإصلاحي.

مسقط - اعتبر خبراء أن موازنة سلطنة عُمان للعام الحالي، التي تمت المصادقة عليها بشكل نهائي، تشكّل خطوة مهمة في درب تطبيق الإصلاحات لمعالجة الوضع الاقتصادي، الذي يشكو من عراقيل في مسار تعزيز مؤشرات النمو.

ونشرت الحكومة الثلاثاء تفاصيل الموازنة، والتي تتوقع زيادة نمو الإنفاق، لكنها قد لا تقلّص العجز الكبير، الذي دفع وكالات التصنيف الدولية في الأشهر الماضية لخفض تصنيف ديونها إلى عالية المخاطر.

وتهدف مسقط من الموازنة الجديد إلى تحقيق الاستدامة المالية والمتمثلة في السيطرة على العجز، المتوقع أن يبلغ 7.3 مليار دولار، ورفع التنصيف الائتماني للدولة الخليجية مع مراجعة أولويات الإنفاق والدعم الحكومي.

وتسلّحت الحكومة في الموازنة بتدابير احترازية تراعي تأثيرات استمرار تذبذب أسعار النفط وترتيب الأولويات بما ينسجم مع الموارد المالية المتاحة، متجنبة المساس بالخدمات الحكومية الأساسية.

سعيد بن مبارك المحرمي: سلطنة عمان لديها القدرة للتغلب على التحديات المالية التي تواجهها
سعيد بن مبارك المحرمي: سلطنة عمان لديها القدرة للتغلب على التحديات المالية التي تواجهها

ويتوقع أن يبلغ الإنفاق 12.9 مليار ريال (33.5 مليار دولار)، ارتفاعا من 12.5 مليار ريال (32.5 مليار دولار) في الموازنة السابقة.

وتعني الخطوة وفق البيانات الرسمية أن الإنفاق المتوقع سيرتفع بنحو ثلاثة بالمئة مقارنة مع حوالي سبعة بالمئة اعتمدته الحكومة في موازنة 2018.

وتقدر الموازنة الإيرادات عند 10 مليار ريال (26.2 مليار دولار) على افتراض متوسط سعر نفط يبلغ 58 دولارا للبرميل هذا العام. وبناء على ذلك، سيوازي العجز 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ونسبت الصحافة المحلية لعضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة سعيد بن مبارك المحرمي تأكيده بأن بلاده لديها القدرة للتغلب على التحديات المالية التي تواجهها.

وتوقع أن ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية مع بدء الدولة المنتجة في منظمة أوبك وخارجها تمديد تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج والذي سينعكس على الموازنة العامة للدولة الخليجية.

غير أن سعر خام برنت يبلغ حاليا نحو 54 دولارا، ومن ثم إذا لم يرتفع سعر النفط فقد تجد عُمان صعوبة في تحقيق أهداف العجز المتوقع.

وفي الأشهر العشرة الأولى من 2018، حين كان سعر برنت أعلى كثيرا وسجل في المتوسط 74 دولارا، بلغ العجز 2.04 مليار ريال (5.3 مليار دولار)، وفقا لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

ولدى الحرمي قناعة بأن التوسّع في المشاريع وزيادة الناتج المحلي الإجمالي سيساهم في تقليل آثار الدين العام، رغم أنه يتعارض مع تصنيفات الوكالات الدولية.

وقال إن “ذلك لن يأتي إلا باعتماد حوافز أكثر تشجيعا للمستثمرين المحليين والأجانب، لا سيما في القطاعات ذات القيمة المضافة لتوفير المزيد من الوظائف”.

وتتوقع وكالة موديز، التي خفّضت قبل أشهر التصنيف السيادي لسلطنة عمان إلى بي.أي.أي 3، على مدى السنوات الخمس المقبلة أن يظل العجز المالي في عُمان كبيرا، حيث سيتراوح بين 5 و7 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي.

وكالة فيتش: ديون مسقط ستبلغ 58 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020
وكالة فيتش: ديون مسقط ستبلغ 58 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020

وتقول الحكومة إنها ستموّل نحو 86 بالمئة من العجز في العام الحالي من خلال الاقتراض من السوقين المحلية والخارجية، وأما الباقي فسيتم الحصول عليه من الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي.

وتغطّي مسقط العجز، عادة، عن طريق السحب من الاحتياطيات المالية التي تنكمش، وفقا لما ذكرته فيتش الشهر الماضي حين خفضت تصنيف الدولة إلى مستوى عالي المخاطر.

وتتوقع فيتش رايتنغ أن يبلغ الدين الحكومي 58 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020، وتحول صافي الأصول الأجنبية من 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018 إلى سالب ثمانية بالمئة في العام المقبل.

كما تصنّف ستاندرد آند بورز ديون عُمان بأنها عالية المخاطر وتمنح موديز إنفستورز سيرفيس السلطنة تصنيفا عند درجة جديرة بالاستثمار، وهو ما يزيد درجة واحدة على التصنيف عالي المخاطر مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو ما يعني وجود فرصة كبيرة لخفض التصنيف.

وتسعى السلطات إلى تخفيف الضغوط بتعزيز الإيرادات غير النفطية، وقد يتم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة في أواخر العام الجاري.

وتأجل فرض الضريبة لأسباب فنية ومخاوف من أن تضرّ بالنمو والاستثمار، وستظل أسعار النفط العامل الرئيسي الذي يؤثر على الإيرادات في جميع الأحوال.

والتحقت البحرين مع بداية العام الحالي بركب السعودية والإمارات اللتين حققتا مكاسب كبيرة في العام الأول من تطبيق الضريبة.

وحتى أكتوبر الماضي، كان يُنظر للبحرين على نطاق واسع على أنها الأضعف ماليا بين دول الخليج الغنية المصدّرة للنفط. لكن المخاوف بشأن البحرين هدأت منذ أن اتفق حلفاؤها الأغنياء في الخليج في ذلك الشهر على تقديم حزمة مساعدات لها بقيمة عشرة مليارات دولار.

وقالت ستاندرد آند بورز في نوفمبر الماضي إن تصنيفها لسلطنة عُمان مدعوم باحتمال تلقيها مساعدات مماثلة من جيرانها إذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي حدوث أزمة.

11