سلطان عمان في زيارة تاريخية لموسكو لتعزيز التعاون وتنسيق المواقف

موسكو - وصل سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد، الاثنين، إلى العاصمة الروسية موسكو في أول زيارة رسمية له منذ توليه مقاليد الحكم في أوائل عام 2020، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى تبادل الرؤى وتنسيق المواقف حول القضايا الإقليمية والدولية في ظل التحديات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.
وهذه الزيارة التاريخية، التي تستغرق يومين، تلبية لدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تجسد احتفاء البلدين بمرور أربعة عقود على تأسيس علاقاتهما الدبلوماسية، وتؤكد حرصهما المشترك على تعزيز التعاون الثنائي وتنسيق المواقف إزاء القضايا الإقليمية والدولية الملحة.
فبينما يحتفل البلدان الصديقان بمرور 40 عاماً على إرساء دعائم علاقاتهما الدبلوماسية في عام 1985، تحمل زيارة السلطان هيثم إلى موسكو دلالات أبعد من مجرد الاحتفاء بالذكرى السنوية. حيث أنها تعكس توجها استراتيجيا لدى مسقط نحو تنويع شراكاتها الدولية، وإدراكها لأهمية روسيا كفاعل رئيسي على الساحة العالمية وشريك محتمل في تحقيق مصالحها الوطنية.
ووفقا لوكالة الأنباء العمانية، فإن الزيارة تهدف إلى "بحث أوجه التعاون القائمة بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، إضافة إلى التشاور والتنسيق حيال الموضوعات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية".
وقال سفير سلطنة عمان لدى موسكو حمود بن سالم آل تويه، لوكالة الأنباء قبل يومين إن هذه الزيارة "هي الأولى لسلطان عمان إلى روسيا، وبمثابة خطوة تاريخية تعكس اهتمام السلطنة بتعزيز علاقاتها مع روسيا".
واضاف أنها ستكون "نقطة انطلاق لعهد جديد من التعاون بين سلطنة عمان وروسيا، بما يعود بالفائدة على البلدين والشعبين الصديقين".
ولفت إلى أن الزيارة ستكون "فرصة سانحة وطيبة لقيادتي البلدين لمناقشة التطورات الإقليميّة والدوليّة الحالية وتبادل وجهات النظر والتعاون في مواجهة التحديات العالمية".
وتتمتع سلطنة عمان وروسيا بعلاقات تاريخية راسخة تعود جذورها إلى الحقبة السوفيتية، وقد حافظت مسقط على نهج متوازن وبراغماتي في علاقاتها مع موسكو حتى في خضم التوترات الإقليمية والدولية. وتنظر عمان إلى روسيا كشريك مهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي، بينما تعتبر موسكو عمان لاعباً مؤثراً في منطقة الخليج العربي.
وتكتسب زيارة السلطان هيثم إلى موسكو أهمية خاصة في ظل الدور المحوري الذي تلعبه عمان في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي، حيث استضافت مسقط جولات من المحادثات غير المباشرة بين الطرفين، وهو ما يحظى بتقدير روسي كبير.
ويرى مراقبون أن زيارة السلطان هيثم إلى موسكو من شأنها أن تسهم في تعزيز التنسيق بين عمان وروسيا بشأن الملف النووي الإيراني، ودفع الجهود الرامية إلى إحراز تقدم في المفاوضات.
كما تسعى عمان إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط، وتنظر إلى روسيا كشريك محتمل في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية.
وستشهد الزيارة "توقيع 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، أهمها اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات للجوازات العادية لمواطني البلدين، وبروتوكول إنشاء اللجنة المشتركة العُمانية الروسية، وغيرها من مذكرات التفاهم في مجالات متعدّدة، منها الأسماك والتجارة والإعلام والدبلوماسية والمناخ"، وفق السفير.
وفي نهاية عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان وروسيا نحو 133 مليونا و108 آلاف ريال عماني (أكثر من 346 مليون دولار).
وتتمثل أهم الصادرات العمانية في المنتجات المعدنية ومنتجات النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، بينما تشمل الواردات الروسية المنتجات الحديدية ومنتجات غذائية كالخضراوات وغيرها، كما ذكر السفير.
وتعود العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين سلطنة عمان والاتحاد السوفيتي إلى عام 1985. وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة. وتعتبر روسيا من بين أكبر موردي الأسلحة إلى سلطنة عمان، وقد وقع البلدان العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية. كما تتعاون عمان وروسيا في مجالات الطاقة، حيث تستورد عمان كميات من النفط الروسي.
وقد شهدت العلاقات العمانية الروسية تحولًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من التشاور السياسي إلى تعاون وثيق في القطاعات الاقتصادية والثقافية والتعليمية. وبحلول نهاية عام 2024، تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 346 مليون دولار أميركي (أكثر من 133 مليون ريال عماني)، حيث تُصدّر عُمان المنتجات المعدنية والأسمدة والألمنيوم، بينما تستورد الحديد والقمح والآلات ومنتجات الفحم الروسية.
وتعمل في عُمان حاليا 277 شركة بمشاركة روسية، تستثمر في قطاعات متنوعة، بما في ذلك البناء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتجارة التجزئة والخدمات اللوجستية. ومن المتوقع أن يُعزز التوقيع المتوقع على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم خلال زيارة السلطان هيثم هذا الزخم.
تُعدّ السياحة مجالاً واعداً آخر، حيث زار عُمان في عام 2024 أكثر من 44 ألف سائح روسي، بينما ارتفع عدد الزوار العُمانيين إلى روسيا بنسبة 70 بالمئة عن العام السابق. ومن المتوقع أن يُسرّع الإعفاء المتبادل من التأشيرة السفر في الاتجاهين.
كما يشهد التعاون الثقافي ازدهاراً ملحوظاً، حيث تُعمّق عُمان وروسيا حوارهما الحضاري من خلال المعارض في متاحف الإرميتاج وتريتياكوف، وجهود الترميم المشتركة، وتبادل القطع الأثرية المتحفية.
وتدعم المبادرات التعليمية، مثل أركان النشر العُماني في الجامعات الروسية، وبرامج التبادل الطلابي، هذا الجسر الثقافي.
ويذكر أن النسخة الروسية من موقع المتحف الوطني الإلكتروني، ومهرجان "المواسم الروسية" الثقافي في عُمان، خير دليل على هذه الشراكة المزدهرة.
ووصف البروفيسور ميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف الإرميتاج الحكومي، التعاون الثقافي بأنه نموذج للتعاون الدولي في عالم متعدد الأقطاب، حيث تُعدّ العلاقات المتحفية بين عُمان وروسيا نموذجًا للدبلوماسية الثقافية الناجحة.
وتمثل زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى موسكو خطوة مهمة في تعزيز العلاقات العمانية الروسية، وتأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية كبيرة.
وتعكس هذه الزيارة الدور المتنامي الذي تلعبه عمان كلاعب دبلوماسي مؤثر في المنطقة، وقدرتها على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية. وستسهم القمة بين الزعيمين في تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ودفع الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي.