سلطان ثاني: نصوصي عوالم موازية تأخذ من الواقع وتنفصل عنه

يمتلك الكاتب العُماني سلطان ثاني البحري منهجية واضحة في الكتابة، يخوضها كلما أراد أن يكتشف نفسه والعالم وأن يخلق لنفسه عالما موازيا للواقع، منهجية مميزة اكتسبها من تكوينه الفني والأكاديمي السابق، جعلت نظرته للعالم والحكايات مختلفة وشديدة الانتباه للتفاصيل، كما أنه يؤكد تأثره الكبير ببيئته العُمانية، تاريخها وكل ما يطرأ عليها من تغيرات تواكب العصر.
مسقط - في آخر إصداراته الأدبية “عوالم موازية” يأتي الكاتب العُماني سلطان ثاني البحري ليقترب من القارئ بروح سردية ضمن قالب حداثي يعالج مواضع أقرب إلى الجانب الفكري. ثمة محاولة للاتصال بواقع غير مطروق للخروج بقصص جديدة لا تخلو من العمق. الكاتب العماني سُلطان ثاني الذي يملك رصيدا أدبيا يتمثل في 6 إصدارات أدبية ذاتية، ومنها ما هو الأقرب إلى السردية يجعل من حيثيات أفكارها تتقاطع في إيصال ماهية الفكرة وحقيقتها.
قدر لا فرار منه
يتحدث ثاني عن تشكّل وعي الكتابة لديه، حيث التأسيس والمحفزات، كيف يصفها، وما ساقه وعيه الذاتي إليه لأن يشعر بأن الكتابة قدر لا يمكن تجاوزه في مساره مع الأدب ويقول “في مرحلتي الحالية من الكتابة وبعد 6 إصدارات سأقول إنني لا أعرف متى بدأت الكتابة فعلا، فالكثير من الكتابات الأولى لا يمكن أن نوجد لها مستوًى محددا وأن نطلق عليه نتاجا حقيقيا، لذلك يصعب تحديد الكتابة، وفي هذه المرحلة بالذات سأقول إنني بدأت الكتابة الأقرب إلى الاحترافية مع إصدار مجموعتي القصصية الأخيرة، وإن كنت بذلك ربما أتنكر لفضل الكتب السابقة.”
ولأن المتابع لماهية نتاج ثاني الأدبي يجد ذلك التوافق بين نتاجه وحقيقة الذات لديه، يشير هو نفسه إلى ذلك التوافق وإلى أي مدى هو مسكون بما يكتب بعد الانتهاء من كتابة أي نصّ أدبي في سياق مقتضب فيقول “الكتابة قدر لا فرار منه، وحرفة تشكّل نظرتي للحياة، لذلك أجدني دائما بحاجة إلى الكتابة حتى أفهم العالم المحيط من حولي ونفسي قبل ذلك، وهي الوسيلة التي أعي بها الكون من حولي إلى الدرجة التي لا أفهم معها كيف يستوعب الآخرون حياتهم دون مهنة الكتابة.”
ولأن للكاتب 6 إصدارات أدبية متنوعة، جميعها سردية، ومنها ما هو أقرب إلى الحوار الوجداني بينه وبين فكرة الكتابة لديه، يشير إلى مدى تحقق الرؤية السردية في “عوالم موازية” و”أحرق شاعرين” على سبيل المثال لا الحصر ويقول “النصوص التي أكتبها عوالم أخرى موازية، وإن كانت هذه العوالم تأخذ من عالم الواقع إلا أنها شعوريا تنفصل تماما، وهذا ما تعلمته مع السنوات، فقد أصبحت الكتابة سُلّما أصعد به إلى سماء عالية بعيدة، أعيش فيها تجليات فكرية بجزء كبير وشعورية بشكل عميق، حتى أصبحت هذه النصوص جزءًا من حياتي المعتادة، ولست أكتب بشكل يومي، لكنني أكتب حين أحتاج إلى عالم آخر مني مواز، والأمر أصبح بين أنني أعيش ما أكتب وأكتب ما أعيش، حتى أصبحت هذه الدائرة بين العالمين متماهية الحدود، فلا فرق واضحا بين عالم ما أكتب وعالم ما أعيش.”
أدين لكتاب "مخيزنة" بالكثير ولعل البدايات العفوية البسيطة هي ما أسهمت في أن يكون انطلاقة أقوى مما تخيلت
ويضيف “عوالم موازية.. مجموعة قصصية، وهي الأولى التي أنشرها، أما الإصدارات السابقة فهي نصوص نثرية، أقرب لما يسمى بالنص المفتوح، خصوصا في إصدار ‘أحرق شاعرين’، وهنا تتجلى فكرة السرد غير المرتبطة بقصة ونهاية، لكن الحبكة كانت دائما هناك، وهي حبكة ليست واضحة المعالم، إذ في أصلها وعمقها حبكة معنوية ذات بعد نفسي وجداني، وحتى أخرج من جدل القوالب، وحتى تكون لي تجربة جديدة جاءت عوالم موازية مثل مجموعة قصصية ومع دار نثر بالذات كونها دارا تهتم بالأعمال القصصية.”
ويقف القارئ كثيرا عند يوميات الكاتب ثاني غير الاعتيادية، حيث إصدار “مخيزنة”، فيشير إلى روح الصحراء في تلك المنطقة النفطية، والمغاير بين صخب المدينة والبحث عن الحياة والتأملات النفسية في فضاءات أقرب إلى العزلة الحقيقية.
ويقول “مخيزنة هو الحديث الأول المكتوب لي، أنا شخصيا أدين لكتاب مخيزنة بالكثير رغم أنني لم أعطه الكثير بمقياس ما أكتبه اليوم، ولعل البدايات العفوية البسيطة هي ما أسهمت في أن يكون الكتاب انطلاقة أقوى مما تخيلت. سنواتي في صحراء النفط كانت من أهم محطات الصقل التي وجهتني على المستويين الشخصي والكتابي، فما أكتبه اليوم وأسلوب الكتابة والطرح كله نابع من تأثير تلك الأيام التأملية العميقة، أيام لم تخلُ ساعاتها من قراءات لكتب كثيرة، وهذا أيضا كان له الأثر الأكبر، حيث العزلة والحياة بشروطها المختلفة المحدودة.”
هوية عمانية
في إصدار “حدثتني مسقط”، ثمة رسائل لا تخلو من الواقعية، هنا يشير ثاني إلى ماهية تلك الرسائل والمشاعر الإنسانية أيضا، مرورا بما أورده في “صوت مكتوب”، ويقول “حدثتني مسقط هو حديث مع مدينة فيها من الزوايا والأماكن، والحركة والأحداث، والشخوص المختلفة المتدافعة، والأماكن المهملة والزوايا المنسية، فيها ما يدعو إلى التأمل، ولعل حديثي مع مسقط كان حيث رجل إلى مدينة تعكسه وتعكس دواخله وأعماقه، أما صوت مكتوب فهو الوعي الأول الذي أدركت عنده أن الكتابة أداة تفكير، فيها أصل لأفكار جديدة لم تخطر على بالي من ذي قبل، وهذا الأمر جعل من الكتابة يدا أتلمس بها تفاصيل الحياة وتفاصيل الذات.”
ولأن ثمة خيوطا أقرب إلى المرئية في أغلب إنتاج سُلطان ثاني الأدبية، خاصة السفر إلى المستقبل من خلال النص، يوضح الدوافع التي أُسِّست لذلك، وروح المستقبل: “أعتقد أن كتاباتي تتأثر بعدة عوامل سابقة من حياتي أهمها تجربة التصوير الفوتوغرافي لسنوات طويلة التي أكسبتني خيالا واسعا ومخزونا بصريا كبيرا، بل وأبعد من ذلك القدرة على إنتاج مشاهد مصورة، وهذا منحني رؤية المشاهد وهي تجري أمام عيني قبل كتابتها بثوان. أما الأمر الآخر فهو الدراسة العلمية الهندسيّة الفيزيائية، فالخلفية العلمية تتطلب الكثير من المخيلة، وفهم القوانين العلمية يلهم الكتابة الأدبية للخروج خارج نطاق القواعد العلمية، وكما يقال فإن كسر القواعد جمال، وكسر القواعد حين يكون عن جهل يبدو خطأ، لكنه حين يكون بوعي وعن قصد فني يضيف إلى النتاج الأدبي.”
كون الهوية مصطلحا واسعا ومن الصعب تحديده، وكون الهوية مصطلحا جامعا، فمن الصعب جدّا أن نحدّد شكل الهوية العمانية في النصّ إلا من خلال النصوص الواضحة
الثقافة، والتراث، والجغرافيا، والتاريخ، أدوات محفّزة للكتابة، وكون أن سلطنة عُمان خير من يتفرد بتنوعها يصف العلاقة بين ما ينتجه من نصوص وبين تلك المفردات، ويقف بنا الكاتب عند التقاطعات المعززة، وآليات المساهمة في إثراء المشهد الكتابي لديه، وما إذا للكاتب القدرة على أن يمسك بالأصالة والانفتاح دون فقد توازنه الإبداعي ويقول “بدون وعي واضح تؤثر الجغرافيا والبيئة كثيرا في الكتابة والنتاج الكتابي، وليس من السهل أن يقوم الكاتب للأدب بدور المتخصص في التاريخ والجغرافيا وغيرهما من العلوم، لكن الكاتب للأدب يستطيع أن يجمع كل معارفه من تلك العلوم ويضعها في قالب إنساني حتى تصل إلى القارئ وكأنها حياة مكتملة، ومع وجود الأحداث والقصة وفضول النهايات يصل الكاتب بالقارئ عبر الصفحات إلى النهاية المكتملة فتصل رسالته المقصودة والرسائل الضمنية.”
ويوضح “من تجربتي الشخصية فإن العمل الأدبي الذي أنتجه يتأثر بكل ما أعيه عن البيئة من حولي، والبيئة العُمانية ثرية، بتراثها أولا وبحاضرها أيضا، أنا أكتب تارة وعيني على المستقبل المتخيل، وأكتب تارة أخرى وعيني على الماضي بكل ما يحمله من تراث ثري وعميق وممتع، وأن الفعل الثقافي المرتبط بالإنتاج دائما ما يخوض في روح الجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد الإنسانية.”
ويشير الكاتب إلى الهوية الثقافية في النص الثقافي في الإصدارات العُمانية، والكيفية التي يمكن من خلالها تكريس واقعها لتكون نموذجا نوعيا يعيشها المتلقي بما يواكب العصر الجديد اليوم، يقول “كون الهوية مصطلحا واسعا ومن الصعب تحديده، وكون الهوية مصطلحا جامعا، فمن الصعب جدّا أن نحدّد شكل الهوية العمانية في النصّ إلا من خلال النصوص الواضحة، وحين نقول النص الأدبي العُماني فالأمر يأخذنا إلى جدل كبير، هل النص العُماني هو الذي يكتبه عُماني أم الذي يشير إلى ملامح عُمانية، ولأن هذا السؤال غير قطعي فإن الإجابة أعتقد بأن النص العُماني هو كل نص يكتبه عُماني أو يحمل ملامح عُمانية، وبذلك يكون كل ما يكتب يصب في الهوية العُمانية، ولأن الهوية تتأثر وتتغير بالحديث كما أن الهوية في النص الثقافي تسهم في تشكيل المشهد، والأمر لا يعتمد على عدد الأعمال المكتوبة، فيكفي أن عدة روايات فازت بجوائز عالمية ولاقت انتشارا واسعا عالميا وأسهمت في رسم ملامح للنتاج الثقافي ذي البعد العُماني.”