سلطان النيادي من محطة الفضاء الدولية إلى كرسي الوزارة في الإمارات

بعد أربعة أشهر من وصوله إلى سطح الأرض عائدا من رحلته الفضائية التي تواصلت لمدة 6 أشهر، أعلن عن تعيين رائد الفضاء الإماراتي سلطان سيف النيادي وزيرا للشباب في حكومة بلاده، ليكون بذلك أول وزير عربي يمر بمثل هذه التجربة العلمية والإنسانية والوجودية التي أعطته أفضلية في التعبير عن طموحات الشباب سواء في دولة الإمارات العربية المتحدة أو في المنطقة العربية ككل.
في 24 سبتمبر 2023، فاجأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، شباب الإمارات وشاباتها، بدعوة من يجد في نفسه الكفاءة والقدرة والأمانة، مراسلة مجلس الوزراء لاختيار وزير للشباب.
وقال في حسابه على موقع إكس:
كان إعلان البحث عن وزير للشباب في دولة الإمارات حدثا مثيرا للاهتمام وخاصة في الدول العربية التي اعتادت دائما على القرارات الفوقية التي لا تعبّر عن إرادة الشعوب، فنجاح أيّ دولة لا يكون إلا بتقدير الكفاءات والاستماع إلى أصوات المواطنين في ظل انتشار آليات التعبير والتواصل بشكل غير مسبوق.
لقد كان الإعلان الصادر عن الشيخ محمد بن راشد حثا للشباب ليمارسوا أحد أهم أشكال التعبير الديمقراطي بترشيح واختيار من يرونه قادرا على خدمتهم وتبني مشاغلهم وطموحاتهم ووضعها على طاولة السلطات العليا في البلاد لتتجه نحو تنفيذها.
في السادس من يناير الجاري، أعلن الشيخ محمد بن راشد عن مجموعة تعديلات وزارية في حكومة الإمارات من بينها تعيين سلطان النيادي وزيرا للشباب. وقال:
وأعلن عن:
اتضح من خلال هذا التعيين أن الشباب الإماراتيين تفاعلوا مع دعوة ترشيح وزير للشباب واختار النيادي للمهمة، وتصادف أن يتزامن تنصيب الوزير الجديد مع إعلان بلاده الانضمام إلى مشروع بناء وتطوير محطة الفضاء القمرية إلى جانب الولايات المتحدة واليابان وكندا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إرسال أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى القمر ضمن المشروع.
وفي الرابع من سبتمبر 2023 عاد سلطان النيادي إلى كوكب الأرض على متن كبسولة “دراغن” لشركة “سبايس إكس”، بعد أن كان غادر إلى محطة الفضاء الدولية في مطلع مارس في صاروخ “فالكون 9” من نفس الشركة “سبايس إكس”.
وكتب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على منصة إكس:
وهنّأ الشيخ محمد بن راشد شعب الإمارات بعودة النيادي سالما، مشيرا إلى أنه “أجرى 200 مهمة بحثية علمية.. وقضى أكثر من 4400 ساعة في الفضاء.. وألهم الملايين من الشباب العربي بأننا قادرون على المساهمة الإيجابية في مسيرة البشرية العلمية والحضارية”.
وتدور محطة الفضاء على ارتفاع 400 كيلومتر من سطح الأرض، حيث تكمل المحطة دورة واحدة حول الأرض كل 90 دقيقة، أي حوالي 16 دورة يوميا، وحيث أن الشمس تشرق على روادها وتغرب 16 مرة خلال اليوم الواحد لذا -ومنعا من التشويش عليهم- فقد تم تحديد توقيت غرينيتش ليكون المعتمد على متن المحطة الدولية.
وخلال مهمته التي امتدت 6 أشهر، شارك النيادي بأكثر من 200 تجربة علمية، بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية وجامعات إماراتية. وشملت التجارب مجالات متنوعة، مثل زراعة النباتات، العلوم الإنسانية، تقنيات استكشاف الفضاء، سلوكيات السوائل، علم المواد، وإنتاج البلورات، وغيرها من التجارب العلمية التي تفيد المجتمع العلمي العالمي والباحثين والطلبة في دولة الإمارات والعالم. ونجح النيادي خلال المهمة في تحقيق عدد من الإنجازات المهمة، كان أبرزها خوضه أوَّلَ مهمةَ سَيْرٍ في الفضاء في تاريخ العرب، رافقه فيها رائد الفضاء ستيفن بوين من وكالة ناسا.
كما شملت المهمة جانبا مجتمعيا أيضا، تجسَّد في 19 فعالية سميت سلسلة «لقاء من الفضاء»، تحدَّث خلالها بالصوت والصورة إلى الجمهور في مختلف مناطق الدولة، وحضرها أكثر من 10000 شخص ما بين طلاب وعشّاق لعلوم الفضاء.
وأكد المهندس سالم المري، مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء، أن سلطان النيادي رائد الفضاء الإماراتي حقق من خلال مهمته «طموح زايد 2» إنجازات تاريخية للعرب لأول مرة كونها المهمة الأطول لرائد فضاء عربي على متن محطة الفضاء الدولية، والتي استمرت 6 شهور، فضلا عن كونها الأولى كذلك لتنفيذ مهمة السير بالفضاء خارج المحطة، فيما تعكس هذه الإنجازات فخراً كبيراً بما يقدمه العرب من مساهمات نوعية لخدمة البشرية، وإفادة المجتمع العلمي، بما يتم توفيره من معلومات جديدة.
وأضاف المري أن نتائج التجارب العلمية التي قام بها سلطان النيادي رائد الفضاء الإماراتي سوف تساعد البشرية في معرفة كيفية العيش في الفضاء فترات أطول، فبالإضافة إلى دراسة عمل وظائف أجسام الرواد في بيئة الجاذبية الصغرى، تم تخصيص نحو 585 ساعة لإجراء النيادي عدداً من التجارب العلمية الرائدة مثل تجربة إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بالأجسام المضادة PCG2 التي تساعد على تحليل إنتاج البلورات الخاصة بالأدوية في بيئة الجاذبية الصغرى، والاشتراك في أنشطة البحث البشري المدرجة على جدول الطاقم، والتي تضمنت عمليات الفحص بالموجات فوق الصوتية، وفحوصات الرؤية، واختبارات السمع، فضلا عن الكثير من التجارب العلمية الناجحة الأخرى.
بعد وصوله إلى الأرض، قال النيادي إن رحلة عودته من محطة الفضاء الدولية تخللتها تحديات ديناميكية حيث بلغت درجة حرارة مركبته أثناء اختراقها المجال الجوي للأرض 1900 درجة مئوية، وأضاف أن رحلته تعد جزءا من التدريب لخوض مهامّ مستقبلية أبعد من محطة الفضاء الدولية.
وحول استعداداته للمغامرة، أكد أنه كان جاهزا نفسيا للحظة الانطلاق، وعاش حالة من الترقب والاستعداد لاحتمالية فشل الانطلاق خلال الدقائق الثماني الأولى حتى الوصول إلى الفضاء، وأضاف أن الفريق كان متدربا على ردود الفعل المناسبة لكل الحالات.
كما أوضح النيادي أن العلماء كانوا يراقبون ردة فعل رواد الفضاء، مع وجود اختلافات فردية حيث لا يشعر الجميع بنفس الحالة في الفضاء، وإنما لكل رائد فضاء تجربة شخصية في التأقلم مع الحياة في الفضاء، كما أن السير في الفضاء يحتاج إلى قوة السواعد للحركة ورياضة الجوجيتسو كانت أساسية، إذ أنها ساعدته بشكل كبير في مهمة السير في الفضاء ومهامه الأخرى في المحطة.
وسلطان النيادي من مواليد 23 مايو 1981 في قرية أم غافة التابعة لمدينة العين في دولة الإمارات العربية المتحدة وعاش طفولته في منزل جده حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه. عمل والده كمدرب في سلاح الجو الإماراتي. في طفولته يقول سلطان إنه اعتاد على أن يراقب النجوم والقمر في الليل وكان يحلم بأن يكون رائد فضاء عندما يكبر.
التحق سلطان بالقوات المسلحة الإماراتية، سافر إلى بريطانيا للالتحاق بجامعة برايتون حيث حصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في هندسة الإلكترونيات والاتصالات في عام 2004، وبعد عودته إلى بلاده التحق بكلية زايد العسكرية حيث درس لمدة عام، ثم عمل في القوات المسلحة الإماراتية كمهندس اتصالات.
وفي عام 2008، سافر إلى أستراليا حيث نال درجة الماجستير في أمن المعلومات والشبكات من جامعة جريفيث، ثم سافر مرة أخرى في عام 2011 حيث حصل على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا منع تسرب البيانات من نفس الجامعة.
في عام 2015 أعلن عن تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء ليكون جزءا رئيسيا من المبادرة الإستراتيجية الهادفة إلى دعم الابتكارات العلمية والتقدم التقني ودفع عجلة التنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد تولى المركز مهمة تنفيذ مشروع “مسبار الأمل” لاستكشاف كوكب المريخ، والذي تم إطلاقه بتاريخ 20 يوليو 2020 إلى المريخ ليصل في العام 2021، تزامنا مع ذكرى مرور خمسين عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يجسد هذا المشروع التاريخي آمال العالم العربي وأحلامه في ارتياد الفضاء.
كما عمل المركز على تصميم القمر الاصطناعي “خليفة سات” وبنائه والذي تم إطلاقه عام 2018، وهو القمر الاصطناعي الأكثر تقدماً الذي ترسله دولة الإمارات إلى الفضاء.
وفي 6 ديسمبر 2017، نشر الشيخ محمد بن راشد، في حسابه على تويتر «أدعو شبابنا وشاباتنا للتسجيل في برنامج الإمارات لرواد الفضاء عبر مركز محمد بن راشد للفضاء. سيتم اختيار الأفضل والأقدر والأكثر كفاءة ليكونوا سفراءنا للفضاء”.
وكان النيادي أحد شخصين تم اختيارهما من بين 4022 متقدما بعد اجتيازه سلسلة من الاختبارات الذهنية والجسدية في الإمارات وروسيا، ففي 3 سبتمبر 2018، أعلن الشيخ محمد بن راشد عن هوية رائدي الفضاء المرشحين وقال “في إنجاز عربي جديد.. نعلن اليوم عن اسمي أول رائدي فضاء عرب لمحطة الفضاء الدولية.. هزاع المنصوري وسلطان النيادي.. هزاع وسلطان يمثلان كل الشباب العربي”.
وبعد اختياره ليكون واحدا من أول رائدي فضاء إماراتيين، قالت البروفيسور ديبرا همفريس، نائب رئيس جامعة برايتون عن سلطان النيادي “نحن فخورون للغاية بواحد من خريجينا وسنراقب مساعيه كرائد فضاء باهتمام كبير”.
كانت مهمة النيادي حلقة من سلسلة التجارب التي تسعى الإمارات إلى تراكمها بما يجعلها جزءا من المشروع الحضاري للدولة ومن الاهتمامات اليومية للمواطنين بقصد بناء وعي جمعي بأن المغامرة أساس النجاح وأن وجود الإمارات في كوكبة الدول المتقدمة تحول إلى حقيقة في الكثير من المؤشرات المهمة، وأن اقتحام الفضاء لا يمكن أن يكون بمعزل عن تطلعات الإماراتيين طالما هناك الإمكانيات والرؤية والطموح.

◙ تجربة رائدة