"سلام بالشوكولا" قصة عائلة سورية تحقق المجد لمدينة كندية نائية

في إطار العروض السينمائية الخاصة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثالثة والأربعين عرض في مقر الجامعة الأميركية وسط القاهرة الفيلم الروائي الطويل “سلام بالشوكولا”، وهو الفيلم السينمائي الأخير الذي شارك فيه المخرج السوري الراحل حاتم علي بصفته ممثلا وليس مخرجا، ويعتبر هذا العملُ العرضَ الجماهيري الأول للفيلم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان المخرج السوري حاتم علي واحدا من ضيوف مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بصفته منتجاً مشاركا لفيلم من إخراج ابنه عمرو علي، وكان من المفترض أن يكون في دورة هذا العام حاضرا بصفته ممثلا وبطلا لواحد من الأفلام الروائية المشاركة في المهرجان والمعنون بـ”سلام بالشوكولا”، لكن القدر حال دون ذلك، فقد فارق الحياة حتى قبل أن يشاهد فيلمه ويشهد على جماهيريته.
وبهذه المناسبة أقامت منصة شاهد VIP بالتعاون مع إدارة مهرجان القاهرة السينمائي عرضا خاصا للفيلم في مقر الجامعة الأميركية حضره لفيف من أصدقاء الراحل، وسبقه عرض فيلم قصير جدا عن مسيرته الفنية.

جوناثان كيجسر: تجربتي الأولى مع ممثلين سوريين تدعو إلى الفخر
قصة نجاح
تدور أحداث فيلم “سلام بالشوكولا”، الذي أخرجه الكندي جوناثان كيجسر وأنتجه السوري الأصل شادي دالي، حول إحدى العائلات السورية التي لجأت إلى كندا وحققت بعد فترة وجيزة من رحيلها واستقرارها نجاحا كبيرا، ليس فقط على الصعيد الشخصي وإنما أيضا على صعيد المدينة نفسها، فقد ارتبط اسم هذه العائلة باسم مدينة أنتيغونش التي احتوتهم وقدمت لهم يد العون والمساعدة.
وفيلم “سلام بالشوكولا”، الذي كتبه المخرج كيجسر بنفسه إلى جانب عبدالله مالك، مقتبس من قصة واقعية حصلت أحداثها مع عائلة سورية لجأت إلى كندا، ورغم أنها استقرت في مدينة نائية وبعيدة جدا عن المدن الكبرى إلا أنها استطاعت خلال بضع سنوات وبدعم من أهالي المنطقة تحقيق نجاح كبير، وخاصة في مجال صناعة الشوكولا التي سبق للعائلة -كما يشير الفيلم- أن زاولت صناعتها في دمشق قبل أن تدمر الأحداث الأخيرة مصنعها وتجبرها على اللجوء إلى كندا.
الجميل في الفيلم أنه لم يتطرق إلى القضايا التي باتت مستهلكة وتقتصر معالجتُها على رحلة السوريين الهاربين من الموت، وإنما تجاوزها ليرصد عكس ذلك تماما؛ إنه رحلة السوريين الناجين من الموت والفشل، رحلة نجاحهم وعبورهم إلى الضفة الأخرى، ليس هذا فحسب بل إن الفيلم يؤكد أيضا على أهمية الدعم والثقافة المجتمعية والرعاية التي تقدمها كندا للمجتهدين أمثال رب هذه العائلة وابنه الشاب اللذين قُدّمت قصتهما في هذا الفيلم، والعمل من بطولة الراحل حاتم علي إلى جانب الفنانة السورية يارا صبري والممثل الشاب أيهم أبوعمار ومجموعة من الممثلين الكنديين.
لكن من أين جاءت فكرة الفيلم؟ وكيف تبناها المخرج والمنتج شادي دالي في أول مغامرة إنتاجية درامية سينمائية؟ يقول دالي “علمت بفكرة الفيلم من قبل صديق مشترك بيني وبين المخرج ووجدتها فكرة جميلة جدا، كان الفيلم حينها من بطولة نجم سوري آخر، وكان المخرج متحمسا جدا لرواية قصة نجاح هذه العائلة وخاصة أنها تقيم في المدينة التي ولد وعاش فيها، فقام بمقابلة أفراد العائلة والاتفاق معهم على تقديم قصتهم في فيلم”.

"سلام بالشوكولا"، الذي كتبه المخرج كيجسر بنفسه رفقة عبدالله مالك، مقتبس عن قصة واقعية
متابعا “قررت بدوري أيضا أن أزور هذه العائلة لأتأكد من أوضاعها وقصة نجاحها، وبعد أن قطعت مسافات طويلة جوا وبرا وصلت إلى مدينة صغيرة جدا تدعى أنتيغونش وهي مدينة لا يتجاوز تعداد سكانها 5000 نسمة، هادئة ومسالمة ويعرف سكانها بعضهم البعض تقريبا، أصابتني الدهشة وسألت السيد هدهد صاحب القصة حين زرته في معمله، ما الذي أتى بك إلى هنا وما أنت فاعل؟”.
ويبين دالي أنه لولا هذه العائلة وقصة نجاحها لما سمع بتلك المدينة الصغيرة ولما تعرف عليها، “إنها مدينة بعيدة جدا وصغيرة إلى درجة أنه يمكن تشبيهها بقرية، وأعتقد اليوم أن معظم من يعيش في كندا قد سمع عنها بسبب نجاح هذه العائلة في صناعة الشوكولا”.
ويؤكد دالي أن قصة الفيلم قد أشعرته بالمجد من ناحيتين، الناحية الأولى: باعتباره رجلاً سوريا يريد أن يظهر للعالم أن السوريين المجتهدين في حال توفرت لهم الظروف المناسبة لا بد أن ينجحوا.
ومن ناحية أخرى: أراد أن يشكر الكنديين أنفسهم على تعاونهم والدعم الذي يقدمونه للقادمين إلى كندا، والذي يعتبر جزءا من ثقافتهم.
يقول دالي “الحكومة الكندية نفسها تقدم الدعم للمشاريع مهما كانت صغيرة، حتى أنها في الكثير من الأحيان تشاركنا بنشر قصص وتجارب الناجحين فيها لنتعلم منها، كل تلك الأسباب دفعتني إلى خوض تجربة الإنتاج التي كلفتنا الكثير وننتظر أن نبدأ بقطاف ثمارها”.
حضور حاتم علي
رغم تغييب حاتم علي لسنوات عن دوره الأساسي كممثل واكتفائه بدور المخرج إلا أن من يشاهد الفيلم يجد أن حاتم قد أظهر طاقة عالية في الأداء بالإضافة إلى الحضور البارز، إلى درجة بدا فيها حاتم إلى جانب الفنانة يارا صبري التي تلعب دور الزوجة شخصيتيْن حقيقيتيْن وليستا فقط من صنع الكاتب والمخرج، واللحظة الوحيدة التي نفقد فيها هذا التماهي كانت في الدقائق الأخيرة من الفيلم عند ظهور الشخصيات الأصلية على الشاشة، فهل كان العمل مكتوبا أصلا ليؤديه حاتم أم أن الظروف شاءت هذا؟
عن تلك النقطة يقول دالي “لاحقا اجتمعت مع حاتم علي المقيم حينها في كندا وحدثته عن الفيلم بشكل عام، وأثناء الحديث فكرت بيني وبين نفسي لماذا لا يكون الفيلم من بطولته، فاقترحت عليه العمل، رغم علمي أنه منقطع عن التمثيل منذ سنوات ومكتف بدوره وراء الكاميرا كمخرج، ولكن حين أخبرته بأن الفيلم سيدور عن السوريين وقصة نجاحهم في الخارج -تحديدا كندا- وأنني أتمنى دعمه لهذا الفيلم من خلال مشاركته معنا، وافق مباشرة رغم ضعف الأجر، بل وكان حريصا على نجاح الفيلم، وتحدث عنه باستمرار مع الأصدقاء”.

شادي دالي: قصة الفيلم أشعرتني بالمجد لأني سوري وأردت شكر الكنديين
إدارة ممثل بحجم حاتم علي المخرج ليست بالأمر اليسير وخاصة بالنسبة إلى مخرج شاب لا يتكلم العربية ولا يتجاوز عمره 31 عاما، ويخوض التجربة الأولى له في إخراج فيلم روائي طويل، فكيف تمكن المخرج من تجاوز كل ذلك؟
يقول جوناثان كيجسر “عندما اقترح علي المنتج شادي دالي اسم المخرج والممثل السوري حاتم علي خفت منه لاعتقادي أنه قد يكون رجلا مغرورا وربما سيتحكم في عملي كمخرج، لكنني تفاجأت به؛ كان رجلا متواضعاً جدا ولم تكن لديه أية مطالب وأعطاني المساحة الكاملة لأعمل بحرية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن حاتم علي كان فنانا حقيقيا قدم نفسه كممثل بكل ما يملك من إمكانيات”.
والأهم من كل ذلك كما يقول المخرج “كنت أشعر أثناء تصوير الفيلم بوجود عينين بدلا من عين واحدة تديره، الأولى عيني أنا المخرج، أما العين الثانية فكانت عين حاتم علي المخرج والتي تعتبر مهمة لأنها تعرف كل التفاصيل التي يجب أن نهتم بها داخل الفيلم، وكأن برفقتي مساعدا خفيا موجودا أثناء التصوير”.
متابعا “حاتم كان في أحيان كثيرة يقترح أشياء لم أفكر فيها، أو أشياء سهوت عنها، فيقوم بلفت انتباهي إليها، أما بالنسبة إلى عائق اللغة فقد كانت هناك صعوبة خاصة أثناء التصوير، لأننا كنا نستخدم ثلاث لغات، العربية والفرنسية والإنجليزية، فأنا أتكلم الإنجليزية والفنيون كانوا يتكلمون الفرنسية بينما الممثلون يتكلمون العربية”.
أما أكثر ما يذكره عن حاتم فهو إدراكه لكل ما هو مطلوب منه، كان يعرف متى تدور الكاميرا ومتى يكون القطع (التوقف) دون أن ينتظر الأمر من المخرج، وهو اليوم حزين جدا لأن هذه التجربة مع حاتم لن تتكرر، واعتبر تجربته الأولى في شمال أميركا مع ممثلين سوريين أمرا يدعو إلى الفخر.
يذكر أن فيلم “السلام بالشوكولا” قد عرض في عدة مهرجانات داخل كندا وأميركا والهند واليابان، وحصل على عدة جوائز من هذه المهرجانات من أهمها جائزة أحسن ممثل للراحل حاتم علي في كل من مهرجان rising sun في اليابان ومهرجان scottsdaletd في أريزونا.