سلامة حماد رجل للمهمات الصعبة

أدّى المناخ الثوري في العالم العربي، خلال السنوات الأربع الماضية، إلى تفجير بنى وذهنيات كثيرة، بعضها كان يسحق الناس تحته، وبعضها الآخر ينتمي إلى هيكل الدولة، ومفاهيم تشكيلها وحضورها وضروراتها، فبدت الأجواء أجواء شباب، ثم بدأت غيوم الإسلاميين تلبّدها، ثم ظهر التطرف الأعمى، وتصاعد التدخل الإيراني في ما وراء حدود العرب، وبات من الضروري لجم الفوضى، والانحدار نحو المجهول.
بدأت بالظهور في تلك الأجواء، تيارات تفكّر في الدولة، والمجتمع، وتحاول تمرير البلاد من هذا الممر الصعب، لتكون مع الناس لا عليهم، وفي الوقت ذاته مع الدولة التي هي في الأصل لم توجد إلا لخدمة الناس، لا لتكون عدوتهم كما في بلدان أخرى.
ويبقى النموذج الأردني في إدارة الدولة مميزاً ورائداً في الحياة العربية، فهو أول دولة عربية تأسست في المشرق بعد انهيار الدولة العثمانية، مبني على تحالف مجتمعي متفق عليه، وسيادة لا تقبل الجدل.
ويعيد الأردن اليوم تقديم النموذج، بانتقاء رجالات الدولة، من بين السياسيين والمتطلعين، ليوضع المكلّف المناسب في مكانه، فقبل شهرين فقط، أعلنت الحكومة الأردنية في بيان رسمي لها تعيين سلامة حماد وزيرا للداخلية خلفا لحسين المجالي الذي قبلت استقالته قبل يومين بعد اتهامه بالتقصير، وبحسب البيان فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين حماد وزيرا للداخلية بمقتضى المادة 35 من الدستور، وبناء على تنسيب رئيس الوزراء عبدالله النسور.
وكانت وسائل إعلام أردنية قالت إن الأجهزة الأمنية أفشلت مؤخرا مخططا لشخص يتبع لفيلق “بيت المقدس″ الإيراني كان ينوي تنفيذ عمليات إرهابية في الأردن، وذلك بعد القبض عليه وضبط كمية كبيرة من المواد شديدة الانفجار كانت مخبأة بمنطقة في شمال البلاد، كما أوردت الأخبار أن هيئة عسكرية لدى محكمة أمن الدولة عقدت أولى جلساتها في محاكمة المتهم والذي يحمل الجنسيتين العراقية والنرويجية، ويدعى خالد كاظم الربيعي والذي يعمل لصالح المخابرات الإيرانية وفق لائحة الاتهام.
أمن الأردن
ليس هذا هو حقل التحدي الوحيد، الذي يواجه أمن الأردن، لتتقاسمه الداخلية مع المخابرات العامة، وهو لا يكف عن ربط المسؤولية بالجميع، أجهزة الدولة كافة، مؤكداً على الجهود النوعية المميزة التي تبذلها “كوادر مديرية الأمن العام وقوات الدرك” لتوفير الأمن والأمان للوطن والمواطن وترسيخ أركان الاستقرار في جميع بقاع المملكة ستبقى على الدوام محل فخر واعتزاز لكل أردني وأردنية.
وكانت أحدث تصريحاته ترجع الفلتان الأمني في بعض الدول إلى “غياب عناصر الأمن والأمان” الأمر الذي تضمحل أمامه جميع المنجزات التنموية، لأن الأمن هو الحصن المنيع الذي يحمي مكتسبات الدول ومنجزاتها، ويقول الوزير حماد: إن عدد المطلوبين الخطيرين والمسجل بحقهم طلبات أمنية عديدة على جرائم ارتكبوها وألقي القبض عليهم في مختلف محافظات المملكة بلغ 182 مطلوبا منهم 152 ألقي القبض عليهم خلال الشهرين الماضيين.
الأردن ليس بمنأى عن رياح تهبّ من هنا أو هناك، من قوى التطرف التي نمت في الشرق الأوسط، سواء كانت سنية أو شيعية، وهو بموقعه الحساس، وبإطلالته على الدول العربية المحيطة به، وجواره للقدس وفلسطين وإسرائيل، والخليج العربي جنوبا، يعد أفضل ساحة مشتهاة للإرهاب ليضرب فيه بكل صنوفه
وكان الكشف عن “المخطط الإيراني” لتنفيذ تفجيرات خطيرة في الساحة الأردنية، التي هي الأكبر منذ عشر سنوات، قد عكس حجم التحديات الكبيرة والمهام الصعبة التي قدّر لوزير الداخلية المتجدد ورجل المهمات الصعبة سلامة حماد مواجهتها، وهو الذي استلم الوزارة في ظروف سياسية وأمنية هي الأصعب بين ما يمر على المملكة الأردنية الهاشمية بشكل خاص وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
سلامة حماد الذي أعاد هيكلة جميع المديريات الأمنية في البلاد، كان قد ولد في منطقة الرميل بالعاصمة عمان عام 1944، وسبق لحماد تولي هذا المنصب على فترتين في حكومتين مختلفتين بين عامي 1993 و1996، وكانت الحكومة الأردنية قد اعلنت قبل التعيين بيومين فقط استقالة المجالي وإحالة كل من مدير الأمن العام اللواء توفيق الطوالبة ومدير الدرك اللواء أحمد السويلميين إلى التقاعد بسبب التقصير وسوء التنسيق في التعامل مع القضايا الأمنية، وجاءت تلك الإجراءات إثر إحداث عنف جديدة شهدتها مدينة معان جنوب الأردن، والتي اشتكى أهلها من استخدام القوة المفرطة من قبل رجال الأمن في تعاملهم مع مطلوبين أمنيين.
شهدت معان الصيف الماضي أحداث شغب وإحراق بنوك ومبان حكومية واشتباكات مع قوات الدرك أدت لسقوط قتلى وجرحى فيما كانت قوات الأمن تسعى للقبض على 19 مطلوبا، قبل أن يسلم أهالي المدينة جلّهم بالاتفاق مع نواب ووجهاء عشائر.
التغيير الجذري
درس حماد المراحل التعليمية الأساسية في عمان، وحاز على بكالوريوس الحقوق من جامعة بغداد عام 1969، كما نال دبلوم المعهد الدولي في الإدارة العامة من باريس عام 1974، ويحمل الوزير الدبلوم الأول في الإدارة المحلية والحضارة الفرنسية من جامعة السوربون عام 1976.
شغل مناصب عدة في الدولة الأردنية، بدأت بمدير ناحية في وزارة الداخلية، ومن ثمة تولى مدير قضاء ومتصرف للواء العقبة، كما تولى منصب مدير قسم الجنسية والأجانب، وبعدها أصبح المحافظ المشرف على الانتخابات النيابية، بعد ذلك تسلم حماد منصب أمين عام للجنة الوزارية المكلفة بترتيبات عودة الملك إلى أرض الوطن.
ونال سلامة حماد أوسمة عدة منها، وسام الاستقلال من الدرجة الثانية، ووسام الكوكب من الدرجة الثانية، وقد قال خلال مأدبة إفطار أقامها قبل أسابيع، لرؤساء تحرير الصحف اليومية ومديري الإعلام الرسمي بحضور مديري الأمن العام والدرك والدفاع المدني وعدد من كبار موظفي وزارة الداخلية، إن حالة الأمن والأمان التي يتمتع بها الأردن وسط هذا المحيط الملتهب لم تأت من فراغ، إنما جاءت نتيجة عمل دؤوب وبناء مستمر وفكر نير خلال عقود طويلة، فكانت هذه النتيجة التي جعلت الأردن آمنا وسط حريق كبير، وأكد حماد ضرورة تمتين المنظومة الأخلاقية في البلاد حيث أنها الأساس في البناء الأمني المجتمعي ويجنب البلاد الوقوع في المحظورات، وهذا يقع واجبه على البيت والمدرسة والمسجد، وأضاف أن مواجهة الفكر المتطرف لا تكون إلا بالفكر المستنير الذي يعتمد على أصول الإسلام الحقيقية لأن الإسلام دين سماحة وتسامح.
عن الدور الأردني في مكافحة الإرهاب، يرى حماد أن التطرف الأعمى والإرهاب الفكري والمادي الآخذ بالانتشار والتزايد في شتى أرجاء المعمورة، “يحتم علينا وضع البرامج والخطط الكفيلة باستئصاله من جذوره وزيادة عرى التعاون والتنسيق بين الدول وتبادل الخبرات والمعلومات التي تساعد في تحقيق هذه الغاية”، ويعتقد أن من أوليات عمله كوزير ضرورة محاربة الفكر المتطرف بالفكر السليم والحجة القوية والإقناع والحوار الأيديولوجي، ويحاول بناء استراتيجية في هذا المجال لنشر الوعي بخطورة التطرف والإرهاب عبر مختلف المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.
النموذج الأردني في إدارة الدولة يبقى مميزا ورائدا في الحياة العربية، فالمملكة الهاشمية أول دولة عربية تأسست في المشرق بعد انهيار العثمانيين، لتصبح كيانا مبنياً على تحالف وتفاهم مجتمعي متفق عليه، وسيادة لا تقبل الجدل، تمكنت من الاستمرار في منعطفات غاية في الصعوبة
التطرف والبيروقراطية
شكلت مشاهدة سلامة حماد طوابير المراجعين أمام مبنى دائرة الجنسية وشؤون الأجانب صدمة له، كما يقول، وذلك أثناء مروره مصادفة من أمام المديرية، ليقف حينها على حجم البيروقراطية والتراخي الحكومي في خدمة المواطنين والأجانب، ليعلن سريعاً أن هذا الوضع يستدعي استبدال الحالة القائمة بحالة أفضل، الطابور الذي لفت انتباهه امتد من داخل مبنى مديرية الجنسية وشؤون الأجانب التابعة للوزارة، الملاصقة لها إلى خارج المبنى وبأعداد غفيرة، ومن مختلف الشرائح، كبار سن، نساء، أطفال، يصطفون تحت أشعة الشمس، بينما كانت الساعة تشير إلى بدء اقتراب الدوام الرسمي الساعة الثامنة والنصف صباحا، ولم يجد الوزير عند دخوله مبنى دائرة الجنسية أيا من الموظفين يستعد لبدء عمله، وطابور المراجعين في تزايد.
ما زاد غضب الوزير أيضا أن المحافظ، مدير مديرية الجنسية وشؤون الأجانب لم يكن قد وصل إلى دوامه بعد، وانتظر الوزير في مكتب المحافظ المدير إلى حين وصوله، وطلب منه النظر إلى قاعة خدمة الجمهور الخالية من الموظفين برغم بدء ساعات الدوام الرسمي منذ ما يقارب النصف ساعة، وبسبب تلك الحادثة عمم حماد على المحافظين ومدراء الدوائر التابعة للوزارة أن يكونوا في مكاتبهم في الساعة الثامنة صباحا، كما وعد حماد بعد استلامه مهام وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة صحفية إلى أنه سيمنح ملف البيروقراطية والترهل الحكومي أولوية، وسيضع حدا للوساطة والمحسوبية التي ترسخت بحكم الظروف، والمدد الزمنية، ومنح القيادات الشابة المؤهلة فرصة لتفعيل دور الوزارة.
خبرات تعود
الكاتب والمحلل السياسي سلطان الحطاب كتب يصف سلامة حماد قائلا “حين أكتب عن الوزير سلامة حماد الذي يحمل حقيبة سيادية هي حقيبة الداخلية فإنني أكتب بموضوعية عما عرفته عنه ومنه أثناء عمله وزيرا للداخلية قبل أكثر من عقد من الزمان كان في قمة عطائه، وهو إذ يعود إلى الداخلية ليصب خبراته ويعيد ربط البراغي وشد الرحال مجددا إلى أهداف واضحة”.
ويضيف حطاب “لم يكن الوزير إقليميا أو متعصبا كما حاولت أطراف أن تقدمه ولم يكن شلليا كما حاولت أطراف أخرى، ولم يكن له أجندات خاصة، بل كان موظفا كبر مع الوظيفة وتعلم الكثير وحفظ درس الكفاءة والانتماء والولاء ومزج بينهم مزجا أعفاه من الادعاء والنفاق والخطابة الرخيصة، لم يهادن في الماضي لأيّ قوى مستهدفة تغيب القانون وابتزاز المؤسسات”.
كثيرون من الخبراء يعتقدون أن قدرة حماد على إعادة تجسير الفجوة التي حصلت ما بين الداخلية والمواطنين حين كان من تعاقبوا يزيدونها عمقا، وحين كانت الحقيبة السيادية توكل للبعض من باب الاستمالة والترضية فكان العبث والاستهتار والشعبوية التي لم تخاطب الشعب وإنما فئات محددة.
قيل أيضاً إن “قطاف الرؤوس″ لا يبدو صعبا اليوم على وزير من وزن حماد، فقد كان ضمن الوزارات الأكثر تضييقا على الحريات في البلاد والتي هندست نظام الانتخابات الحالي والذي لا يزال الأردنيون يرزحون تحت تبعاته ولا يستطيعون الخروج من تحته، ذلك إلى جانب كونه يؤشّر في كل جلساته منذ يوم توليه الحقيبة الوزارية على مواطن الخلل وهو يتحدث بجرأة عن “فساد” في وزارته وعن المخدرات التي تكاد تكون كارثة وطنية لوقوف متنفذين خلف تجارتها وغيرها من المسكوت عنه في البلاد.
حماد يرى أن التطرف الأعمى والإرهاب الفكري والمادي الآخذ بالانتشار والتزايد في شتى أرجاء المعمورة، “يحتم علينا وضع البرامج والخطط الكفيلة باستئصاله من جذوره
داعش والإخوان وإيران
ليس الأردن بمنأى عن رياح تهب من هنا أو هناك، من قوى التطرف التي نمت في الشرق الأوسط، سواء كانت سنية أو شيعية، وهو بموقعه الحساس، وبإطلالته على الدول العربية المحيطة به، وجواره للقدس والعراق وفلسطين وإسرائيل، والخليج العربي جنوباً، يعدّ أفضل ساحة مشتهاة للإرهاب ليضرب فيه بكل صنوفه.
وقد أرادت قوى مثل الإخوان المسلمين أن تلعب دوراً مشابهاً لما قامت به في دول أخرى في المنطقة، كما أراد تنظيم داعش جرّ الأردن، الذي يشارك في التحالف الدولي بطائراته وطياريه، الذين كان من بينهم الطيار الكساسبة الذي أحرقه التنظيم في مشهد روّع العالم بأسره، يضاف إلى هذا العمل الإيراني المتواصل على زعزعة أمن الأردن، لا سيما وأن ملكه كان أول من حذّر قبل سنوات من قيام الهلال الشيعي الفارسي في المشرق.
كل هذا يحتاج إلى وعي دقيق بمخاطر المرحلة الراهنة، والوزير سلامة حماد، يملك الأدوات لتطهير المنظومة الأمنية من بعض ما شابها من شوائب في الأيام الماضية والتي انشغلت فيها الدولة عن الكثير من أركان المنظومة والوزارة على حد سواء، ليبقى السؤال المعلّق، هل سيرى الأردنيون للرؤوس المقطوفة آثارا حقيقية على حلول مشكلات من وزن ما ذكره حماد وأكد عليه، خصوصا وهم يرون أن الإطاحة أولى الحلول وآخرها حتى اللحظة.