سقوط مدوّي للمستشار النمساوي الشاب

المعارضة تصور زيباستيان كورتس على أنه سياسي لا يطمح إلا للسلطة.
الثلاثاء 2019/05/28
الخروج من الباب الصغير

فيينا - حقق النمساوي زيباستيان كورتس انتصارات باهرة في الانتخابات على كل الأصعدة، وحقق كذلك أفضل نسب تأييد شعبي، كما نجح في تحقيق أغلبية مستقرة، ولكن أركان السلطة انهارت في أقصر وقت تحت أقدامه.

بدا كورتس وكأنه لم يستوعب ذلك، ورغم أنه ظهر وكأنه رابط الجأش، إلا أنه بدا مضطربا، مخدرا، فاقدا الوعي من شدة صدمة غير متوقعة.

لقد كان يجلس لتوه مستقرا في كرسي الحكم، ولكن سرعان ما سقط هو وحكومته في لحظة، من خلال أول تصويت ناجح في تاريخ النمسا على سحب الثقة.

سرعان ما سقطت حكومة كورتس عقب عشرة أيام فقط عن الأزمة التي تسببت فيها فضيحة فيديو نائبه السابق، هاينس كريستيان شتراخه، لتضع حدا لتطلعات المستشار النمساوي البالغ من العمر 32 عاما. لقد قلب طلب سحب الثقة الذي تقدم به الحزب الاشتراكي النمساوي والحزب التحرري النمساوي، البلاد رأسا على عقب.

وتعززت قوة المعارضة النمساوية منذ فشل تحالف حزب الشعب النمساوي وحزب الحرية النمساوي، واستغلت أولى فرصها.

وانتقدت رئيسة الحزب الاشتراكي النمساوي، باميلا ريندي فاجنر، طريقة تعامل المستشار النمساوي مع البرلمان قائلة "أنتم لا تريدون الإقناع، بل الانتزاع".

كما اتهمه وزير الداخلية النمساوي السابق، هيربرت كيكل، العضو بحزب الحرية النمساوي، بـ "المتسلط".

Thumbnail

وتحول ولع طفل أوروبا المعجزة بحالة المعركة الانتخابية المستمرة، بمثابة لعنة له، وويرى أندريا كونتسل، نائب البرلمان عن الحزب الاشتراكي، أن كورتس ألقى "كلمة معركة انتخابية نارية" خلال البيان الأول للمستشار النمساوي بشأن الأزمة الحكومية، وأضاف "لم يكن ذلك لائقا بمستشار نمساوي، إن ذلك يجلب عدم الثقة شيئا فشيئا".

وصورت المعارضة كورتس على أنه سياسي لا يطمح إلا للسلطة، والذي لا يفكر في المصلحة الوطنية إلا إذا رأى أنها تخدمه.

وذكًّر متحدثون من المعارضة بالدور الذي زعموا أنه كان هداما لكورتس في إنهاء ائتلافين حكوميين خلال عامين فقط بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الشعب النمساوي عام 2017.

وحرص كورتس خلال كلمته في البرلمان على الظهور هادئا، ومنتقيا كلماته كرجل دولة.

كما أنه رأى نفسه بالفعل كشخص يعرف ما يريده الشعب، عندما قال "إسقاط الحكومة الآن، إضافة إلى كل ما سبق، وقبل بضعة أشهر من الانتخابات، هذا شيء لا يمكن أن يتفهمه شخص في هذا البلد".

وبالفعل فإن أغلبية من النمساويين يرفضون طلب سحب الثقة من حكومة كورتس، لذلك فإن هذه الخطوة تعتبر بالنسبة للحزب الاشتراكي أمرا حساسا.

وعلقت الصحافة المحلية على مشاركة الحزب الاشتراكي النمساوي في تقديم طلب سحب الثقة، قائلة إن الحزب كون رأيه في غرفه الخاصة، ورأت أن الحزب "يخلط بين ما يشعر به مسؤولو الحزب و فقاعة تويتر مع الناخبين".

ومني الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال الانتخابات الأوروبية بأسوأ نتيجة في تاريخه، بحصوله على 23% من أصوات الناخبين.

ولكن هذه الهزيمة المزرية لم تمنع رئيسة الحزب، ريندي فاجنر، من شن هجوم على المستشار الشاب، البالغ من العمر 32 عاما، حيث بدت الفرصة مغرية لحرمان كورتس من ميزة تقلد المنصب، و تخليه عن المساعدة الاستراتيجية الواسعة التي يحصل عليها من الجهاز الحكومي.

ويسعى الاشتراكيون الديمقراطيون الآن لتشكيل حكومة كفاءات بحتة، ويرى الحزب في ذلك فرصة له.

ويأمل الحزب في أن يتولد انطباع لدى الناخبين حتى موعد إجراء انتخابات جديدة في سبتمبر المقبل، بأن الحكومة يمكن أن تسير أيضا بدون كورتس، شريطة أن يكون هناك ثقل سياسي في القمة، وهو المفوض الأوروبي السابق لشؤون الزراعة، فرانس فيشلر، والذي طرح اسمه بشكل غير رسمي، ولكن أحدا لم يؤكد ذلك حتى الآن.

وفيشلر هو الشخص الوحيد الذي تنطبق عليه الأوصاف المطلوبة، ووفقا للمعطيات الحالية فإن الرئيس النمساوي، ألكسندر فان دير بيلين، يريد السياسي صاحب الخبرة الأوروبية، وذلك لأن هذه المواجهة تأتي في وقت غير مناسب للنمسا.

Thumbnail

ستكون هناك خطوات تمهيدية بالغة الأهمية في بروكسل، بدءا من الثلاثاء، إذ ليس من المعروف ما إذا كان كورتس سيستطيع السفر للقمة الأوروبية الاستثنائية أم لا، حيث من الممكن أن يترك فان دير بيلين الحكومة في منصبها فترة قصيرة.

ويقول المستشار السياسي، توماس هوفر، في "لا أرى بين أبرز المرشحين الآن للمجلس الوطني شخصا يداني كورتس من ناحية القدرة على التواصل مع الناخبين".

كما أن شعبية حزب الحرية النمساوي قد عاودت الصعود رغم ما عرف بفضيحة إيبيزا التي ظهر فيها رئيس الحزب، السابق، شتراخه، في مقطع فيديو، وهو مستعد للفساد.

من المتوقع أن تظل الحكومة الانتقالية التي ستشكل بإشراف الرئيس النمساوي ستة أشهر على الأقل، سيتوجب عليها البقاء إلى أن يتم التوصل لحكومة جديدة عقب الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل.

من غير المستبعد أن يجعل استعراض القوة الذي قامت به المعارضة، من كورتس شهيدا سياسيا، يستطيع أن يقترب من هدفه أكثر كفائز خلال الانتخابات المقبلة.

وترجح مصادر صحافية أن تعطي العراقيل الحالية لكورتس دفعة قوية. كما رأى قيادي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن كورتس "قادر على الفوز في أي انتخابات مهما فعل".